يعيش العراق في الوقت الحاضر مرحلة مخاض صعبة وعسيرة فالمحاصصة باقية وتوزيع الرئاسات الثلاث باقي كما هو ، فرئاسة الوزراء حكر على الشيعة ورئاسة مجلس النواب حكر على السنة ورئاسة الجمهورية حكر على الأكراد ، وإن لم يرد في ذلك نص دستوري واضح وصريح. فلقد سبق لرئاسة الوزراء أن ذهبت لعلماني وبعثي سابق هو أياد علاوي ورئاسة الجمهورية أعطيت لسني وزعيم عشائري هو غازي الياور ورئاسة البرلمان منحت لكردي هو فؤاد معصوم. 

ولكن، في ظل التقشف والإهدار للمال العام في آن واحد، مثل تمويل المواكب والزيارات المليونية وتعطيل الدورة الاقتصادية، وكثرة العطل الرسمية، توقفت حركة التعيينات وتراجعت الخدمات أكثر فأكثر، فلا كهرباء مضمونة ومستقرة أومستمرة، ولا انترنت يليق ببلد متطور يدعو للاستثمار فيه و موجهاً دعواته للمجتمع الدولي وللشركات العالمية، ولا الحصة التموينية التي تساعد الفقراء في البقاء على قيد الحياة ثابتة بل مغشوشة ومسروقة ربما ستلغى قريبا وبالتالي الفقير يبقى فقيرا ويزداد فقرا والغني يظل غنيا ويزداد ثراءاً ، إلى جانب أن الأمن ما يزال منعدماً وغير متوفر ، والتفجيرات والاغتيالات وعمليات الخطف والقتل مستمرة، ودول الجوار، إيران والسعودية وقطر والأردن وتركيا والكويت والإمارات المتحدة، مستمرة في التدخل في شؤوننا والتحكم بمصيرنا ومعها أمريكا وأوروبا وروسيا والصين ، اللصوصية والفساد مستمرين، المجرمون والفاسدون والإرهابيون يفرج عنهم بقانون عفو فصل على مقاسهم تلبيةً لرغباتهم، بذريعة تحقيق المصالحة الوطنية، البعث يعود للسلطة من البوابة الخلفية ويشكل مراكز قوى من داخل العملية السياسية حيث تسللت كوادره واحتلت المواقع المهمة والمؤثرة في الأداخلاب الإسلامية وغير الإسلامية الحاكمة ، مهزلة الانتخابات مستمرة حتى لو لم يكن هناك ناخب واحد، وكل شيء أسود وبائس وميئوس منه. وكل ذلك موشح بحالات سوريالية لا توجد إلا في العراق ، فهناك مرشحة للانتخابات وهي معتقلة في السجن بتهم الفساد واختلاس المال وتقوم بدعايتها الانتخابية وتأمل بالفوز، وهناك مرشح فاسد ومطلوب للعدالة موجود على إحدى القوائم الكبرى بعلم ومباركة رئيس القائمة، وهناك نبي جديد مرشح للانتخابات ظهر في أرض أور الناصرية، اسمه النبي ياسر، يدعي أنه رشح نفسه بأمر من الله الذي أرسل له الملاك جبرائيل وأمره بذلك وهو أعلم رجال زمانه وإنه آية الله العظمى والمرجع الأعلى ، ولقد هدّد الجميع بخطابه الجديد ، فأسكتوه و اعتقلوه . وهناك مرشح بات عرضة للسخرية في أفواه المواطنين لكنه لم يتردد في تشريح نفسه بانياً حملته على الكذب المكشوف لأنه لا يعرف حتى ما هي صلاحيات نائب في البرلمان هكذا هو الضحك على الذقون ، وها هو يعيد الكرة مره أخرى يوعد المواطنين برواتب تقاعدية حتى وان لم يكونوا موظفين إذا انتخبوه وفاز. هذا السياسي الخردة أو سياسي الصدفة كما وصفه البعض، يدعى محمود الحسن واليوم يُعيد أكاذيبه السابقة عندما وزّع سندات وهمية لقطع أراضي لدعايته الانتخابية للدورة السابقة عوائل ضحايا المرشح للانتخبات محمد الدايني المتهم بقتل أكثر من 100 مدني يتظاهرون في بعقوبة مطالبين بالقصاص منه ومنعة من الترشيح للانتخابات لكن ذلك لم يردعه عن الترشيح.... 

البرلمان يسن لنفسه تشريعات وامتيازات فرعونية كالتقاعد والامتيازات مدى الحياة وتأسيس جمعية للنواب السابقين تحظى بدعم واعتراف الحكومة , والعراق هو البلد الوحيد الذي لا توجد فيه مناظرات انتخابية بين المرشحين.

