في كل عملية انتخابية هناك دائما منتصرون وخاسرون.

في الانتخابات التركية الاخيرة التي اجريت في 24 حزيران اعلنت كل الاحزاب المشاركة فيها انها انتصرت.

خمسة احزاب رئيسية خاضت الانتخابات وهي حزب العدالة والتنمية ويرأسه اردوغان وحزب الشعب الجمهوري برئاسة كمال كليجداراوغلو وحزب الحركة القومية برئاسة دولت بخجلي والحزب الجيد او الصالح وتترأسه مرال آكشنر بالاضافة الى حزب الشعوب الديمقراطي الكردي برئاسة صلاح الدين دميرتاش الذي خاض الانتخابات من السجن. 

اذا كان هناك من منتصر في اية انتخابات ما اذن لابد من وجود خاسرين او خاسر واحد على الاقل.

اذن علينا ان نبحث عن من هو الخاسر او الخاسرون على ارض الواقع ؟

في الحقيقة المنتصر الوحيد بلا جدال في الانتخابات الاخيرة هو الرئيس التركي رجب طيب اردوغان وحزبه حزب العدالة والتنمية.

لنبدأ بحزب الشعب الجمهوري الخاسر الاكبر الذي يقول انه انتصر.

هذا الحزب خاض تسعة جولات انتخابية منذ عام 2010. اربعة جولات منها كانت انتخابات عامة اي انتخابات البرلمان وكذلك دخل في استفتاءين ثم دورتين في انتخابات محلية اي البلديات والادارات المحلية بالاضافة الى جولة انتخاب رئاسة الجمهورية قبل ايام و مجموعها 9 جولات انتخابية كما ورد آنفا في عهد كليجداراوغلو وخسرها جميعا واحيانا بنتائج تعتبر هزائم مذلة و مفضوحة. 

بالرغم من كل الهزائم التي مني بها هذا الحزب على يد كليجداراوغلو كان يتم اعادة انتخابه رئيسا للحزب مرة تلو الاخرى في اجواء احتفالية من الطبل والزمر وكأنه انتصار كبير.

كليجداراوغلو ليس وحيدا في هذا المجال وانما معظم الرؤساء السابقين في هذا الحزب والاحزاب الاخرى لم يتنحوا عن المنصب او الكرسي بالرغم من هزائمهم المتكررة في الانتخابات.

آخر رئيس لهذا الحزب السيد دنيز بايقال لم يغادر الكرسي الا بعد انتشار كاسيت فيديو عام 2010 يظهر فيه وهو يمارس الجنس مع سكريتيرته والتي كانت عضوة في البرلمان في نفس الوقت واضطر بايقال على اثرها الى الاستقالة.

الهزيمة الاخيرة لكليجداراوغلو كانت في 24 حزيران حيث تراجعت نسبة الاصوات التي حصل عليها حزبه من 25 بالمئة الى 22 بالمئة.

الآن تتصاعد بعض الاصوات التي تنادي بتنحيته ولكن كليجداراوغلوا قال بالحرف الواحد وعلى الشاشات :

الخاسر الاكبر في الانتخابات الاخيرة هو حزب العدالة والتنمية وليس حزبه وقالها بدم بارد دون خجل او حياء !!

والدليل على الانتصار عند كليجداراوغلو هو تراجع نسبة اصوات حزب اردوغان في الانتخابات الاخيرة من 48 بالمئة الى 42 بالمئة اي بفارق ستة نقاط في الوقت الذي تراجع حزبه بثلاثة نقاط من 25بالمئة الى 22 بالمئة.

حزب الشعوب الديمقراطي والمحسوب كرديا نجح في دخول البرلمان بالرغم من ان زعيمه وعدد من برلمانييه كانو يخوضون الانتخابات في السجون.

هذا الحزب ايضا لم ينجح في توحيد كلمة الكرد و محاولة لم شملهم للحصول على مقاعد برلمانية اكثر للتأثير على الحياة السياسية في البلد وحل القضية الكردية بالوسائل السلمية وبالحوار السياسي تحت قبة البرلمان. 

الحزب المنتصر الآخر كما يدعي اصحابه وزعيمه هو حزب الحركة القومية اليميني العنصري والذي حصل على حوالي 10بالمئة من الاصوات.

تاسس هذا الحزب قبل اكثر من نصف قرن في ستينات القرن الماضي ولم يصل الى السلطة لوحده بتاتا و يترأسه دولت بخجلي منذ عشرين عاما.

ظهر بخجلي ايضا على الشاشات وادعى ان حزبه انتصر بدليل ان اعداء الحزب والطابور الخامس كان يتوقعون ان الحزب لن يحصل على اكثر من خمسة بالمئة من الاصوات ولكنه احرز حوالي 10 بالمئة وهذا اكبر دليل على الانتصار!! . 

هذا الحزب خاض الانتخابات الاخيرة على قوائم حزب العدالة والتمنية ولولا ذلك لما دخل البرلمان ولكنه انتصر حسب المعايير الانتخابية السياسية السائدة في تركيا منذ سبعين عاما. 

المنتصر الثالث الذي اعلن انتصاره هو الحزب الجيد او الحزب الصالح الذي انشق عن حزب الحركة القومية الآنف الذكر قبل عام وتترأسه مرال آكشنر حصل ايضا على نسبة تقارب العشرة بالمئة.

قالت رئيسة الحزب ان عمر حزب الشعب الجمهوري هو مئة عام ولم يحصل الا على نسبة 22 بالمئة بينما حزبها حصل على عشرة بالمئة وعمره سنة واحدة .

تفاسير اقل مايقل فيها انها مهازل لديمقراطية كاريكاتورية.

وكأن الاحزاب في تركيا تخوض الانتخابات لاجل ارقام ونسب حسابية و ليس لاجل الوصول الى السلطة وتشكيل الحكومات وتنفيذ الوعود والبرامج والمشاريع التي توجد في مناهج الاحزاب عند تشكيلها.

هذا الاسلوب في اظهار الهزائم انتصارات وتحت يافطة الديمقراطية انما هو استهتار واحتقار للشعب والجماهير التي يمثلونها.

الزعماء السياسيون في الانظمة الديمقراطية يخوضون الانتخابات للوصول الى الحكم لتحقيق اهداف احزابهم او تشكيل حكومات ائتلافية او تحقيق تشكيل كتل برلمانية كبيرة للقيام بدور المعارضة التي لها نفس الاهمية التي يتمتع بها الحزب الحاكم.

كل ماعدا ذلك يعتبر فشلا وعلى القيادات السياسية ان تتنحى وتعترف بالهزيمة والفشل وذلك لفتح الطريق امام قيادات ودماء شابة جديدة لتحقيق الاهداف التي تشكلت لاجلها الاحزاب.

بنكي حاجو

كاتب كردي