لن يكون السقوط المتوق للنظام الإيراني بالسهولة التي يتخيلها البعض، ويصعب توقع أن نصحو يوماً على خبر هروب خامنئي وروحاني ورفاقهما إلى دولة أخرى، لأسباب واعتبارات عدة منها أنه لا توجد دولة في العالم يمكنها قبول استضافة الملالي، فخامنئي ليس الخميني الذي استضافته فرنسا، وروحاني ليس شاه إيران كي يجد من يستضيفه. السبب الثاني والأهم أن النظام الإيراني ليس نظام حكم تقليدي قابل للانهيار في حال تعرض لظروف معينة، فالقائم في إيران هو نظام حكم ثيوقراطي يستند إلى قاعدة عسكرية وأمنية مؤدلجة وليست من الدولة العميقة كما يقال.

فالملالي لا يعتمدون في حماية النظام على الجيش الإيراني والداخلية الإيرانية كما هو معتقد، بل يعتمدون على اذرع عسكرية وأمنية قوية مثل ميلشيات الحرس الثوري من عناصر "الباسيج" الذين تتجاوز أعدادهم المائة ألف فرد، وهم عناصر مؤدلجة تدين بالولاء التام والمطلق لرجال الدين وقادة الحرس الثوري، ويصعب توقع انهيار هذه القوات في مواجهة ضغوط المتظاهرين كما حدث في حالات مشابهة، بل إنهم سيلجأون إلى القتل وتصعيد العنف ضد هؤلاء المتظاهرين بغض النظر عن اعداد الضحايا والقتلى.

لن يستسلم الملالي لمصيرهم بسهولة، ولن يقبلوا بسقوط النظام مهما سفكت من دماء، ولذلك نجد أن مفردات الثورة قد طفت على سطح الأحداث بمنتهى السرعة، فمسؤولي النظام الإيراني يتحدثون عن عناصر "معادية للثورة" رغم أن قادة النظام يشيرون غالباً إلى أن مفهوم "الدولة" في تصريحاتهم، ما يعكس استمرار النهج الثوري في هذا النظام وفشل كل جهود تحويل البلاد من "الثورة" إلى "الدولة"، وهي الإشكالية التي استغرق الباحثون العرب كثيراً في الجدل بشأنها، رغم أن كل المؤشرات تؤكد أن إيران لم تتجه يوما إلى سلوك الدولة منذ عام 1979!

الثورة الإيرانية الحالية هي ثورة شعبية بامتياز، يصح أن نسميها "ثورة البيض" The Egg Revolution، لأنها لم تندلع بإيعاز خارجي كما يزعم قادة الملالي بل بسبب ارتفاع أسعار البيض بعد إعدام الحكومة ملايين الدجاج المصاب بإنفلونزا الطيور!

أسعار البيض هي القشة التي قصمت ظهر الملالي وليست كل الأسباب ولا حتى السبب الأساسي في الغضب الشعبي العارم على النظام، حيث نلاحظ أن الشعارات التي يرفعها المتظاهرين تركز في معظمها على الفساد وارتفاع الأسعار بشكل عام، فضلاً عن مخاوف الشباب وغضبهم من الانفاق المالي الباهظ للملالي على التدخلات الخارجية في أرجاء المنطقة وسقوط إيران في عزلة أشد من عزلة ما قبل توقيع الاتفاق النووي بسبب سياسات النظام، التي أوقعته في عزلة مزدوجة على الصعيدين الإقليمي والدولي معاً.

يحلو لبعض المراقبين إجراء مقارنات بين موجة الغضب الحالية في إيران وتلك التي شهدتها البلاد عام 2009 عقب التلاعب في الانتخابات الرئاسية، ولكن هذه المقارنة يغيب عنها عنصر أساسي ومحوري وهو تأثير ما حدث في دول عربية عدة منذ عام 2011، حيث يشعر الشباب الإيراني الآن أن بإمكانهم إطاحة هذا النظام، وأن هناك أنظمة أخرى أطيحت تحت ضغط التظاهرات المستمرة والعزلة الدولية للنظام والمطالبات الخارجية بتخليه عن الحكم، والتي تفقده الشرعية الوطنية والدولية.

صحيح أن النظام الإيراني لا يعير للضغوط والمطالبات الدولية للتخلي عن الحكم أي اعتبار، ولكنه كان يفعل ذلك عندما كان يحاول تصدير فكرة الدعم الشعبي له إلى الخارج، وبعد انفضاح الأمر وسحب البساط من تحت أقدامه شعبياً، فلا مجال للقول بأن هناك عدم التفات للمطالبات الدولية بتخلي الملالي عن الحكم!

الشعب الإيراني بات يدرك أن عوائد النفط تذهب إلى الانفاق السخي على الميلشيات الطائفية في اليمن والعراق وسوريا، وأن النظام يخوض حروباً وصراعات لا ناقة للإيرانيين فيها ولا جمل، وأنه لا يعقل ترك ملايين الإيرانيين يعانون الفقر والجوع في حين يتمتع جنرالات الحرس الثوري بمليارات الدولارات من ثروات الفساد والتربح غير المشروع واحتكار الاقتصاد الإيراني لمصلحتهم.

ربما لا يعرف الكثيرون أن معدلات التضخم في إيران قد بلغت خلال سنوات قليلة سابقة نحو 40%، ولا يشعر الشعب الإيراني بأن هناك أي افق لتحسن الأوضاع بعد زوال شحنة الوعود التي روجها الملالي عبر توقيع الاتفاق النووي مع القوى الدولية.

وصندوق النقد الدولي سبق له أن طالب بإعلان إفلاس بعض البنوك الإيرانية رسمياً بسبب استفحال مشكلة الديون المستحقة التي أصبح استردادها شبه مستحيل، وطالب بإصلاح اقتصادي كبير لمعالجة آثار انكماش اقتصادي تعيشه إيران منذ سنوات مضت، ولكن الواقع أن هناك تزايد في مساحات الفساد لاسيما داخل الطبقة الحاكمة والحرس الثوري الذي يحتكر الاقتصاد الإيراني لمصلحته تماماً!

هل يمكن في ظل هذا المشهد السوداوي اقتصادياً واجتماعياً القول بان هناك مستقبل لمثل هذا النظام البائس؟ الإجابة واضحة وإن لم يسقط البوم فغداً، والفيصل هو الوقت وإرادة المتظاهرين الإيرانيين في مختلف شوارع البلاد.