الكرسي او المنصب في العالم الثالث هو من المهد الى اللحد.

المهد هنا هو تاريخ وصول او استيلاء السياسي على المنصب او الكرسي في الدولة او الحزب واللحد هو سقوط الزعيم في خوض انتخابات او ازمات مع عزرائيل.

في الحديث السابق تحدثنا عن كيف حول السياسيون في تركيا هزائمهم الانتخابية الاخيرة الى انتصارات وذلك للاستمرار في البقاء في مناصبهم .

نأتي بالامثلة من تركيا لان لديها كل آليات الديمقراطية من احزاب وانتخابات وصحافة حرة الى درجة ما ولكن دون وجود الديمقراطية و الساسة لازال هدفهم الاساسي هو الاحتفاظ بالكرسي وليس مصالح الشعب الحيوية بالاضافة الى ان تركياخاضت انتخابات قبل فترة وجيزة . 

ليس هناك من داع الى التطرق الى قدسية المنصب في الدول والمجتمعات الاخرى في المنطقة فهي غنية عن البيان ويكفي ان نذكر القذافي وصدام وبن علي ووو.... .

الديمقراطية ليست فقط احزاب و صناديق اقتراع وتصويت ونسب حسابية بل اهم مافيها هي المثل الاخلاقية العليا من المنافسة الشريفة و تبادل السلطة والتنحي عن المنصب عند الفشل او عدم النجاح في تحقيق الوعود والاهداف السياسية.

في كل التاريخ الحديث لتركيا لا نجد سياسيا واحدا تنحى عن المنصب بسبب الهزيمة الانتخابية بالرغم من ان الانتخابات جارية فيها منذ عام 1950 مع التأجيل لفترات قليلة بعد الانقلابات احيانا .

عصمت اينونو رفيق اتاتورك واحد مؤسسي الدولة التركية والذي كان يتمتع بهالة مقدسة لم يترك رئاسة حزب الشعب الجمهوريلعقود بالرغم من هزائمه المتكررة في الانتخابات منذ عام 1950.

في بداية سبعينات القرن الماضي طالبت الاجيال الجديدة في حزب الشعب الجمهوري باستقالة اينونو بسبب هزائمه الانتخابية و حالته الصحية المهلهلة وتقدمه في السن ولكنه رفض ذلك الى ان تم طرده على يد بولنت اجفيت في مؤتمر الحزب الذي عقد عام 1972 بتصويت دراماتيكي مذل ومفضوح حيث حصل اجفيت على حوالي الف صوت في مقابل حوالي 100 صوت لاينونو رفيق اتاتورك في تأسيس الجمهورية. 

في ذلك الوقت علق بعض الكتاب حول تشبث اينونو بالمنصب وسقوطه المهين امام عضو شاب يافع في الحزب هو بولنت اجفيت بانها فضيحة الفضائح وان اينونو لم يصل الى مستوى ذكاء واخلاق لاعب الكرة الاسطوري بيليه البرازيلي حيث قررهذا الاخير حينئذ ترك الملاعب وهو في قمة مجده الرياضي قبل ان يدركه تعب الجسد والسن مع الزمن ويفقد بريقه ملمحين بذلكالى انه كان يجب على اينونو ترك المنصب وهو في عز مجده السياسي.

ولكن ماذا عن اجفيت الذي اطاح باينونو ؟

وصل اجفيت الى رئاسة الحكومة في نهاية تسعينات القرن الماضي. اصيب اجفيت بمرض دماغي معقد تسببت له فيحركات لاارادية بحيث انه كان من الصعب عليه الجلوس بهدوء على مقعد بالاضافة الرجفان المستمر في عضلات الوجه والعيون وبداية ظهور علامات فقدان الذاكرة لديه.

اجفيت كان زعيم يسار الوسط بلا منازع والاب الروحي لايديولوجية الاشتراكية الدولية في تركيا لم يغادر المنصب الى ان تم تنحيته من رئاسة الحكومة بتقرير طبي حيث لم يكناجفيت يستطيع الجلوس دون حركات لاارادية معيبة ومهينة وكأن شيئا ينكزه من الاسفل . كل ذلك كان يظهر يوميا على الشاشات.

التقرير الطبي اكد على ان اجفيت لا يستطيع ممارسة مهامه كرئيس للحكومة ويجب تنحيته.

المنصب السياسي في العالم الثالث ليس لتبادل السلطة او التنحي عند الفشل بل المنصب تحول الى ملك شخصي مثل اية املاك اخرى مثل الارض او الدار او الدكان او الزوجة حسب الاعراف الشرقية .

المنصب ينتقل فقط بالوراثة مثل الاملاك.

المنصب الذي يتحول الى ملك شخصي او عائلي هو من ابرز سمات السياسة في العالم الثالث بل هو السبب الاساس في الازمات والحروب والصراعات والفقر والجهل والفساد والسرقات .

التشبث بالسلطة هو السبب في التخلف كما انه نتيجة حتمية له في نفس الوقت اي اننا امام ظاهرة الدائرة الفاسدة.

مثال آخر على التشبث بالمنصب وبشكل شامل وعلى كل المستويات هو مايجري في العراق. نفس الاشخاص ونفس الاحزاب ونفس التيارات والطوائف يتناوبون على نفس المناصب فيما بينهم في بغداد في ظل اتنخابات كاريكاتورية مسرحية ابطالها هم انفسهم دائما.

كل هؤلاء تجمعهم صفة اساسية هواالبلع اي السرقة .

هذا الالتصاق بالمنصب ليس حصرا على الدول والحكومات بل نجدها حتى على ادنى المستويات السياسية . مثال ذلك الاحزاب الكردية. تقريبا كل تلك الاحزاب لا تعقد مؤتمراتها العامة في وقتها كما تفرض عليها مناهجها الحزبية الخاصة بها .

المؤتمرات الحزبية العامة للاحزاب الكردية لا تنعقد في معظم الاحيان لسنوات عديدة وهي آفة منتشرة ومعروفة منذ عقود والهدف الوحيد من ذلك هو ان يظل كل واحد في منصبه وغلق الابواب امام المنافسة الشريفة والدماء والوجوه الجديدة .

تلك الاحزاب تتذرع باسباب اقل ما يقال فيها انها احتقار واهانة للشعب الكردي .

الحزب الذي لا يستطيع عقد مؤتمره في وقته كيف سيحرر شعبا ويبني كيانا؟

كاتب كردي