اعتادت الصحافة الفنية أن تطلق بعض الألقاب على الفنانين المصريين منذ ستينيات القرن الماضي . وظهرت ألقاب عديدة لبعض الفنانين منها ( وحش الشاشة ، فتى الشاشة ، العندليب الأسمر ، موسيقار الأجيال ، كوكب الشرق ، سيدة الشاشة العربية ، سفيرة لبنان الى النجوم ، الشحرورة ، سندريلا ، قارورة العسل ) الخ . وأطلقت هذه الألقاب تقديرا لما قدمه هؤلاء في مجال الابداع الفني ، وقد إستحقها البعض فعلا . ولكن هذه الظاهرة إنحسرت بعض الشيء خلال فترة السبعينات ، وعادت في السنوات الأخيرة بصيغة أخرى وهي اطلاق لقب ا( البطل ) على جميع من يعمل في المسلسل حتى ولو كان دوره محدودا أو من الكومبارس الذين أصبحوا يطلق عليهم صفة ( وشارك في البطولة ) وكأن العمل التلفزيوني هو معركة بين جيش وآخر ؟!.

من بين الفنانين الكبار نال عادل امام لقب ( الزعيم ) ، ولا اعتراض لنا على اطلاق هذا اللقب على الفنان الكبير كونه قدم الكثير للفن العربي ، وهو رائد من الرواد في مجال عمله ، ولكن للأسف يبدو أن بعض كتاب السيناريو أرادوا فعلا تكريس هذه الزعامة ليس على مستوى الفن والعمل الدرامي ، بل أشعروا هذا الفنان بأنه ليس زعيما للفنانين فحسب، بل هو ( زعيم للأمة العربية ) !.

الأعمال التلفزيونية التي قدمها عادل امام خلال المواسم الرمضانية في الأعوام السابقة ، تؤكد بأن كاتب مسلسلاته يسعى لإرضاء غرور زعيمه وإيهامه بأنه فعلا أصبح زعيما لايجاريه حتى الزعماء السياسيين في بلده . ففي مسلسل ( فرقة ناجي عطالله ) رأينا عادل أمام يشكل فرقة من سبعة من شبان مصر يخترق بهم دولة اسرائيل، وببساطة شديدة ينجح بخطة أعدها بنفسه من سرقة بنك داخل اسرائيل ؟؟!!!. هكذا وبكل بساطة يستطيع السيد عادل امام بعدد قليل من الشباب أن يهزم اسرائيل في عقر دارها ، في وقت عجزت فيه 22 دولة عربية بكامل امكانياتها الاستخبارية ومواردها الهائلة من تنفيذ ولو عملية اختراق واحدة داخل الاراضي الاسرائيلية ، فكيف بسرقة 200 مليون دولار من بنك اسرائيلي بإمكانيات رجل واحد وعدد قليل من الشباب ، وكأننا أمام سيناريو لفلم أكشن أمريكي من خيال مؤلفي هوليوود ؟!. ولاظهار عظمة هذا الزعيم الحنون يرفض بنهاية المسلسل أن يكافيء منفذي العملية ولو بدولار واحد ، فيتبرع بهذا المبلغ الى فقراء الصومال ، ولم تبق لديه سوى ساعة يده ليدفعها ثمنا للفلافل التي أطعمها لمنفذي العملية ، يا للمبالغة السخيفة ؟!.

في مسلسل ( مأمون وشركاءه ) وجدنا هذا الزعيم يمتلك المليارات وأطنانا من الذهب الخالص يدخره لأبنائه وهو الذي شح على نفسه حتى اشعال مصباح واحد بمنزله ؟!

وفي مسلسل ( صاحب السعادة ) نجده يخترق أروقة وزارة الداخلية وينجح فيما عجزت عنه أجهزة الوزارة بكاملها في رسم ولو ابتسامة واحدة على وجه سيادة وزير الداخلية المتزمت ، وبحبة فياغرا واحدة يغير عادل امام طبيعة هذا الوزير المتزمت ، ويحوله الى شاب رياضي يرتاد المطاعم مع زوجته ويرقص على أنغام الطبل على وحدة ونص ؟! وكأن صاحب السعادة الذي يحصي أنفاس الناس ويعرف كل أحوال البلد كان غافلا عن وجود حبة فياغرا كمنشط جنسي ؟.