رئيس إحدى القوائم المشاركة في الانتخابات القادمة وهو اياد علاوي يردد دوماً "ماأدري" عن أي سؤال يوجه له وينفي في شريط فيديو انه نائب رئيس الجمهورية رداً على اعتراض أحد الحضور في تجمعه الانتخابي في حين أن منصبه الرسمي هو نائب لرئيس الجمهورية ويوجه اتهامه للشعب العراقي عبر ضابط بالجيش السابق بالقول "لك انتم دمرتونا" وهذه سابقة خطيرة على لسان زعيم سياسي يتوعد الشعب العراقي بالدمار . بالطبع هناك من يستغل الفرص ويجير الأحداث لصالحه كما هو الحال مع موضوع تحرير الموصل والمدن التي احتلتها داعش ومشاركة الحشد الشعبي في القتال ضد داعش حيث تتنافس قائمتان في الحديث باسم الحشد وهما قائمة " النصر " التي يقودها رئيس الوزراء الحالي حيدر العبادي ومعه شلة من الفاشلين والفاسدين، وتحالف " الفتح" بقيادة هادي العامري رئيس منظمة بدر ومعه عدد من التشكيلات الميليشياوية التي تريد الانخراط في العملية السياسية بإسم الحشد الشعبي وهي كلها واجهة صريحة لإيران. ولقد رد المرشح عن تحالف الفتح في بغداد الإعلامي وجيه عباس ،الثلاثاء، على كثرة الجدل الذي حصل بسبب زيارته لإيران بالقول : لولا إيران لما كان لكم وجود.

وذكر عباس في صفحته على موقع التواصل الاجتماعي (فيس بوك) ، إن" كلامي موجه الى الجماهير الشيعية حصراً (لو لا الجمهورية الإسلامية لما كان لكم وجود ألان) ".

وأضاف إن" إيران هي من أوقفت العدوان الداعشي بدماء شبابها بعد أن انسحب الجيش وجميعنا شهود على ذلك فلا تصدقوا الذين يلعبون على أوتار الوطنية أمثال (اسامة النجيفي وسليم الجبوري وعمر الجمال الداعشي) بحسب تعبيره.

وتابع " لا تدعوا أحدا يزاود على وطنية الشيعة فهذه الاسطوانة أكل الدهر عليها وشرب .

ولقد اثأر كلام الإعلامي وجيه عباس ردود أفعال متباينة من قبل المواطنين "مذكريه" بأن القوات الأمنية العراقية وقوات الجيش أي القوات المشتركة والحشد الشعبي هم من حرر ارض العراق من داعش نيابة عن العالم، وليس إيران. 

 في لحظة غضب خرج الشارع العراقي محتجاً على نقص الكهرباء في عز الصيف اللاهب قبل أعوام قليلة وما تزال حركة الاحتجاج قائمة ومستمرة يقودها نشطاء مدنيين يطالبون بإلغاء المحاصصة الطائفية ومحاربة الفساد وتطبيق مبدأ المواطنة والمساواة بين المواطنين في الحقوق والواجبات وتحقيق العدالة الاجتماعية والمطالبة بالدولة المدنية وعزل الدين عن السياسة ، وها هي الأحزاب الدينية، بعد أن أدركت حجم الكراهية الشعبية حيالها وانتشار روائح فساد مسئوليها خلال الخمسة عشر عاماً الماضية، ترفع بنفسها اليوم شعار الدولة المدنية وهي تناور بخبث وغير صادقة في ذلك بل تريد فقط تخدير الشارع العراقي بالوعود الكاذبة لأنها لا يمكن أن يكون لها وجود فعلي في إطار الدولة المدنية الحقيقية. وكذلك المرجعية الدينية التي تعلن اختيارها للدولة المدنية وليس للدولة الدينية كما يشاع والحال أن ذلك لن يصب في صالحها فهل هي صادقة في ذلك؟ لأنها لو صدقت في هذا الإختيار فذلك سيعني حتماً أنها سوف تخسر نفوذها وسوف تتقلص دائرة هذه المرجعية الى زاوية محدودة، فلا يعد بإمكانها إصدار فتوى سياسية تهم الواقع الجماهيري، لأن ذلك سوف يتعارض مع القانون والدستور، وفي هذه الحالة تفقد المرجعية موقعها وتأثيرها المجتمعي ، وستتحول إلى جهة لا دور لها سوى الإجابة على الأسئلة الشرعية، وإذا تجاوزت هذا الإطار، فإنها ستخضع للمساءلة وربما المحاكمة، حسب توصيف الكاتب العراقي علاء اللامي،و كان هذا هو واقع الحال مع الأنظمة العلمانية المدنية السابقة التي حكمت العراق خلال عقود طويلة وحاولت تحجيم دور ومكانة وتأثير المرجعية الدينية . فمرجعية قم وطهران تتدخل في كل صغيرة وكبيرة في العراق بما فيها اختيار من سيشغل منصب رئاسة الوزراء في كل انتخابات كما صرح بذلك نوري المالكي قبل ايام عندما صرح قائلاً:: إن خامئني أبلغني بأن رئاسة الوزراء من حصتك!

