لي مع صحيفة إيلاف، ومنذ ميلادها، مسيرة أعتز بها.
مع إيلاف، عرفت مدى أهمية الصحيفة الاكترونية لكونها تنقل الرأي والخبر للقارئ أولا بأول، ولكون دائرة قرائها أوسع من قراء الصحيفة المطبوعة- علما بأنه لا غنى أبدا عن الصحف المطبوعة، فكل واحدة تكمل الأخرى.
صحيفة إيلاف فتحت لي منبرا للرأي أكتبه بكل حرية، وينشر كما أكتبه. وصحيفة إيلاف الألكترونية جعلتني أتعرف جيدا على فريق من كتاب العرب المقتدرين، سواء كان ما يكتبه ها الكاتب أو هذا موضع اتفاق أو لا. فالميزة عند إيلاف إيمانها بحرية الرأي والنشر، وكونها منبرا للحوار وتعددية الآراء. وإيلاف تعتبر منبرا للتنوير والأفكار الديمقراطية والقيم الإنسانية. وقد فضحت باستمرار الأفكار والممارسات المتطرفة واستغلال الدين للتكفير والتحريض على العنف.
لي في إيلاف، فوق مقالاتي، كتاب بعنوان quot; العراق والمخاض الأخيرquot;. وقد أجرت معي حوارا مطولا مع القراء استغرق أياما، وهو حوار يمكن أن يحفظ في كتاب آخر.
من مزايا إيلاف تنوع الأبواب، التي تشكل بمجملها ثروة فكرية وثقافية وفنية. فبابا [ كتاب إيلاف] و[ آراء] يتضمنان كل يوم مجموعة من المقالات، وبصرف النظر عن المستويات، فإنها، إجمالا، تغني القارئ، وquot;تشبعهquot;- إن صح التعبير. وفي باب الأخبار نتابع أولا بأول أخبار العالم العربي والعالم ونعرف ما يجري بانتظام. وباب [ جريدة الجرائد] يحمل لنا مختارات من الصحف المطبوعة عن الأحداث الساخنة. أما باب [ ثقافات]، فهو حافل كل يوم بالمواد المفيدة، وحيث نقرأ كتابات أدبية متميزة وشعرا أجنبيا مترجما بعناية فائقة، وأخبار الأدب والفن؛ فتكون بذلك من بوابات الحوار بين الثقافات. وهكذا عن بقية أبواب الصحيفة.
وكنت قد قرأت وسمعت اعتراضات قراء متزمتين على نشر صور الجميلات. ومن جانبي، أعتبر نشر مثل هذه الصور وما يكتب معها بمثابة quot;ترطيبquot; الجو المدلهم بالأحداث الساخنة والمثيرة التي تسردها الصحيفة وتعالجها المقالات. ومهما كان القارئ جديا، فهو بحاجة إلى لحظات تنسيه وطأة السياسة ومطباتها، وأخبار التفجير والتفخيخ والمحرمات. ومن الكفيل بذلك غير الجمال والفتنة؟!
صحيفة إيلاف نجحت نجاحا كبيرا، فلها دائرة واسعة من القراء والمحبين. ولكن هذا لا ينبغي أن يثير عندها الاكتفاء الذاتي، فالتطور سنة الحياة- على أن يكون تطورا يزيد من جذب القارئ وتشويقه.

وهنا أتوقف لإبداء بعض الملاحظات:
1 ndash; إن التصميم الجديد مربك ومحير ومضيع للوقت. فلو أردنا قراءة خبر ما أو مقال ما، فلا يمكننا ذلك إلا بعد بحث وانتقال في فضاء بعد فضاء من الفراغ، وهو عيب كبير، ولا أجد مثله في بقية المواقع الألكترونية. فهناك تضرب على العنوان فتقرأ الخبر مباشرة بلا عناء. لقد قدمت الصحيفة إخراجها الجديد بكلمة تؤكد أن كل جديد يكون في البداية غريبا وغير مقبول. ومع أن كثرة من القراء أجابوا بمثل رأيي، ومع مرور شهور، فإن التصميم الجديد مستمر، ولا أعرف السبب. إن الصحف هي للقراء، ورأيهم يجب أن يكون المحك، وليس كل جديد أفضل. فالتعقيد المربك لا يخدم الصحيفة، وإن كان تقنية جديدة. والبساطة لا تعني الجمود ورفض التطور. ومن هنا أقترح العودة للتصميم القديم؛
2 ndash; ومن سلبيات التصميم الجديد التشويش العام الذي حدث عندما نريد البحث عن مقالات هذا الكاتب أو ذاك. وقد حدث لي مرارا عجزي عن مشاهدة سلسلة آخر مقالاتي حسب تسلسلها الزمني كما كان ذلك ممكنا في التصميم القديم. وهنا أيضا أقترح العودة إلى الترتيب القديم، أي ترتيب الحروف الأولى من أسماء الكتاب؛
3 ndash; صحيح أن مناقشة المقالات مهمة وضرورية، ولكنها يجب أن تكون في صميم الموضوع، لا أن تتضمن الغمز والتجريح وبعيدا عن الموضوع. وكل صحيفة ليست ملزمة بنشر كل ما يردها من التعليقات. وحتى الصحف العربية المطبوعة الأكثر انتشارا، كالشرق الأوسط والحياة، لا تفعل ذلك. فالشرق الأوسط مثلا تختار عددا من خيرة التعليقات التي تكون في صميم الموضوع- علما بأن كثرة من التعليقات في الصحافة الألكترونية تكتب بأسماء مستعارة، وأحيانا يكتب شخص واحد عدة تعليقات بأسماء عديدة. ولا أدري ما فائدة نشر كل ما يرسل. قد يقال إن التعليقات حتى السئ منها تعكس عقلية الشارع العربي. ولكن هذه حجة مردودة، فالصحيفة يجب أن تعلم القارئ على الحوار والنقاش الهادئين والموضوعيين.

أخيرا، أتوجه لصحيفة إيلاف وإدارتها ومحرريها وكتابها بتحيات التقدير والاعتزاز، راجيا لها مزيدا من التطور والنجاح في خدمة الفكر التنويري والعلمانية وحرية الرأي، وأن تواصل رسالتها النبيلة في زمن هيمنة الفكر الرديء والتقاليد المحنطة وسلطان فتاوى التحريم والتكفير والتجريم.
لإيلاف ألف تحية وتهنئة