في عالمنا العربي يتحول شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن من شهر عبادة وطاعة إلى شهر مسلسلات وفوازير ومسابقات وأفلام ، دراما تحمل البذاءات والفحش من القول والفعل ، والسلوكيات المنحطة والقيم الهدامة ، لست شيخا ولا داعية حتى لايعتقد البعض أنني متشدد او ضد الفن الهادف ، بل هي محاولة للتأمل، حين كنت صغيرا كأن أبي رحمه الله يحثنا على الانصراف عن مشاهدة التلفاز في هذا الشهر، وتخصيص وقت لتلاوة القرآن، ومجالس العلم، وصلاة التراويح والتهجد ، أن ننتهز مواسم الطاعات، كنا أطفالا صغارا ولا نفهم هذه المعاني، ما الذي يضير إذا شاهدت الفوازير او بعضا من المسلسلات.

مضت السنون واخذتني داومة الحياة، لم ادرك منطق والدي " رمضان شهر عبادة وليس شهر فوازير ومسلسلات" حتى أتتني الإجابة من عامل في مطعم في باريس دخلت لتناول وجبة الغذاء وكان ذلك في نهاية ديسمبر 2010 واذا بي أجد العامل وقد وضع لافتة على أحد أرفف الخمور مكتوبا عليها غير مسموح بالبيع ، سألت الرجل أي شيءلا تسمحون ببيعه في هذا المتجر ، قال الخمور ولمدة ثلاثة أيام، سألته عن السبب قال إنه يوم ميلاد السيد المسيح ،وغير مسموح ببيع الخمور احتراما لذكرى ميلاد المسيح أنه الاحترام .. يجب على الناس احترام ذكرى ميلاد السيد المسيح بعدم شرب الخمر في ذلك اليوم .ظلت كلمة الاحترام في ذهني فالمسألة ليست الخمرة حلالا او حراما، إنها مسألة الاحترام، فهم ينظرون إلى تاريخ ميلاد السيد المسيح كضيف يزورهم كل سنة وليس من الاحترام السكر في هذا اليوم، إسكر وعربد في أي يوم أخر غير هذا اليوم .

في لندن وتحديدا في شهر رمضان يوليو 2014 التقيت مع بعض الاصدقاء العرب ومعهم بريطانيين في مطعم في بيكاديلى بوسط لندن قبل ساعات من آذان المغرب ، لم يطلب زملائهم البريطانيون الطعام، ولم يشربوا شيئا وانتظروا معنا نحو ثلاث ساعات الى حين موعد الإفطار، إنه الاحترام. أنا على يقين بأن مجتمعنا فقد هذه القيمة.

وأنا على قناعة بأن اعلامنا نزع قيمة الاحترام من قاموسه ، وباتت شياطين الأنس هي من تحل محل أبليس واعوانه في شهر رمضان ..

عندما سقطت العاصمة الفرنسية باريس في يد النازيين 1940 زار هتلر قبر نابليون وانحنى له بكل احترام قائلا " عزيزي نابليون سامحني لاني هزمت بلدك، لكن يجب أن تعرف أن شعبك كان مشغولا بقياس ازياء النساء بينما شعبي كان مشغولا بقياس فوهات المدافع والبنادق" 

هذا القول ينطبق على شعوب مشغولة بالمسلسلات والافلام والاغاني بينما يعمل أعدائها على بث السم في العسل باثارة الشهوات والشبهات ما أدى إلى ظهور جيل مغيب الوعي، فضاعت القدس وانتهكت الحرمات واكتفينا بالمشاهدة ، فيما تتسابق الفضائيات في الفساد والإفساد ، واذا تسألنا ماذا يريد الله سبحانه وتعالي ماذا تريد الفضائيات؟ لجاء الجواب في قوله تعالى" والله يريد أن يتوب عليكم ، ويريد الذين اتبعوا الشهوات أن تميلوا ميلا عظيما " 

اتمنى أن نحترم شهر رمضان واذا كان اعلامنا نزع عنه قيمة الاحترام فهل ستتحلى أنت عزيزي القاريء بقليل من الاحترام في هذا الشهر الكريم.