لقد افرزت أحداث العشر السنوات الأخيرة في منطقة الشرق الأوسط ابتداءً من تونس وليبيا و انتهاءً بمصر وسورية التي لم ينتهي الحدث فيها حتى الآن الكثير من المتغييرات السياسية في المنطقة ولعل الحدث السوري كان له الدور الأكبر في التوجهات و المعادلات التي بدأ العالم يتخذها اساساً في التأسيس للحلول للوضع المعقد والذي يتجلى واضحاً في المواقف الدولية و الإقليمية و العربية و تناقضاتها.

- فبعد عشرات العقود من الزمن على استخدام تركيا شُرطِّياً للقوى الغربية وعلى رأسها أمريكا في المنطقة حيث فرضت طبيعة المرحلة ذلك، التي اتسمت بما سميت بالحرب الباردة بين الاتحاد السوفيتي "الشيوعي" السابق و حتى جزء من روسيا "بوتين" الآن "النصف شيوعي" وبين قوى الغرب الليبرالي بقيادة أمريكا..!! يبدو أن الشرطي العثماني سيحال على التقاعد أو إلى الطرد من عمله نيتجة لسوء أخلاقه و التي ظهرت بوادرها منذ 2003 أثناء حرب سقوط صدام حسين في العراق والوقوف ضد الحرب ليس تضامناً مع الشعب العراق والحفاظ على أمنه و سلامة العراق بل لأسباب كان يخطط لها حفيد فخري باشا و كمال أتاتورك رجب طيب أردوغان الذي ظهر للتو في إطار ما يسمى بحزب العدالة و التنمية " HKP " ذو التوجه الإسلامي الممزوج بالعثمنة العنصرية واكتشاف تلك المخططات التي تدعو إلى إعادة عثمنة أو لنقل "أردغنة" نسبة لنسبه "أردوغان" المنطقة و العالم كله..!! ولم يقف الصبي العثماني عند هذا الحد مستغلاً الدين الإسلامي الحنيف للتأثير على الدائرة العربية و الإسلامية من الطبقات الفقيرة و البسيطة، فكانت ليبيا ومصر و السودان ومن ثم قرية أو مزرعة "قطر لآل التميم" و سورية أخيراً حقلاً تجريبياً لمشروعه العثماني الجديد و تجلت هذه الحقيقة تماماً باحتلاله لقطر والتي كان لها الدور الأكبر في رفد الفكر المتطرف في المنطقة . و أكمل أردوغان مسيرته العثمانية الاردوغانية عبر احتلاله لأجزاء كبيرة من الشمال السوري وبدعم مباشر وتحالف مع تجمعات سورية اسمت نفسها بالمعارضة السورية "الجيش السوري الحر، الجيش الوطني السوري" والتي لا تقل سلبية عن اردوغان في توجههاتها و توظيف الدين لتحقيق مصالحها الخاصة و السيطرة على الأرض و الشعب.

- إن بوادر فقدان الثقة بأردوغان وحكومته بدأت بالكشف المبكر في مدينة كوباني "عين العرب" حين احتلها تنظيم داعش وقاومتها وحدات الشعب وانتشار مقاطع فيديو يبدو فيها دعما تركيا لداعش، و هذا ما أثار جدلاً في الأوساط الدولية ومراكز القرار الدولي وحلف الناتو الذي تركيا عضو فيه وبنفس الوقت هو الشريك و الداعم لتنظيم يحارب الحلف ذاته مما هزّ و ارتج الموقع التركي في الرؤية الغربية و العالمية وبدأت أمريكا تغير شيئاً فشيئاً آليات التعامل مع تركيا و الاعتماد أكثر فأكثر دول الخليج وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية في محاربتها للارهاب الدولي بالإضافة إلىتحالفها الوثيق مع قوات سورية الديمقراطية في شمال سورية، وما كان من أردوغان إلا أن يكشف عن حقيقته الاستعمارية العثمانية ونزعته في السيطرة ليس على المنطقة فقط بل حتى على أفريقيا و العالم بما فيها أوربة ووجه حربه الكلامية إلى أوربة وحرّض مواطنيه هناك ضد الأنظمة الاوربية بحجة معاداة الأخيرة للإسلام وأصبح طرفاً في الحرب القطرية على بقية دول الخليج وخاصة دولة الامارات العربية المتحدة و المملكة العربية السعودية بعدما كشفت الأخيرة المؤامرات التركية و القطرية في زعزعة الامن و الاستقرار في الخليج العربي و خاصة السعودية عبر دعمها الواضح للتنظيمات الإرهابية على الصعيد العسكري و المعنوي و الإعلامي "قناة الجزيرة". 