وجاء ذلك في خبر نشره موقع أخبار العراق في بغداد اذي نقل الخبر كما يلي: قال زعيم ائتلاف دولة القانون نوري المالكي ،الخميس،إن الإمام علي خامئني ابلغه هاتفيا مساء أمس الاربعاء بأن رئاسة الوزراء ستكون من حصتي في الانتخابات القادمة". لذلك فإن أحزاب الإسلام السياسي أدركت أنه عندما تتحول أصوات هذه الجموع الغاضبة الى رفض أحزاب المحاصصة والفشل والفساد وانتخاب الشخصيات المدنية الكفوءة والنزيهة سوف يحدث التغيير الذي تخشاه لا سيما وأن فصيلاً سياسياً يتمتع بنفوذ كبير وشعبية عارمة هو التيار الصدري إنضم إلى التيار المدني في تحالف سياسي يحمل إسم " سائرون" صار يثير فزع وخشية الكتل السياسية الكبيرة الأخرى.

فبقاء هذه الجموع في بيوتها وعدم المشاركة بالانتخابات يعني بقاء الأسباب التي دعتهم للتظاهر والاحتجاج لذلك لا بد من الذهاب بقوة إلى الانتخابات واختيار قوة سياسية مناوئة ومعارضة للتحالفات الطائفية الحاكمة اليوم.

هناك اعتراف لكادر من تنظيمي القاعدة وداعش الإرهابيين ظهر في لقاء متلفز اعترف فيه انه تلقى مساعدات مالية سخية من جمال الكربولي الذي كان رئيسا لمنظمة الهلال الأحمر الإسلامي وهو مرشح للانتخابات هو وأخوه والسلطة العراقية تعلم بذلك. كما ان بعض المارقين استخدموا الدين والعمامة للدجل والشعوذة والتكسب المادي والنفوذ ، أيضا هناك من استخدم العشيرة والزي التقليدي لأغراض التحايل والتكسب المادي والنفوذ ، وهؤلاء هم شيوخ التسعينات الذين غيروا جميع الأعراف والقيم العشائرية واستخدموها أداة للابتزاز ، بعدما كانت الأعراف والسنن العشائرية مصدر الاستقرار والأمان والحماية للناس وللضعفاء من المجتمع ، استخدم هؤلاء هذه الأعراف والسنن للابتزاز وافتراس الضعفاء من المجتمع ، وكانت نتيجتها إن القيم تلاشت بين الناس وأصبح الناس كأنهم يعيشون في غابه يأكل قويهم الضعيف ، وإحدى هذه الظواهر الجديدة هو انقطاع سبيل المعروف بين الناس فالذي يتعرض لحادث أو مشكله أو يتعرض إلى أي خطر ، يخاف الناس من إنقاذه أو نقله إلى المستشفى أو حتى التدخل في حل مشكلته أو دفع الخطر عنه خوفا من تعرضه للمساءلة العشائرية والسنن العشائرية الجديدة و للظاهرة العشائرية الجديدة التي يقودها الآن أشخاص بلا ضمير تبعات وتداعيات خطيرة على المجتمع، حتى أنها طغت على قوانين الدولة وقوضت سلطتها وتحولت إلى كابوس يكتم على أنفاس الشعب.

ويكشف مسئولون عراقيون في بغداد جانبا مما ذكره أحد مسئولي مفوضية الانتخابات، حيث تشير التسريبات إلى ارتفاع معدل الإنفاق السياسي من قبل الأحزاب على الترويج والدعاية أو مهاجمة الخصوم في العالم الافتراضي إلى مستويات قياسية وغير مسبوقة في العراق. لقد ظهرت الأموال المسروقة من قبل الكتل السياسية الإسلامية الحاكمة وصارت تنفق بسخاء وبلا قيود. كما أكد مسئول في مفوضية الانتخابات العراقية أن حجم إنفاق الأحزاب على الحسابات الإلكترونية والمونتاج بلغ أكثر من ربع مليون دولار شهريا، وأن "الأحزاب الإسلامية" تصدرت المتورطين في ذلك.

من جهته، قال النائب كاظم الشمري: " إن التسقيط السياسي هو أسلوب اعتدنا عليه في كل انتخابات، وهي وسيلة تعودت عليها الجهات التي لا تمتلك رصيدا من الإنجازات، أو عجزت عن تقديم شيء لجماهيرها ما يجعلها تعزف على الأوتار المستهلكة، وتبحث عن أساليب رخيصة لاستمالة الجماهير، وبين هذه الأساليب التسقيط السياسي ونشر الأكاذيب والوعود الكاذبة". وأشار إلى أن الصراع الانتخابي في هذه الدورة بلغ أشده منذ الاحتلال الأمريكي للعراق حتى الآن، حسب تعبيره.

 

وشدد على أن "ثقافة تمزيق صور المرشحين والطعن بالمرشحات كوسيلة لا أخلاقية ضمن السباق الانتخابي خلال الحملات الدعائية الأخيرة، باتت ثقافة دخيلة وخطيرة جدا على المجتمع العراقي".

وطالب عضو مجلس "المفوضين" في الهيئة العليا المستقلة للانتخابات حازم الرديني وزارة الداخلية، بالتحقيق في الشوارع والأزقة مع الأشخاص الذين يقومون بتمزيق صور المرشحين للانتخابات القادمة وملاحقة أصحاب الانتهاكات.

هذا ومن المقرر إجراء الانتخابات التشريعية في العراق في الـ12 من مايو 2018.

يتبع