يتوجه الناخبون العراقيون وعددهم 24 مليون شخص في 18 محافظة عراقية، بما فيها إقليم كردستان، يوم السبت 12 من الشهر الجاري إلى الانتخابات لاختيار ممثلين في البرلمان، الذي سيختار حكومة جديدة للبلاد للسنوات الأربع المقبلة. ويشارك في الانتخابات أكثر من 7 آلاف مرشح يتنافسون للفوز بـ 329 مقعدا في البرلمان، منها 71 مخصصة للعاصمة بغداد، وبنحو 250 حزبا وكيانا سياسيا، و70 ائتلافا انتخابيا كبيرا، بينهم أكثر من 2000 مرشحة يسعين إلى استيفاء الكوتا الانتخابية، وهي نسبة 25 بالمائة من مقاعد البرلمان. هذه الانتخابات التشريعية هي ثاني انتخابات عراقية منذ الانسحاب الأمريكي من العراق عام 2011م، ورابع انتخابات منذ الغزو الأمريكي للعراق في عام 2003م.

لقد تصاعدت لغة الاتهامات في الفترة الأخيرة بين المرشحين، واستمرت الحرب الإعلامية في الأسبوع الأخير من الدعاية الانتخابية متخذة منحى يعتمد على التصفية المعنوية بين التحالفات والأحزاب. كما اشتد الصراع بين المرشحين للبرلمان العراقي الجديد، بعد ظهور حملات "إلكترونية" على شكل مقاطع مصورة نشرتها صفحات في موقع "فيسبوك" مدعومة من جهات متنفذة وأحزاب لا تزال تشارك في حكم البلاد، متهمة بعض المرشحين بدعم تنظيم "داعش" حين اقتحم مدينة الموصل في منتصف العام 2014م، فيما ذهبت أحزاب أخرى إلى "تسقيط" خصومها عن طريق اتهام مرشحين مستقلين وأحزاب جديدة بالفساد المالي وغسيل الأموال. 

 

في يوم الجمعة من الأسبوع الماضي (4/5/2018م)، ألقى ممثل المرجعية الدينية العليا في مدينة كربلاء المقدسة "الشيخ عبد المهدي الكربلائي" في خطبته الاسبوعية البيان الصادر عن مكتب سماحة "السيد السيستاني" حول الانتخابات النيابية المقبلة، والذي يبدو انه صدر بناء على سؤال الكثير من المواطنين العراقيين عن موقف المرجعية من هذا الحدث السياسي المهم. 

 

البيان قدم توصيفا واضحا لنجاح أي مسار انتخابي، منها: أن يكون القانون الانتخابي عادلا يرعى حرمة اصوات الناخبين ولا يسمح بالالتفاف عليها، وأن تتنافس القوائم الانتخابية على برامج اقتصادية وتعليمية وخدمية قابلة للتنفيذ بعيدا عن الشخصنة والشحن القومي او الطائفي والمزايدات الإعلامية، وأن يمنع التدخل الخارجي الإقليمي او الدولي في أمر الانتخابات سواء بالدعم المالي أو غيره. كما كان البيان واضحا في وصف من لا يجوز انتخابهم ممن اساؤوا استغلال السلطة عندما انتخبوا في الدورات السابقة وتولوا المناصب العليا في الحكومات السابقة، وساهموا في نشر الفساد وتضييع المال العام بصورة غير مسبوقة، كما شدد على نحو واضح بإبعاد العراق عن الوصاية الأجنبية سواء الإقليمية او الدولية.

 

البيان أكد ان المشاركة في هذه الانتخابات حق لكل مواطن تتوفر فيه الشروط القانونية، ولكن ليس هناك ما يلزمه (أي لا الدين او القانون) بممارسة هذا الحق الا ما يقتنع هو به شخصيا من مقتضيات المصلحة العليا لشعبه وبلده، أي يبقى قرار المشاركة او عدمها متروكا له وحده وهو مسؤول عنه على كل تقدير، فينبغي أن يتخذه عن وعي تام وحرص بالغ على مصالح البلد ومستقبل ابنائه.بهذا، اغلق "السيد السيستاني" الباب امام المتاجرين بالدين لمصالحهم الخاصة ممن يروجوا لفكرة ان المشاركة في الانتخابات واجب شرعي يؤثم عليه من لا يشارك.

كما شدد البيان ان "المرجعية الدينية العليا" تؤكد وقوفها على مسافة واحدة من جميع المرشحين ومن كافة القوائم الانتخابية، بمعنى أنها لا تساند أي شخص أو جهة أو قائمة على الاطلاق، فالأمر كله متروك لقناعة الناخبين وما تستقر عليه آراؤهم بعد الفحص والتمحيص، ومن الضروري عدم السماح لأي شخص او جهة باستغلال عنوان المرجعية الدينية أو أي عنوان آخر يحظى بمكانة خاصة في نفوس العراقيين للحصول على مكاسب انتخابية، فالعبرة كل العبرة بالكفاءة والنزاهة، والالتزام بالقيم والمبادئ، والابتعاد عن الاجندات الاجنبية، واحترام سلطة القانون، والاستعداد للتضحية في سبيل انقاذ الوطن وخدمة المواطنين، والقدرة على تنفيذ برنامج واقعي لحل الأزمات والمشاكل المتفاقمة منذ سنوات طوال.

في اعتقادي الشخصي، ان هذا البيان هو بيان وطني بامتياز، عابر للأديان والمذاهب والطوائف والعشائر والقوميات. والنواب الذي يتمنى "السيد السيستاني" من العراقيين أن يوصلونهم الى البرلمان القادم هم الحريصون على مستقبل العراق دولة المواطنة الحاضنة لجميع العراقيين على اختلاف مشاربهم ومعتقداتهم وأفكارهم. كما اعتقد ان هذه التوجيهات قد أربكت المشهد الانتخابي وجعلت بعض الائتلافات والقوائم تشعر بالخيبة والاحباط وخاصة تلك التي ينطبق عليها الكثير مما ورد في هذه التوجيهات.