لا خلاف بين أعدائه وحلفائه على أهميته ومحورية دوره وخبراته العسكرية والسياسية التي تجعل منه رقماً صعباً في المعادلة الليبية!

إنه الجنرال خليفة حفتر، الذي كان موضوع عشرات التقارير الصحفية والتلفزيونية التي شغلت الملايين في المنطقة والعالم، ناهيك عن وسائل التواصل الاجتماعي وغير ذلك لمدة نحو ثلاثة أسابيع مضت.

تمركزت التقارير وتنوعت بين تداول شائعات حول وفاة الجنرال الأهم في ليبيا، وبين البحث في خلافته، وذهب خيال البعض الآخر إلى مرحلة أكثر تقدماً ونشرواً قصص صحفية مفبركة حول اجتماعات عقدت في أبوظبي وأخرى في القاهرة بحضور شخصيات رفيعة المستوى للبحث في مسألة خلافة الجنرال حفتر!

الخيال الإعلامي صال وجال لنحو أسبوعين، وقدم لنا درساً مهما في خطورة التعامل مع الاعلام الغربي باعتباره مصدر ثقة مطلق في أخباره وماينشره من معلومات، بحكم أن هذه التقارير الإخبارية والتحليلات اعتمدت في مجملها على مصدر إعلامي غربي واحد تقريباً!

التقارير الإعلامية ذكرت أن الجنرال حفتر قائد الجيش الوطني الليبي قد تعرض لجلطة في المخ ثم حدث له نزيف وأن حالته الخطيرة استدعت نقله على وجه السرعة إلى الأردن ومنها إلى فرنسا حيث خضع هناك لعلاج مكثف في إحدى المستشفيات العسكرية وأنه شارف على الموت وتمادى البعض وذكر أنه مات بالفعل وان خبر الوفاة ينتظر استقرار حلفائه على خليفة له.

الغريب أن توالي الأخبار قد تسبب في انسياق وكالات كبيرة مثل "سبوتنيك" الروسية في تداول خبر الوفاة، وكذب البعض المبعوث الأممي الذي حاول وقف هذه الشائعات وتحدث عن مكالمة هاتفية له مع الجنرال حفتر وأنه بخير، ولكن يبدو أن التكتم على حالة الجنرال رسمياً قد دفع الكثيرين للانسياق وراء الشائعات.

عودة الجنرال حفتر كانت موضع تشكيك ومفاجأة حقيقية للجميع لك المقاييس، والأغرب حالته الصحية وعقده مؤتمراً صحفياً أكد فيه للجميع لياقته الصحية التامة ناسفاً كل التقارير والشائعات التي دارت حول وفاته!

السرية التي أحاطت بخير عودته وغياب أي تصريحات رسمية حول حالته الصحية جعلت من الوفاة الخبر الأكثر صدقية حتى رؤية الجنرال بلياقته التامة في المؤتمر الذي عقده فور عودته!

ورغم عودته واسترداد عافيته ولياقته الصحية كما بدا للجميع على شاشات التلفاز، فإن هناك من لا يزال يشكك في كل وكأنه لا يزال غير مقتنع بما يراه!

دروس عدة يمكن استنتاجها من الأسابيع الثلاثة التي حلقت فيها روايات وفاة الجنرال، أولها أن التوسع الإعلامي الهائل قد أسهم في عدم تقضي الحقيقة وأن السعي للسبق وتناقل الأخبار بات يفوق هدف الحقيقة والبحث عنها، ثاني هذه الدروس ضرورة التعاطي بحذر مع التقارير التي تنشرها كثير من الصحف الغربية، التي يتعامل معها الاعلام العربي باعتبارها حقائق دامغة وان هذه الصحف لا تنطق عن الهوى، وهو درس مهم لأن جزء كبير من أزمة الثقة القائمة طيلة السنوات الأخيرة بين بعض الأنظمة والشعوب في العالم العربي ناجمة عن تداول تقارير غربية نشرت لأغراض ما وتم التعامل معها عربياً باعتبارها حقائق دامغة!

ثمة درس آخر يتعلق بالمعلومات التي باتت أحد عناصر الصراع بين الدول والقوى الإقليمية والدولية في منطقتنا والعالم، فرغم أن المعلومات تعتبر أحد أسلحة الصراع منذ القدم، فإنها باتت تحتل مكانة متقدمة في الصراع الدولي خلال السنوات الأخيرة، وبطبيعة الحال فإن حجب الحقيقة حول صحة الجنرال حفتر كانت مناورة معلوماتية بامتياز، ونجحت في اثبات العديد من الحقائق لأصحابها، حيث وقعت وسائل الاعلام جميعها في براثن الشائعات والمعلومات المغلوطة التي يمكن توظيفها في مراحل أخرى من الصراع.