حلت يوم الاثنين من الأسبوع الماضي، الثالث والعشرين من أبريل 2018م، الذكرى الثالثة والعشرون "لليوم العالمي للكتاب وحقوق المؤلف". وكان اختيار "مؤتمر اليونسكو العام" الذي عقد في باريس عام 1995م لهذا التاريخ اختيارا طبيعياً فقد أرادت فيه "اليونسكو" التعبير عن تقديرها وتقدير العالم أجمع للكتاب والمؤلفين وذلك عن طريق تشجيع القراءة بين الجميع وبشكل خاص بين الشباب، وتشجيع استكشاف المتعة من خلال القراءة وتجديد الاحترام للمساهمات التي لا يمكن إلغاؤها لكل الذين مهدوا الطريق للتقدم الفكري والثقافي والاجتماعي للإنسانية جمعاء. وفي هذا الصدد، أنشأت اليونسكو اليوم العالمي للكتاب وحقوق المؤلف. ومنذ ذلك التاريخ أصبح عدد متزايد من الشركاء يحتفلون بهذا اليوم، الذي أثبت منذ ولادته مدى اهميته كمناسبة للتأمل والتفكير بشأن هذا الموضوع البالغ الأهمية.

وفي عام 2000م، انبثقت من اليوم "العالمي للكتاب وحقوق المؤلف"مبادرة أخرى صادرة عن المنظمات المهنية وحظيت بدعم "اليونسكو"ومساندة اكثر دول العالم، ونعني بها مبادرة "العاصمة العالمية للكتاب". ففي كل سنة يقع الاختيار على مدينة تأخذ على عاتقها، عبر مجموعة من المبادرات والأنشطة، إدامة زخم الاحتفال باليوم العالمي "للكتاب وحقوق المؤلف" حتى حلول ذكراه مجددا في السنة التالية. وقد اشتركت جميع مناطق العالم تقريبا، الواجدة تلو الأخرى، في هذه العملية التي حولت الاحتفال بهذه المناسبة إلى معين دائم الدفق، لكي تصل إشراقة الكتاب "فكرا وثقافة" إلى أقصى مدى ممكن.

لقد وقع الاختيار هذا العام على العاصمة اليونانية "أثينا"كعاصمة عالمية للكتاب لعام 2018م، وذلك بسبب الجودة الاستثنائية لبرنامج الأنشطة الذي وضعته والمدعوم من قبل جميع الجهات الفاعلة في مجال الكتاب. احتفالات "اليونسكو" بهذه المناسبة تتضمن مجموعة من اللقاءات مع الكتاب والمترجمين والمصورين، بالإضافة إلى مجموعة من الحفلات الموسيقيّة والمعارض الموضوعية والجلسات الشعرية وورشات عمل مخصصة للعاملين في مجال النشر، حيث تهدف هذه الأنشطة إلى جعل الكتب متاحة لكل المواطنين بمن فيهم المهاجرون واللاجئون.

لقد بات ملايين الناس يحتفلون بهذا اليوم في أكثر من 100 بلد حول العالم في إطار الجامعات والمدارس والهيئات العامة والتجمعات المهنية والمؤسسات الخاصة. ونجح "اليوم العالمي للكتاب وحقوق المؤلف" خلال هذه الفترة الطويلة في تعبئة الكثير من الناس، من جميع القارات والمشارب الثقافية، لصالح قضية الكتاب وحقوق المؤلف. فقد أتاحت لهم هذه المناسبة الفرصة لاكتشاف "عالم الكتاب" بجوانبه المتعددة وتقديره حق قدره والتعمق فيه، ونعني بذلك: الكتاب بوصفه وسيلة للتعبير عن القيم الإنسانية الراقية وواسطة لنقل العلوم والمعارف، ومستودعا للتراث الإنساني غير المادي، ونافذة يستشرفون منها على التنوع الفكري والثقافي والاجتماعي ووسيلة للحوار السلمي الحضاري. 

على الرغم من التطور الهائل للمكتبات، وتحولها إلى مكتبات رقمية، أو ما يعرف بـ "مكتبة الإنترنت"، التي تستقطب أعدادا كبيرة من القرٍاء على حساب المطبوعات الورقية، إلا أن الدراسات التي أعدت في هذا الشأن أكدت أن جيل "التكنولوجيا الرقمية" لا يزال يفضل المطبوعات "الورقية" لاستمتاعه بقراءتها. ووفقا لدراسة حديثة، أجراها مركز "بيو للدراسات"، فإن الأمريكيين الذين تتراوح أعمارهم بين 16و29 عاما، يفضلون المطبوعات الورقية على الرغم من استخدامهم الدائم للتكنولوجيا.

أما الوضع في العالم العربي، فلا يوجد – منذ سنوات طويلة - أي تطور يستحق الذكر، فالمعلومات تشير الى أن العرب في ذيل القائمة سواء في عدد الكتب الجديدة التي تصدر سنويا او عدد الكتب التي يقرأها المواطن العربي. وفي حين يتصدر المواطن الأمريكي القائمة فهو يقرأ 11 كتابا في السنة، بينما المواطن العربي يقرأ أقل من صفحة واحدة في السنة. كما ان أبحاث "اليونسكو" أظهرت أن كل مليون عربي يقرأون ثلاثين كتابا في السنة، في حين أن كل مليون أوروبي يقرأون 854 كتابا.

الأرقام المخيفة التي اعلنتها "القمة العالمية للحكومات" التي انعقدت في دبي العام الماضي تفيد بأن 14.5 مليون طفل عربي لا يلتحقون بالمدارس و30 مليون عربي يعيشون تحت خط الفقر.

آخر الكلام: في كتابه «تخليص الإبريز في تلخيص باريز» الصادر عام 1834م، يقول المفكر العربي "رفاعة الطهطاوي": أن الإفرنج بلغوا ما بلغوه من تمدن وحضارة بفضل حبهم للعلم، ومعرفة عامتهم القراءة والكتابة، وتقدمهم المطرد في العلوم والاكتشافات وتفوقهم على غيرهم في هذا المجال.