قليلون حقّاً هم رجالات الدولة في تاريخ لبنان، ومن هذه القلّة، من دون منازع، رئيس وزراء لبنان الأسبق الشهيد رشيد عبد الحميد كرامي. عاش واستشهد: شعاره وحدة الأراضي اللبنانيّة ووحدة الشعب سيّداً على أراضيه. سلاحه الدولة بمؤسساتها كافّة، المدنيّة والأمنيّة. وعلى رغم العواصف الدمويّة التي اجتاحت لبنان منذ 13 نيسان 1975، ومزّقت الجيش في عام 1976، واستمرّت هوجاء تنتقل من منطقة إلى ثانية، إلى زمان اتّفاق الطائف في عام 1989، ظلّ الشهيد الرشيد يتحيّن كلّ فرصة فيها بصيص أمل، في النفق الطويل، كي يجمع الأطراف المتنازِعة والمتناقضة.. إلى طاولة الحوار.. بالكلمة، بعيداً عن الشارع وحوار الرصاص. 

ومعروف أنّ اتّفاق الطائف الذي عمل لإيقاف حمّام الدم.. مبادئُه هي المبادئ التي طار بها الشهيد من طرابلس ليعرضها على الرئيسين كميل شمعون وأمين الجميّل في بيروت، ولكنّه يومها لم يصل. رصده مجرمون اعتادوا الدم والإغتيال، أيّاً كانوا. اغتالوه. مشروعهم التمزيق، مشروعه الوحدة. مشروعهم مافيا، مشروعه الدولة. مشروعهم الماضي والإنغلاق، مشروعه المستقبل والإنفتاح الإنساني. مشروعهم خراب لبنان أكثر وأكثر، مشروعه أن كفى عبثاً، كفى مؤامرات على لبنان.

والحقّ أقول أنّ الشهيد الرشيد حاول أن يحفظ سيادة الدولة اللبنانيّة، وأن يحفظ في آن قضيّة فلسطين التي هي في رقبة كل إنسان إنسان يكره الظلم والعدوان والإحتلال، في ظروف حرجة أكثر ما تحتاج إلى الحكمة والإلتفاف والوحدة لا إلى الإرتجال والفوضى والتزمّت وقصور الرؤية. وبمقاييس أحكام الزمان، وبعد السنوات العجاف التي طالت لبنان، يتبيّن كم كان الشهيد رشيد كرامي مصيباً، كما موقفه من الراحل جمال عبد الناصر هو والرئيس فؤاد شهاب.. الذي في عهده اتّصل المركز اللبناني بالأطراف إنمائيّاً، كما ليس من قبل، على الرغم من الثغرات الكثيرة. 

ونستذكر شهيدنا الرئيس رشيد عبد الحميد كرامي، وفي ذكرى استشهاده، نستذكر سيرة صفاء القلب، نستذكر سيرة الوحدة الوطنيّة، سيرة رفض الإقتتال ورفض الإحتلال الصهيوني المجرم لفلسطين وتهديده المستمرّ للبنان. 

الشهيد الرشيد كان أصغر رئيس وزراء للبنان سنّاً والأطول حكماً منذ عهد الرئيس كميل شمعون إلى عهود الرؤساء فؤاد شهاب وشارل حلو وسليمان فرنجيّة إلى عهد الرئيس أمين الجميل. ومن جميع الذين يرفضون الإغتيال بكلّ أشكاله ودوافعه ذكرى الوفاء لإبن طرابلس ولبنان وفلسطين والعروبة الناصريّة الشهيد الرئيس كرامي، ذكرى العهد والوحدة الوطنيّة واللقاء، ودائماً على إسم المواطنة والإنسان الإنسان. 

 Shawki1@optusnet.con.au