قتل او اغتيال العلماء هي ظاهرة تحدث كثيرا بتدبير من الدول المتنافسة التي لا تريد لدولة ما التقدم أو الازدهار علميا، والعلم هو أحد أهم عوامل التقدم، وهو كذلك واحد من مجالات الصراع الأممي، الذي تتداخل فيه المصالح حتى على مستوى الأفراد والشركات، وهو مجال تنافس لا ينتهي، لكنه وعندما يتعلق الأمر بالتقدم التكنولوجي والعسكري لابد وأن يأخذ شكل الصدام، ليصبح ميدان صراع. ولطالما كان العلماء هدفا ثمينا يسعى كل طرف من الأطراف المتحاربة للنيل من علماء ومخترعي عدوه، حيث شهد العالم ومنذ القدم العديد من حوادث اغتيال العلماء.

منذ احتلال فلسطين عام 1948م وانشاء دولة إسرائيل، أصبحت الاغتيالات سياسة إسرائيلية راسخة عند قادتها، لا سيما أنهم شاركوا في العديد من الاغتيالات، وعلى رأس هؤلاء بعض الشخصيات التي تولت منصب رئيس وزراء "إسرائيل" مثل إسحاق شامير، وإسحاق رابين، وأرييل شارون، وشمعون بيريز، ومناحيم بيغن، حيث انضووا جميعا في إطار العصابات الصهيونية "الهاغانا والشتيرن والأرغون"، وغيرها من العصابات الصهيونية.

حرصت إسرائيل منذ نشأتها على تكريس تقدمها العسكري والتكنولوجي على حساب العرب، كما حرصت على امتلاك السلاح النووي في وقت مبكر، ورفض امتلاك أي من الدول العربية أية أسلحة نووية، وتركزت الاستراتيجية الإسرائيلية بهذا الخصوص على مستويين، أولهما: اغتيال العلماء العرب المتخصصون في علم الذرة او العلوم الأخرى المرتبطة بعلم الذرة، والثاني: ضرب وتدمير أية برامج أو مفاعلات نووية أو مراكز أبحاث نووية في الدول العربية.

بدأت إسرائيل بالعمل في المجال النووي بعد وقت قصير من تأسيسها في عام 1948م، وبدعم فرنسي شرعت سرا في بناء مفاعلا نوويا ومصنعا لإعادة التجهيز في "ديمونا" خلال أواخر الخمسينات من القرن الماضي. وفي عام 1986م، قدم "مردخايفعنونو"، وهو فني نووي إسرائيلي سابق، تفاصيلا وصورا واضحة لصحيفة "صنداي تايمز" عن برنامج أسلحة نووية إسرائيلي كان يعمل فيه لمدة تسع سنوات، وقد شمل ذلك معدات لاستخراج مواد مشعة لإنتاج أسلحة ونماذج معملية لأجهزة نووية حرارية (أجهزة تستخدم لصناعة قنابل هيدروجينية). تتفاوت التقديرات لحجم الترسانة النووية الإسرائيلية بين 75 و400 رأس نووي.

يتوقع أن قوة الردع النووية الإسرائيلية تملك القدرة على إيصال تلك الرؤوس لأهدافها باستخدام الصواريخ الباليستية وسيطة المدى، والصواريخ العابرة للقارات، والطائرات، وصواريخ كروز التي تطلق من الغواصات. ويقدر "معهد ستوكهولم الدولي" لأبحاث السلام أن إسرائيل لديها ما يقرب من 80 سلاح نووي، منها 50 رأس حربي مجهز للإيصال بواسطة صواريخ أريح الباليستيةمتوسطة المدى و30 قنبلة ثقالة (قنبلة غير موجهة) مجهزة للإيصال بواسطة الطائرات". (المصدر: ويكيبيديا – الموسوعة الحرة).

إسرائيل وكجزء من حربها ضد العرب، أدركت مبكرا خطورة امتلاكالعرب للتكنولوجيا الحديثة، وخاصة تلك المتعلقة بالذرة، وهي تكاد تكون الدولة الوحيدة في العالم، التي نظمت عمليات الاغتيال في إطار مؤسساتي، حيث أنشئت رئيسة وزرائها "غولدا مائير" جهازا خاصا بعمليات الاغتيال أطلق عليه اسم "المجموعة إكس" وألحقت به وحدة مختصة بالاغتيالات من جهاز الموساد، ليصبح لديها لاحقا شعبتان تتبع إحداهما الجيش والأخرى الموساد، وذلك بهدف التحري وجمع المعلومات عن العلماء العرب وخاصة علماء الذرة،ومحاولة إغرائهم على التعاون والعمل لصالحها ومن لا يستجيبون تتم تصفيتهم. 

يقول الباحث الاستراتيجي بالمركز القومي لدراسات الشرق الأوسط "حسين علي بحيري": أن استهداف إسرائيل للعلماء العرب على مدار التاريخ، يعود إلى وجود استراتيجية إسرائيلية ترتكز على مجموعة من السياسات والأدوات الخاصة باغتيال العقول العربية سواء بطريق مباشر عبر تتبع العلماء واغتيالهم، أو بطريق غير مباشر عن طريق تقديم جميع محاولات الإغراء والاحتواء لهؤلاء العلماء وإعادة تأهيلهم بما يخدم المصالح الإسرائيلية.

لا تلتفت الاغتيالات الإسرائيلية إلى جنسية العالم أو انتمائه الفكريوالعقائدي، فالمهم لديها أن تحتكر التفوق العلمي والعسكري لتحافظ على كيانها. وهكذا ظلت إسرائيل تسعى لإحباط أي محاولة لامتلاك العرب ناصية العلم والتكنولوجيا وعرقلة مساعيهم للحصول على الطاقة النووية، حتى وإن كانت للأغراض السلمية والتنموية والعلمية وتحت إشراف وكالة الطاقة الدولية. تقوم إسرائيل باغتيال العلماء العرب لتحقيق عدة أهداف على رأسها منع الدول العربية من الحصول على المعرفة النووية والتكنولوجية والاستفادة منها بما يعزز من عناصر قوتها الشاملة، كما تهدف إلى تحسين قدراتها ومكانتها في حال دخولها في أية حروب مستقبلية مع الدول العربية.

منذ انشائها، قامت إسرائيل بتصفية الكثير من العلماء العرب، من أبرزهم: (1) علي مصطفى مشرفة، أشهر عالم فيزياء مصري، أغتيل في عام 1950م. (2) سميرة موسى، العالمة النووية المصرية، أغتيلت في عام 1952م في الولايات المتحدة. (3) سمير نجيب عالم الذرة المصري، أغتيل في عام 1967م. (4) يحي المشد، عالم الذرة المصري، أغتيل في عام 1980م. (5) فادي البطش، عالم الطاقة الفلسطيني، أغتيل في كوالالمبور في شهر ابريل 2018م.

كما قامت إسرائيل في شهر ابريل 1993م بإغتيال جمال حمدان، أحد اعلام الجغرافيا المصريين الذي فضح أكاذيب اليهود في كتابه "اليهود انثروبولوجيا" الصادر في عام 1967م.

كما قامت إسرائيل بتدمير المفاعل النووي العراقي في شهر يونيو 1981م، والمفاعل النووي السوري في شهر سبتمبر 2007م، ومركز البحوث النووية السوري في عام 2013م.