منذ ست سنوات ونيف، كان صديقا لي يصر في حديثه عن الدور الأمريكي في سورية، أن هذا الدور يسعى لاعادة تاهيل الأسد. 

كنت اجيبه" ليت الموضوع هكذا". أوباما فتح سورية على مذبحة دولية. الغاية منها تأهيل الجريمة بحد ذاتها. 

الأسد سيتحول وفقا لهذه السياسة الاوبامية، الى طرف بوصفه مجرم كبير، لكنه صغير جدا سياسيا. 

القصة الاوبامية باختصار تاهيل كل المجرمين في سورية. ايران وحزب الله وروسيا لاحقا والان اتى الدور لتاهيل تركيا. طبعا دون ان ننسى التحالف الدولي الإرهابي الذي يواجهه التحالف الدولي الأمريكي..

 هذا ما أسس له أوباما. انها تاهيل الجريمة بحق الثورة السورية والشعب السوري. القضية ليست مؤامرة، بل كانت واضحة وضوح أوباما نفسه. أوباما لم يكن ضعيفا ولا مترددا ولا كونه يريد الانسحاب من الشرق الأوسط، كما كان يلمح بعض الأصدقاء، هذا الانسحاب، كانوا يقرأونه نتيجة ازمة الاقتصاد الأمريكي. كنت أقول لهم ان القفاز الأبيض الذي يرتديه أوباما، بوصفه حمامة سلام، هو اخطر رئيس امريكي ضد شعوب المنطقة. جردة بسيطة:

أوباما منع أي اجراء لحماية المدنيين في سورية من المجزرة الاسدية، وتم تهجير السوريين باشرافه. سمح لإيران ولحزب الله بقتل السوريين. سمح لحكومة المالكي بتصدير الجهاديين الى سورية. برعاية بعض الدول الإقليمية. ثم لاحقا سمح للروس بالظهور بانهم المتصرف الوحيد بالملف السوري. كل ذلك من اجل اجهاض ثورة الشعب السوري، التي اسقطت اسد إسرائيل.


لا يمكن إبقاء الأسد كقاتل، الا بتحويل سورية الى ساحة قتل دولي واقليمي. منذ بداية ولايته الثانية، كانت معزوفته للمعارضة السورية" اذهبوا للروس". لمعرفته ان المعارضة لا تستطيع الذهاب لقاتل من جهة، ومن جهة أخرى يبقى أوباما المتحكم بالملف، يديره بطريقته، والحجة انتاج اتفاق نووي مع خامنئي. والا ماذا تعني صفقة الكيماوي مع الأسد؟

 الان سورية محتلة من خمسة جيوش، الاسدي والإيراني والروسي والامريكي والتركي. كما يكتب توماس فريدمان في مقاله الأخير للنيورك تايمز وهو يجلس على ناصية في الجولان تطل على المقتلة، التي صنعها ساسته." تسائل فريدمان: “هل ثمة مكان آخر في العالم تجد به قوات سورية وروسية وأميركية وإيرانية وتركية، تستعد للقتال على الأرض والجو، جنباً إلى جنب مع ميليشيات من المرتزقة الشيعة الموالين لإيران من العراق ولبنان وباكستان وأفغانستان، ومقاتلين أكراد موالين للولايات المتحدة من شمال سوريا، وبقايا داعش، ومجموعات متنوعة من المعارضين السُنَّة و(متعاقدين) من الروس الأرثوذكس القوزاق الموالين للنظام السوري والذين ذهبوا إلى سوريا للدفاع عن روسيا الأم ضد (الهمجيين المجانين) -(إنَّني لا أختلق هذا الأمر!)ـ 

كل أولئك يحتكون بعضهم ببعض؟". 
طبعا يغيب عن اللوحة الفريدمانية، سؤال لماذا دخل كل هؤلاء؟ ومن ادخلهم؟ أيضا لماذا لم يأتي كل هؤلاء للمشاركة في قتل السوري، قبل ثورته من اجل حريته وكرامته؟ الثورة التي شارفت على دخول عامها الثامن. غياب هذه الأسئلة وغيرها، يشبه تماما تغييب أوباما لملف حقوق الانسان في سورية عن واجهة الحدث دوليا.

 تصوير الحدث على انه تقاسم نفوذ في سورية، بين هذه القوى المتوحشة، هو الجزء الطافي على سطح الحدث الاوبامي. اما جوهر القضية، يكمن في ان كل هذا التوحش جاء ليحتل الثورة السورية التي اسقطت اقذر نظام عرفته البشرية. لماذا لم نشهد هذا التدخل من اجل مناطق النفوذ، قبل ثورة الشعب السوري؟ لا اظن ان هذا خافيا عن صحفي خبير مثل فريدمان لكنه، يخفي هذه الأسئلة عمدا. أعلنت بلاده انها ستبقى تحتل الجزيرة السورية، بعد ان دمرت مدينة الرقة عن بكرة ابيها. هذه الجزيرة هي مصدر العملة الصعبة لسورية، من نفط وغاز وقمح وقطن. دخلت ولم يجرؤ لا الروس ولا قوة أخرى على رفض هذا الدخول، المتعايش مع نظام الأسد في القامشلي. لانه نظام ارتزاقي، مستعد لبيع كامل سورية من أجل ان يبقى على كرسي الحكم، بعدما اشبع العالم مجازر لا تريد الادارة الامريكية، تحويلها الى لاهاي. من جهة أخرى هنالك من يتحدث أيضا، ان أمريكا لم تعد بذات القوة، خاصة من قبل سوريين. الغاية طبعا من هذا الحديث لدى بعضهم كي لا يقول: ان من حمى ويحمي حتى اللحظة الأسد من السقوط هي أمريكا، والروس والايرانيون مجرد قتلة. 

تم قصف المرتزقة الروس أمريكيا. كما اعترفت بذلك وزارة الخارجية البوتينية. التناقض الظاهري في القضية، يعود بي الى مقدمة المقال، أمريكا لا تريد تأهيل الأسد، بل ارادته طرفا في تأهيل كل هؤلاء القتلة في سورية. انها الجريمة الكاملة. الدول التي دخلت سورية، لن تخرج الا بقرار امريكي. وامريكا ليست بوارد اصدار مثل هذا القرار. 

لا روسيا قادرة على اخراج ايران او تركيا او أمريكا، وامريكا لا تريد اخراج البقية، وتستمر المقتلة بوصفها عملية تقاسم نفوذ، والكل يقتل في شعبنا، لانه أراد حريته وكرامته، هذا هو تأهيل الجريمة الكامل. دور الأسد للتغطية" الشرعية على هذا التأهيل المجرم للجريمة فقط لاغير. الثورة هي المعتقلين بمئات الالاف، والمفقودين مثلهم، والضحايا تجاوزوا المليون، و12 مليون مهجر ونازح دمرت مدنهم وقراهم كاملة. كل هذا تم باشراف امريكي وتنفيذا مع بقية القتلة.