لا أدرى من أين جاء وزير الدفاع القطري بمعلومات دفعته للتصريح بأن بلاده يمكن أن تحصل على عضوية كاملة في حلف شمال الأطلسي (ناتو)، ولا أدرى إن كان ماقاله يعبر عن جهل بأبسط معلومات يفترض أن يلم بها وزير دفاع، أو طموح لا يستند إلى إدراك للحقائق!

الأسبوع الماضي، خرج وزير الدولة القطري لشؤون الدفاع خالد بن محمد العطية بتصريح غريب قال فيه إن بلاده تطمح للحصول على عضوية كاملة بحلف شمال الأطلسي وقد تستضيف قوات تابعة له. وأشار الوزير، في مقابلة أجرتها معه مجلة "الطلائع" القطرية، إلى أن العلاقات بين الدوحة وحلف الناتو تتطور يوما بعد يوم، واصفا هذا التعاون بأنه "فعلي وحقيقي"، وقال العطية ـ نصاً ـ إن هذا التعاون قد يفضي إلى استضافة قطر لإحدى وحدات الناتو، وتابع: "أما العضوية، فنحن حليف رئيسي خارج حلف الناتو، والطموح موجود لعضوية كاملة في حال تطورت شراكات الناتو". هذا التصريح احرج مسؤولي الحلف واضطرهم للتذكير بقواعد انضمام الأعضاء للحلف، حيث استبعد الأمين العام لحلف الناتو ينس ستولتنبرغ احتمال أن تحصل قطر على عضوية كاملة في الحلف، وذلك بموجب الاتفاق الأساسي للأطلسي، وذكّر ستولتنبرغ القطريين بأن "منظمة حلف شمال الأطلسي هي تحالف لبلدان أمريكا الشمالية وأوروبا، وهذا المبدأ مثبت في اتفاقه الأساسي" ، وأوضح أن "الولايات المتحدة وكندا ودول أوروبا هي وحدها التي تحق لها عضوية الحلف"!

مسؤول بحجم وزير دفاع لا يعرف الفوارق بين صيغ التعاون الاستراتيجية السائدة في العالم، ويخلط بين صيغ التعاون والشراكة وبين أطر مؤسسية مثل الشراكة وغيرها من ناحية وبين الطموح للحصول على عضوية كاملة من ناحية ثانية، ولا يدرك أن ما يستند إليه الوزير بشأن العضوية من ذرائع لا علاقة لها بمطلب يرتهن لقواعد الحلف وشروط عضويته التأسيسية، فكون العطية يرى أن "الحلف يقدر مساهمات الدوحة في مكافحة الإرهاب وتجفيف تمويله ويثمن دورها الإيجابي في الحفاظ على الأمن والاستقرار الإقليميين" وأن الحلف يراها "شريكا جديا وموثوقا به""، لا يعني بالتبعية بلورة طموح للحصول على عضوية كاملة.

من جانبي ـ كباحث ـ اتفهم تخبط المسؤولين القطريين يميناً ويساراً بحثاً عن الأمن في محيط نجحوا بسياستهم في تحويله إلى بحر من العداوات التي لا يمكن أن تعكس سياسات عاقلة لدولة بحجم قطر، التي تسعى لحماية من أي نوع وبغض النظر عن مدى توافق من تستعين بهم في حمايتها على الأقل من الناحية السياسة ناهيك عن ضرورات التوافق في الفكر العسكري ومنظومات التسلح وغير ذلك من متطلبات التعاون العسكري المشترك.

في ضوء هذا التخبط وعشوائية القرار السياسي والاستراتيجي القطري ـ إن صح ان هناك تفكير من المنظور الاستراتيجي في الدوحة ـ نجد أن القيادة القطرية تواصل سياسة الجمع بين المتناقضات واللعب على الحبال، وقد استعانت في البداية بعناصر إيرانية لحماية "نظام الحمدين" ثم انتقلت إلى طلب الحماية التركية وتقديم تنازلات سيادية انتجت وجوداً عسكرياً تركياً قوامه نحو ثلاثين ألف جندي على أرض قطر، ثم عادت قطر للاتفق على انشاء أول سرب عملياتي جوي مع بريطانيا!

المعروف أن قطر تستضيف قاعدة "العديد" الأمريكية، التي يتمركز بها نحو 11 ألف من العسكريين الأمريكيين، وتمثل أهم مركز للعمليات التي تنفذها الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، وهناك رغبة قطر تمارس بإلحاح في توسيع هذه "القاعدة" وتحويل الوجود العسكري الأمريكي فيها إلى وجود دائم كما قال الوزير العطية نفسه في تصريح له خلال شهر يناير الماضي، قال فيه خلال وجوده في مؤسسة "هيريتيج" في العاصمة الأمريكية واشنطن: "لدينا خطة كبيرة لتوسيع العُديد ليكون قاعدة دائمة.. نظراؤنا في وزارة الدفاع الأمريكية يترددون في استخدام كلمة الدائم، لكننا نعمل من جانبنا لتحقيق ذلك". وأضاف العطية: "نخطط مع نظرائنا في وزارة الدفاع الأمريكية لرؤية 2040 لتعميق العلاقات العسكرية بين قطر والولايات المتحدة، وتشمل استضافة البحرية الأمريكية إلى جانب سلاح الجو الموجود في قاعدة العديد الجوية". وقال العطية إن قطر تتوقع، في إطار "رؤية 2040"، توسيع التعاون العسكري في كل المجالات بما في ذلك القوات البرية وسلاح الجو والأسطول الحربي.

بالاضافة إلى قاعدة "العديد" هناك حماية إيرانية ووجود عسكري تركي وآخر بريطاني وصفقات تسلح متعددة المشارب والتوجهات والأهداف آخرها صفقة "إس 400" التي يتفاوض عليها "نظام الحمدين" مع روسيا، ضارباً بعرض الحائط أبجديات التخطيط العسكري وضرورات وجود توافق وتكامل بين أنظمة التسلح الدفاعية والهجومية على حد سواء، بالاضافة إلى ماسبق ترغب قطر في الحصول على عضوية الناتو من أجل كسب الانضواء تحت حماية الحلف!

لا أدرى لم كل هذا الجهد في جلب قوات وعضويات وأسلحة من اجل تحقيق هدف يمكن تحقيق بتكلفة أقل من ذلك بمراحل ومن دون فقدان سيادة الدولة والعبث بها!

هل يمكن أن يسفر العناد والمكابرة عن كل هذا الكم من العبث وفقدان السيادة وهدر الأموال رغم أن أمن قطر واستقرارها مرهون بقرار بالتخلص من العلاقة مع تنظيمات الارهاب والكف عن تمويلها ووقف التآمر ضد مصالح الدول والشعوب العربية؟ هل اتخاذ قرار للالتزام بحقوق الآخرين أقل كلفة من ترك سيادة دولة في مهب الريح وتسول الحماية من هذا وذاك؟

بقاء الأنظمة على كراسي الحكم لا يجب ان يكون بأي ثمن، والسيادة والكرامة لا تتجزأ أما المتاجرة بالشعارات هو أمر مستباح لأنظمة فقدت هويتها وتعمل عكس مصالح شعوبها.