- حفيد القيصر و حفيد عثمان في "عفرين"

روسيا التي لعبت الدور الأكثر في رسم الوقائع و الاحداث في سورية التقت مع تركيا صاحبة المصالح التاريخية والخاصة في سوريا و المنطقة من احتلال جرابلس ومرواً بالباب و انتهاءً بتدمير عفرين المدينة الأكثر هدوءاً في سورية و الأكثر احتضاناً للملون والمختلف إجتماعياً و سياسياً ودينياً و التي نصت الاتفاقيات الامريكية و الروسية في سوريا على أن هذه المدينة وحمايتها "عفرين" هي من نصيب موسكو إلا أن حلم الروس بفك الارتباط بين تركيا والغرب وبتصدير غازها عبر الأراضي التركية وايصاله إلى السوق الاوربية المحتاجة والسيطرة على الساحل السوري و تأسيس مكان لها في الحوض المتوسط وخاصة بعد خسارته ليبيا..!! و حلم التوسع التركي في الشمالين السوري و العراقي حسب "الميثاق الملي العثماني" و الذي افصح عنه أردوغان نفسه في الكثير من المناسبات ألغت كل القيم و المبادئ الإنسانية وكشف الذئب العثماني عن نياته التوسعية بحجة ما يسميه "الإرهاب الكردي" وحمايته الحدود الجنوبية لبلاده ونشوته بالانتصارات التي حققتها آلته العسكرية في جرابلس والباب وعفرين وحلب وفي ظل معاون روسي معها و صمت أمريكي يرافق ذلك الحروب الكلامية والاتهامات المتبادلة بين الاثنتين "أمريكا وتركيا".

- لم يبق سوى المملكة العربية السعودية

تركيا خانت الجميع وحاولت من خلال علاقتها مع روسيا ودعم الأخيرة لها ضرب التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب وخاصة دول الخليج العربي الأعضاء في هذا التحالف عبر ربيبتها قطر لشق الصف الخليجي و الاستفراد بالساحة الخليجية وأضعافها إلى أن الرياح كان ضد الشهوة العثمانية ..!!! فقد استطاعت السعودية أن تلعب الدور الأكبر في تغير اتجاه الرياح العثماني والروسي و الإيراني حين عملت على كشف خطط القوى الثلاثة في تفتيت المنطقة للتحكم بمصير شعوبها وثرواتها سيما وأن هذه السياسة للدول الثلاثة باتت مكشوفة أمام الاوربيين والأمريكيين ولم تعد لهذه القوى العالمية الثقة بشرطيها السابق "تركيا" واحتياله على تلك الدول و على العالم ,

وباتت القوى العالمية تدرك أن تركيا ليست بالقوة التي يمكن الاعتماد عليها بعد أن تجاوزت كل المعايير والمبادئ الخاصة بحقوق الانسان والامن و السلم الدولي والاثباتات التي ظهرت للعالم التي تؤكد دور رجب طيب أردوغان في رسم سياسات تنظيم الاخوان المسلمين التي أساءت للمنطقة و الدين الإسلامي منذ تأسيس هذا التنظيم ودورها في زعزعة الامن الإقليمي والدولي..!! ومن هنا يأتي الدور السعودي كإستكمال لدورها الهام في المنطقة حيث باتت الدولة الاستراتيجية الوحيدة في المنطقة التي ستلعب الدور الأكبر في رسم سياسات الشرق الأوسط خاصة بعد ظهور الشخصية الأكثر انفتاحاً و مرونة في التعامل مع القضايا الإشكالية التي تعاني منها المنطقة العربية، إن ظهور سمو الأمير محمد بن سليمان الذي تؤكد المعطيات أنه يمتلك مرتكزات العمل السياسي المتوازن و المستوعب و المتعمق في فهم وإدراك حقيقة الصراعات الدولية و إقليمية ويؤمن بالآخر و المنفتح فكرياً وهذا ما يفتح الأبواب العالمية مفتوحة أمامه و أمام السياة السعودية سيما و أنه "سمو الأمير محمد" بات موضع ثقة لدى الملك السعودي سليمان بن عبدالعزيز آل سعود والشعب السعودي ما يمنحه القوة و العمل باتجاه مايخدم المنطقة، وقد أدرك العالم أهمية هذه الشخصية المنفتحة و المثقفة في التعامل معها بشكل أساس في جميع القضايا التي تعاني منها الشرق الأوسط عامة و المنطقة العربية خاصة و والدور الذي ستلعبه السعودية في محاربة الإرهاب الذي يتعمه تركيا وقطروبشكل واضح للجميع وهذا ما يمنح السعودية الدور الأكبر في مستقبل المنطقة ورسم سياسته التي تعتمد على التعابش السلمي و الاحترام المتبادل بين جميع شعوب المنطقة بما يحقق الرفاهية و الازدهار للمجتمعات الإنسانية و القضاء على بؤر الإرهاب الدولي مع التأكيد على ضرورة إعادة ترتيب تموضع علاقاتها مع ماتسمى المعارضة السورية التي احتضنتها وقدمت لهاالكثير دون أـن تقدم أي شيء لا لسوريا ولا للسعودية بل كانت في موقع الضرر أكثر من النفع.