خلال السنوات الأولى من بعد سقوط النظام السابق في العراق نشرت سلسلة من المقالات عن الأحداث الجارية آنذاك؟....... وقد اختارت (مكتبة إيلاف) الالكترونية إصدار تلك الكتابات في كتاب وضعت له عنوان: (العراق الجديد والمخاض العسير) وكان ضمن المواد دراسة بعنوان (الديمقراطية علمانية) حيث عبرت عن رأيي بأن الديمقراطية والعلمانية بمعناها الواسع والأصيل وجهان لمبادئ واحدة. فالعلمانية ليست فقط في فصل الدين عن السياسة وإنما تعني أيضا احترام كل القوميات والأديان وحرية المعتقد، ومبدأ المواطنة والمساواة. وقد رأيت أن علمانية أتاتورك، بالرغم أنها في ظروفها الخاصة كانت انقلاباً على قوى المحافظة والتكلس الديني، فأنهاكانت ناقصة لكونها لم تلتزم بمبادئ حقوق الإنسان والقوميات. 

وحين كان عنوان كتابي (العراق الجديد .....) ، فقد قصدت ذلك العراق الديمقراطي العلماني الفيدرالي . كنت ممن كانوا يرون أن هذا الهدف لن يأتي بمجرد سقوط نظام البعث ، وإنما يتطلب فترة زمنية طويلة ومراحل متعددة نتجاوز فيها العراقيل والصعاب والتحديات خطوة فخطوة، ، لاسيما والعراق لم يمّر في تاريخه الحديث بمرحلة الديمقراطية العصرية المنشودة, لم أكن شديد التفاؤل ولا كنت متشائماً، بل بين بين. أما اليوم ، وبعد سنوات من سلطة الإسلام السياسي، فقد صرت أرى أن هدفنا المنشود يبتعد تحقيقه أكثر فأكثر، ولكنه قادم لا محالة. أنني لا أتصور الانتخابات القادمة ، حتى لو جرت بحرية ، ستكون حاسمة في الطريق المنشود، بالرغم أن الحرية التي نبتغيها غير متوفرة عواملها اليوم .. و أضن أن أقصى ما نتوخاه في هذه الظروف هو أن تحقق قوى التغيير اليسارية والمجتمع المدني ، تكوين كتلة برلمانية قوية واعية وشجاعة ، بإمكانها ومن واجبها العمل لتحريك الجماهير خطوة خطوة ونشر أفكار ومبادئ المواطنة وتعبئة قوى أخرى في العمل ضد الطائفية والفساد والتقوقع الديني المذهبي والقومي. أن كل ما من شأنه إضعاف قوى المحافظة والفساد والطائفية سيكون خطوة كبرى إلى أمام ن ربما تليها خطوات ايجابية أخرى في طريقنا الطويل المنشود نحو العراق الديمقراطي العلماني ، القائم على مبدأ المواطنة واحترام الحقوق والمساواة.ومع أنها لم تمّر بمرحلة كهذه أو قريبة منها ، فقد مررنا في بعض محطات تاريخنا الحديث بصفحات من التآخي والتعايش ، على أساس المواطنة وبرزت شخصيات سياسية مرموقة ومفكرون وكتاب ومن الجنسين ، جديرة بأن نتعلم منها اليوم ونطور أفكارها وممارساتها، صحيح أن عراقنا يعيش وسط أزمات حادة في المنطقة وظروف دولية غير مناسبة ، ليست لصالح التغيير الديمقراطي المنشود، ولكن هذا يجب أن يحفز قوى التغيير العراقية إلى مزيد من الصلابة والتكاتف مع المرونة السياسية اللازمة. وكل الأمل أنتنجح في امتحانها العسير القادم قريباً.