بعد ان وضع السيد نيجيرفان بارزاني والسفير الامريكي بالعراق والقنصل الأمريكي في أربيل حجر الأساس لأكبر قنصلية أمريكية على مستوى العالم في أربيل يوم الجمعة 6 تموز 2018, قال بارزاني في كلمته بهذه المناسبة : (ان تعزيز العلاقات مع الولايات المتحدة الأمريكية أمرهام وضروري، لانه كان لواشنطن دوركبير في حماية شعبنا في العام 1991 , وكان لواشنطن ايضا دورمهم أيضاً بدعم إقليم كوردستان في حربه ضد تنظيم داعش الارهابي , ولولا وجود القوات الأمريكية لما استطعنا إيقاف هذا التنظيم , واضاف , ان إفتتاح أكبر قنصلية امريكية في أربيل له أهميته، وهو يشير على بقاء أمريكا في إقليم كوردستان ) . 

ولم يكتفي البارزاني بهذا التصريح وانما (اتحفنا ) يوم امس بتغريداته الغريبة والعجيبة عبر حسابه على تويتر وقال نصأ : ( ان المجمع الجديد للقنصلية الامريكية العامة في أربيل سيساعد على بناء علاقات قوية مع واشنطن ويسلط الضوء على رؤيتنا وقيمنا المشتركة) .

ولكن البارزاني لم يقل لنا , ماهي نوعية الصداقة او العلاقة والقيم المشتركة التي تربط واشنطن مع اربيل ؟ ولماذا اصرت واشنطن توسيع قنصليتها الصغيرة في أربيل وتحديدا في هذا الوقت ؟ ولماذا اختارت واشنطن العراق ولم تختار (الصومال )مثلا لبناء اكبرسفارة و قنصلية لها ؟ وتساؤلات عديدة اكتفي بهذا القدر . 

الكورد ضحية ازدواجية السياسة الامريكية منذ الازل : 

هنا لا أريد ان أتطرّق الى خطورة هذه الخطوة (انشاء المجمع الجديد للقنصلية الامريكية العامة في أربيل ) ليس فقط على الوضع السياسي، ولكن أيضا على مستوى الأمن والاستقرار فى المنطقة لكونها تضر بالعلاقات الكوردية مع دول الجوار وتحديدا (طهران )التي تعتبر النفوذ الأميركي المتصاعد في الإقليم المجاور لها خطرا كبيرا وتهديدا حقيقيا على امنها وسيادتها ، خصوصاً بعد تصريح الأمين العام لمجلس تشخيص مصلحة إيران (محسن رضائي) الذي اتهم إقليم كوردستان بإدارة المظاهرات والاحتجاجات الإيرانية من اربيل بدعم (امريكي واسرائيلي )لاسقاط النظام الايراني , كما لااريد ان أتطرّق الى خطورة تصريح (محمد حسين رجبي )القائد في الحرس الثوري الإيراني الذي قال: ( إن إقامة 30 بلداً قنصليات لها في إقليم كوردستان، أمر غير طبيعي، وان أكثرية تلك القنصليات تُستعمل لأغراض تجسسيه ) , كما لااريد ان اتطرق الى خطورة هذه الخطوة التي تؤثر سلبا على مصالح الاقليم الاستراتيجية وتدفع بالمنطقة برمتها إلى المزيد من التوتر وعدم الاستقرار...

وانما اُريد هنا فقط ان اقف على نقطة مهمَّة وهي :

لقد تناسى البارزاني كعادته (أن حسابات الحقل غير حسابات البيدر ) وان الدروس المستقاة من التدخل الأمريكي السافر في شؤون الدول والشعوب لا تشير لا من بعيد ولا من قريب إلى أدنى بادرة أمل في حلول أية نسمة من نسمات الأمن والاستقرار الذي يحلم به الجميع, لان بكل بساطة أمريكا لا تراعي إلا مصالحها الخاصة انطلاقا من فكرة ( امريكا اولا) , وعليه تسعى واشنطن جاهدا لقضم ثرواتنا وارضنا واقتصادنا (قطعة قطعة ) . 

 كما تناسى البارزاني مضامين رسالة التنحي التي وجهها عمه السيد مسعود بارزاني ( الذي يعني مايقول ) بعد نكسة 16 اكتوبر (الزلزال الذي ضرب الاقليم والمناطق المتنازع عليها ) إلى برلمان الاقليم عندما أعلن فيها أنه : (لم يقف معنا أحدٌ سوى جبالنا وأنه سيبقى مقاتلاً في قوات البيشمركة) ...

تناسى البارزاني ان الشعب الكوردي عانى من الازل ولايزال يعاني من نفاق الولايات المتحدة الامريكية وسياسة المعايير المزدوجة التي تواصل ممارستها ضد شعبنا في جميع أجزاء وطنه , وان موقف واشنطن وسكوتها من الاحتلال التركي ومن المجازر والمذابخ التي ترتكب بحق شعبنا في ( روزافا ـ غرب كوردستان) خير دليل على ذالك . 

نعم , تناسى نيجيرفان البارزاني إن الأمن والاستقرار في كوردستان لايمكن أن تضمنه قوات التحالف التي تتزعمها الولايات المتحدة إلا بمقدار ما يفسح المجال لها ولحلفائها لتطمين مصالحهم فقط في العالم وفي منطقة الشرق الاوسط والتي تعد ذات اهمية استراتيجية بالنسبة للسياسة الخارجية الامريكية , انطلاقا من الاهمية النفطية والجيوسياسية ـ الاقتصادية للمنطقة . 

الأيام القادمة تحمل المزيد من المفاجآت التي لم يحسب نيجيرفان البارزاني لها أي حساب : 

يبدو أن حكومتنا الفاشلة لم تفهم الدروس والعبر ,اوبالاحرى لاتريد ان تفهم ( حتى في الوقت بعد الضائع) , اسباب ( نكسة ثورة أيلول عام 1975 ونكسة إستفتاء إستقلال اقليم كوردستان عن العراق في 16 اكتوبر , وعليه تعيد وتردد الاسطوانة المشروخة التي مللنا من سماعها والتي تقول : (ان لواشنطن دوركبير في حماية الشعب الكوردستاني , وان اقليم كوردستان هو حليف استراتيجي لأمريكا ) ..!!

واخيرا : 

 لقد آن الأوان لأن يفهم الجميع وتحديدا قادة الإقليم أن واشنطن تسعى لتحويل العراق الى ساحة نزاع للأطراف الإقليمية والدولية , وان كوردستان ستكون ضحية من ضحايا السياسة الأمريكية الجديدة التي تحاول جاهدا ان تزج المنطقة في حروب وصراعات دامية , وذالك من اجل التلاعب بـ (مصائر وثروات دول المنطقة , وتحويل هذه الدول إلى سوق دائم للسلاح , اضافة إلى تعميق تبعيتها لها ). 
اختتم مقالتي بمقولة الرئيس الباكستاني الأسبق (ضياء الحق) في هذا الجانب قد تختصر كل المعاني وهي : من يتعامل مع أمريكا كالذي يتعامل مع الفحم لا يناله إلا سواد الوجه واليدين .

لننتظر الايام الآتية وما تحمل معها من اخطار ومفاجآت التي لم يحسب البارزاني كعادته لها أي حساب.