تركيا بقيت تحت حكم العلمانيين قربة ثمانين عاما . العلمانية التركية كانت علمانية استقصائية متوحشة تهدف الى قطع اواصر الاتراك عن كل تاريخهم وثقافتهم وتقاليدهم وعاداتهم بل وحتى دينهم وان كان بدرجة اقل .

العلمانية بدأت في عهد اتاتورك سنة 1923 واستمرت الى وصول حزب العدالة والتنمية عام 2002 الى سدة الحكم .

العلمانيون منعوا رجال الدين من ارتداء الجبة وغطاء الرأس خارج خارج الجوامع .

حرموا على النساء الحجاب وتغطية الشعر في كل ادارات الدولة الرسمية بما فيها المدارس والجامعات وكل وظائف الدولة .

عدم قبول المتدينين في الجيش والبوليس وجميع وظاف الدولة العليا . تعبير المتدينين لا يعني المنتمين الى الاسلام السياسي بل يعني كل الذين كانوا يقيمون الشعائر الاسلامية من صوم وصلاة والبعد عن معاقرة الخمر .. . المتدينون كانوا يشبهون المنبوذين في الهند حيث كان المجتمع يتجنبهم خوفا من غضب الاضطهاد العلماني .

لن اطيل فتاريخ العلمانية الحالك وظلمها وجبروتها على المتدينين معروفة للجميع .

هؤلاء المنبوذون هم اليوم الذين يحكمون تركيا .

قبل ايام قرأت مقالا لاحد عتاة العلمانية والكماليزم وهو الصحفي يلماز اوزديل يتحسر فيها على ايام العلمانيين ويركز على الطقوس التي كانت تقوم بها الدولة في جنازات الشهداء .
يقول اوزديل في مقالته انه جرى اول عزف للموسيقى في مآتم جنازات الشهداء عام 1932 اي في عهد اتاتورك . كانت الطقوس الجنائزية حينها تبدأ بعزف قطعة موسيقية لشوبين الموسيقي البولندي الشهير و اعطاء علامة البداية من عصا المايسترو لعزف القطعة الثالثة لاوبريت 35 للبدء بالسير الجنائزي الحزين .

هذه المراسم الموسيقية تحولت الى طقس رسمي في جميع برتوكولات الدولة و جنائز الشهداء وقد تم عزفها في جنازة اتاتورك ايضا .

كان من الصعب على الاسلاميين من حزب العدالة والتنمية الحاكم القبول بعزف موسيقي مع تلاوة القرآن واقامة الصلاة وصيحات التكبير عند رفع جنائز الشهداء .

صبر الاسلاميون قرابة 15 عاما الى ان تأكدوا من ثبات اقدامهم في كرسي السلطة عندها تم الغاء تلك الشعائر الموسيقية وذلك في عام 2016 اي بعد 86 عاما متواصلة .

هكذا تم التبديل من موسيقى شوبان الى التكبير اي من الضد الى الضد . 

في السنوات الثلاثة الاخيرة صار الاسلاميون يسيرون على نهج العلمانيين في فرض ثقافتهم وارادتهم على المجتمع والدولة وايضا بنوع من التطرف .

البروفسور يافوز اورناك اسلامي و عميد كلية العلوم البحرية في جامعة استانبول قال ان النبي نوح اتصل بابنه من هاتفه الخلوي اثناء الطوفان وطلب منه ركوب السفينة حيث رفض ذلك في البداية .

ليس هذا فحسب بل قال السيد العميد ان سفينة النبي نوح كانت تعمل بالطاقة النووية .

رئيس منظمات الشباب في حزب العدالة والتنمية صرح بان الارض مسطحة وان الادعاء بكرويتها انما هي بدعة ومؤامرة ماسونية.

بروفسور آخر في جامعة هاجت تبه الشهيرة في انقرة طلب تجهيز كل قطار بجامع لاقامة الصلاة فكان رد ادارة السكك الحديدية هو انه يتعذر تحديد وجهة القبلة والقطار في حالة الحركة وبذلك لم تتحول القضية الى صراع وازمة .

اصحاب تلك التفاسير والمواقف هم اكاديميون وسياسيون ويتبوأون مناصب حساسة وتابعون للحزب الحاكم .

كذلك حدثت اعتداءات على النساء في الشوارع ووسائل النقل والساحات العامة من قبل الاسلاميين بذريعة انهن يرتدين فساتين قصيرة او ثياب تبرز مفاتن الجسد بشكل زائد .

كل ماورد اعلاه ماهي الا شذرات اقتبستها من الصحف الكبيرة او التلفزيونات والامثلة لاتعد ولا تحصى وتزداد يوما بعد يوم و تسير من سيء الى اسوأ .

العلمانيون هم في حالة احباط كامل ويشعرون ان كل مابناه الآباء والاجداد العلمانيون يتهاوى وينهار امام اعينهم .

لاشك ان هناك نوع من الانتقام من الماضي العلماني الظالم ولكن التناحر والصراع والاستقطاب الحالي بين هذين التيارين هي مرآة تعكس الوضع السياسي المتوتر والذي قد يؤدي الى الانفجار .

قد اعود الى الموضوع ثانية لالقاء نظرة سريعة على الصراع السياسي الدائر حاليا في تركيا بين الاسلاميين والعلمانيين والحرب الكلامية الشعواء من شتائم واتهامات لم تشهد لها تركيا مثيلا في تاريخها الحديث في حديث قادم .