أما في مسلسل ( عفاريت عدلي علام ) ، نجد بأن الله قد سخر له العفاريت يعملون بخدمته ويعقدون المؤتمرات بحضوره ليضعوا الحلول لمشاكل بني البشر المصريين . حتى أن مؤلف المسلسل لم يتحرج عندما جعل صبية جميلةمن العفاريت تقع في حب عدلي علام السبعيني وتذوب فيه عشقا ، وكان هذا طبعا في سبيل إرضاء غرور عادل امام واظهاره فحلا حتى وهو في السبعين من عمره ؟!.

آخر الكلام هو عن مسلسل ( عوالم خفية ) ، الذي تجاوز حدود العقل والمنطق . فهذه المرة تطوع ثلاثة من الكتاب الشباب ليكتبوا مسلسلا يمجدون بدورهمهذا الزعيم المغوار ، ويكرسونه ليس فقط زعيما للفن، بل زعيما للأمة يناطح برأسه رئيس البلاد ، حين كرسوا جميع أجهزة الدولة الأمنية بخدمة كاتب صحفي ينجح في الاطاحة بثلاث وزراء وعدد كبير من المسؤولين الفاسدين ، حتى يصبح رئيس الوزراء نفسه خائفا من أن يطيح هذا الكاتب بكامل أعضاء وزارته ؟!. ولأنه زعيم الأمة فلا يتردد رئيس جهاز الأمن الأعلى أن يخصص أحد ضباطه ليكون خادما مطيعا تحت تصرف كاتب صحفي يحرمه حتى من عقد قرانه ، بل حتى من ليلة دخلته !.

السينما المصرية بدأت منذ مطلع القرن الماضي ، وبعد أكثر من مائة سنة من الانتاج الفني والسينمائي لم يستطع المخرجون المصريون أن ينفذوا ولو مشهد واحد إحترافي لمعركة تحاكي الحقيقة أو تقترب مما نراه من مشاهد المعارك بالأعمال الأميركية والتي تكاد تقترب من الواقع . ففي المعركة التي وقعت بين أجهزة الأمن المصرية والعصابات الارهابية بمسلسل عوالم خفية ، كانت المسافة بين المتقاتلين لا تتجاوز أمتارا وهم يتراشقون بالأسلحة النارية ، فإختلط الحابل بالنابل بمشهد ركيك غاية الركاكة ، فلم نعرف كيف إنتهت هذه المعركة التي كانت تدور في ساحة لاتتجاوز عشرة أمتار وأستخدمت فيها كل أنواع الأسلحة من الرشاشات والمسدسات والقنابل ، فلم نر أية حيوية أو مشهد يحاكي الواقع في تلك المعركة الفاصلة بين الدولة وعصابات الاجرام .

ولم يفت كتاب السيناريو الشباب أيضا أن يتطرقوا أيضا الى " نظرية المؤامرة " العتيدة بنص العمل ، حيث جعلوا وراء العصابة المتاجرة بالأعضاء البشرية شخصا أجنبيا يمولهم من الخارج ، وهذا أمر مللنا منه كثيرا وشاهدناه في معظم الأفلام والمسلسلات وقرأناه في مليون مقال صحفي . كما جعلوا هناك شركة أجنبية فرنسية تعمل على إفساد أخلاق الشباب المصري ، في حين أن السبب الحقيقي للفساد هو الدولة المصرية ذاتها بإهمالها العشوائيات ،وفشلها في تحسين مناهج التربية والتعليم ، وليست مؤامرات الغرب ؟!.

لقد اعتاد الفنان عادل امام على التعاون مع كاتبه المفضل يوسف معاطي الذي يعرف بأستاذية كيف يلعب بمشاعره ويرضي غروره ، وقد تبين ذلك تماما في العديد من قصص الأفلام أو المسلسلات التي كتبها معاطي خصيصا لعادل أمام وتدور بمجملها حول عبقرية وزعامة وفرادة الشخصيات التي يرسمها له بأعماله ابتداءا من أفلام ( حسن ومرقص و السفارة في العمارة ومرجان احمد مرجان و التجربة الدانماركية) مرورا بمسلسلات ( فرقة ناجي عطالله والعراف وصاحب السعادة واستاذ ورئيس قسم ومأمون وشركاه وعفاريت عدلي علام )، وأصبح الان هناك مؤلفون شباب يقومون بهذا الدور ، وكل ذلك من أجل تثبيت زعامة عادل أمام وإشباع غروره ونرجسيته !!! ..