إحتضن مركز بومبيدو للفنون والثقافة في باريس مؤخراً معرضاً إستعادياً، لا مثيل له منذ 50 عاماً، ويضمّ أكثر من 200 قطعة فنية للفنان الألماني المولود في سويسرا.&
إذا كانت السخرية تعد علامة للذكاء، فقد إستطاع بول كلي (1879 – 1940)، توظيفها بطريقة حاذقة طوال مشواره الفني. الرقة، والتأمل، والثقافة العالية، تعتبر من بين الخصائص التي تميّز شخصية أحد أبرز الفنانين خلال القرن العشرين، والذي يخصص له مركز بومبيدو معرضاً، يعد الأول من نوعه في فرنسا منذ عام 1969، حيث يستعرض فيه تلك الأعمال الفنية التي كانت السخرية من أهم ميزاتها.
إفتتح المعرض في 1 أبريل/ نيسان الحالي وستستمر أبواب مركز بومبيدو مشرّعة للجمهور حتى 1 أغسطس/ آب المقبل. تتوزع في صالات المركز 240 لوحة فنية تحاول أن ترسم صورة للفنان الألماني، المولود في سويسرا في حضن أسرة موسيقية.
&كانت أنخيلا لامبي، المسؤولة عن المعرض، كرّست ثلاث سنوات للتحضير له، متنقلة بصورة منتظمة إلى بيرنا في سويسرا، حيث يوجد مركز بول كلي. وتوضح لامبي مدى أهمية هذا الفنان غير المعروف في فرنسا،
&لوحة زيتية عيى قماش بعنوان (قناع ممثل، 1924) .
وتحديداً خلال الأعوام الماضية التي لم تشهد قيام أية فعاليات فنية خاصة بأعمال بول كلي، والذي زار معرضه الأخيرحوالي 4.600 شخصاً في يوم الإفتتاح فقط.
&تقول لامبي "ولوج عالم هذا الفنان وتأمل لوحاته، وخبرته في وضع العناوين والأشكال، تُدخل الفرحة في قلوب الزوار من جميع الأعمار وبدون إستثناء. أن الدمى، والرسوم التوضيحية للأجسام والأشكال الهندسية، والرجال الصغار الذين رسمهم، وتلك الدمى التي إبتكرها لولده، كلها تتحدث إلى الصغار، لكن البراعة والذكاء في إنجازها تتحدث أيضاً للكبار، والذين يفهمون في الفن، وكذلك، إلى أولئك الذين يجهلونه".
&هذه السخرية أو الروح التهكمية، تحديداً، والتي يحتضنها مركز بومبيدوللفنون والثقافة، تشكل السلاح الذي يرفعه بول كلي بوجه معاصريه والمبادئ التي عملوا على تأسيسها، والتي كانت لا تزال تلازمه، منذ سنواته الأولى في ميونيخ وحتى وفاته، وكانت تميّزت دائماً بالرفض المستمر الأفكار الظلامية وما يتعلق بحالة الفن في أوائل القرن العشرين.
كتب بول كلي في واحدة من يومياته قائلاً "أن المثالي، في مجال الفنون التشكيلية، هو غير عصري تماماً [...]. من ناحية أخرى، خطوت بإتجاه السخرية [...]. وفي نهاية المطاف، يمكن، من هناك، أن يولد شئ مثير للإهتمام".
وخلال دراسته في بيرما، في أوائل القرن الماضي، إتّبع بول كلي إسلوب العري في الرسم، حيث كان تبناه من وجهة نظره الخاصة في سلسلة من الأشكال المشوهة والغريبة للتشريح البشري، كما في لوحة (البطل المجنح، 1905)، ورسوماتٍ أخرى من الحجم الصغير، نفذها بقلم الرصاص والألوان المائية، والموجودة في الصالة الأولى من المعرض.
أما الإسلوب التكعيبي فقد إكتشفه كلي في رسوماته في ميونيخ عام 1911، ولاحقاً في باريس، إذ كان ينفذ أعماله بإسلوبٍ طفولي يتميّز بالمزاح الذي يعبّر عن رأيه في المدرسة التكعيبية، والتي كان يراها عبارة عن ترجمة " خالية من حيوية" الأجسام. وفي تلك الفترة كان أيضاً قد إلتقى بيكاسو في ورشة عمله في باريس، حيث إكتشف السوريالية من خلال رسام (غيرنيكا) الذي كان يحرك أشكاله النسائية ضمن لوحاته الضخمة كيفما أراد، رؤية كانت تركت آثارها في بول كلي.&
وكان أن تكرر اللقاء بعد 25 عاماً، ولكن هذه المرة في منزل الفنان السويسري في بيرنا، ووفقاً لما يقال، حيث كان التوتر جلياً، بسبب الإعجاب

زائرة أمام إحدى لوحات الفنان بول كلي

والنقد الذي كان كل منهما يتلقاه من الآخرين.
ما يلفت النظر أيضاً في شخصية بول كلي، تلك السفرات التي قام بها إلى الشرق، وولعه بالحضارة المصرية والفنون القديمة. وخلال هذه الأعوام، تحولت الحيوانات والخطوط التي يصفها الفنان كنقطة في حركة، إلى أشياء متكررة في أعماله الفنية.
وتميّزت السنوات الأخيرة من حياة بول كلي، كالعديد من المثقفين الأوروبيين، بتأثرها بالأزمة. وأن الأوضاع في القارة القديمة، ومنفاه في بيرنا، إثر إدانة النازيين لأعماله، وإصابته بمرض تصلّب الجلد، رافقت لوحاته التي إتسمت بالدراماتيكية. وعنما إستلم هتلر السلطة في عام 1933، بدت نتاجات بول كلي الفنية إنعكاساً للحظة التأريخية المتوترة التي كانت تعيشها ألمانيا.&
وعقب الحرب العالمية الأولى، لم يكن بول كلي يتوقع عودة الأوضاع السيئة مرة أخرى، وبعدما تكرر الحال، حتى المرض لم يتمكن من منع الفنان السويسري من تكريس إسلوبه الساخر في أعماله الفنية التي تتذكرها باريس اليوم.
&