&ألاّ أشيخ ألاّ أشيخ بما فيه الكفاية

حتّى أتمكّن من أن أرى جثّتي
واضحة عليها
غوتفريد بن
&
رغم التعاطف الذي أبداه نحو النازيّة في بدايات صعودها، لا يزال الشاعر الكبير غوتفريد بن(1886-1956) يحظى بتقدير وإعجاب الألمان قرّاء ونّقّادا. وهو يُعْتبر واحدا من أعظم شعراء لغة غوته خلال القرن العشرين. ومنذ البداية آهتمّ غوتفريد بن الذي كان طبيب أيضا، بمواضيع سوف تظلّ تتردّد في مجمل أعماله حتى النهاية مثل تفسّخ القيم الإنسانيّة، والموت، وعلاقة كلّ هذا بالكلمات. وفي السّنوات الأخيرة من حياته عرّف الشّعر قائلا: ”ولكن هل يكون الشعر الى جانب الطبّ مساعدا على تحسين حياة الإنسان، ومواساته، ومعالجة الأمراض التي تصيبه؟ كثيرون يعتقدون ذلك. هناك الموسيقى بالنسبة للمرضى عقليّا، وشعر ريلكة لتقوية الروح لدى الصّائمين، لكن عندما نقرأ كيركوغارد الذي يقول: ”الحقيقة لا تنتصر إلاّ بفضل الألم"، وغوته الذي كتب يقول:”بفضل الألم تعلّمت الكثير"، وعندما يرى نيتشه وشوبنهاور أنه بالرغية في الألم، وبدرجاته نحن نقيس قوّة الذّات الإنسانيّة، وعندما يعلن راينهولد شنايدر أنه من خلال المريض نحن نستكشف مجد الله، والأعجوبة التي يحقّقها عليه، وعندما يميّز شنايدر تدهور ثقافتنا آنطلاقا من آختفاء الوعي بالتراجيدي والمأساوي، فهل يمكن أن يحتفظ كلّ من الشعر والشاعر بالحقّ في المساهمة في تحسين هذا الوضع المأساوي؟ وهل يمكن أن توقفه مسؤوليّته أمام حقيقة أسمى وأعلى، وأن تبقيه في ذاته؟ ولكن ماذا تعني هذه الحقيقة السامية؟ سأجيب بأنه ليس بآستطاعتي أن أتمثّل نفسي خالقا ذلك الذي تصوّر أن التحسين هو ما نعنيه بهذا الإسم في موضوعنا، إذ أنه سوف يقول: ماذا ترى يعتقد هؤلاء؟ هل عليّ أن اجعلهم يعيشون البؤس والموت لكي يدركوا المعنى العميق للكرامة الإنسانيّة؟ أما بالنسبة للشعر فأنا على رأي راينهولد شنايدر الذي يقول:”من جوهر الفنّ أن يترك الأسئلة معلّقة، وأن يظلّ ملازما لما هو مُبْهم، ومُلْتبَس، والذي يفهم الشعر بهذه الطريقة يمكن أن يذهب بعيدا في المبهم والملتبس".
**
ولد غوتفريد بن في الثاني من شهر مايو-أيار عام 1886في "مانسفيلد"الواقعة في منطقة معروفة بمستنقعاتها وسهولها الشاسعة. وكان والده غوستاف بن ينتسب الى عائلة من المزارعين، ،والكهنة. عنه يقول غوتفريد بن: ”كان أبي، وهو النموذج المثالي لحضارة الحجر، عبارة عن روح كاملة بعيدا جدّا عن الحيوان، وله ملامح صيّاد من العصر الحديدي". أما والدته، وهي سويسريّة من المنطقة الفرنسيّة، فقد كانت آمرأة أرضيّة. وكانت تزرع الحقول، وتسقي الأزهار. وهي نموذج للمزارعة التي تعيش ورجلاها منغرستان في الأرض. وعقب مرور 6 أشهر على ميلاد غوتفريد بن وضعت العائلة متاعها في عربة، وغادرت "مانسفيلد" لتستقرّ في "سيلين"، وهي قرية كبيرة تعيش حياة رتيبة، غير أن سكانها كانوا نصف ألمان، ونصف بولونيين. عنها كتب غوتفريد بن يقول: ”إنها أرض أحبّها كثيرا. فيها تربّيت مع اطفالها، ومشيت حافي القدمين حتى شهر نوفمبر، وذهبت الى الحقول في أوقات الحصاد، وجمعت التين، ورعيت البقر، وقطفت الكرز، والبندق. وفي الربيع كنت أقطع الصفارات من أغصان الصفصاف، وأكشف عن أعشاش الطيور".
وقد عاش غوتفريد بن طفولة هادئة. وأكثر ما كان يستهويه في وحدته، ويثير مشاعره هو مشهد الزهور والطيور وهي تتجمّد وتموت عند آقتراب الشتاء. وهكذا ظلّ الطفل ينمو ببطء تماما مثل شجرة، مادّا عروقه في الأرض الصّلبة، سارحا بخياله في الطبيعة المحيطة به من دون أن يشغل ذهنه بتلك المآسي المرعبة التي ستتميّز بها أشعاره في ما بعد. وفي فترة المراهقة شرع الفتى غوتفريد يقرض الشعر. وكان يبدو للناس شديد العاطفة والحساسيّة، مليئا بالعطف والمحبة تجاه الكائنات والأشياء. وربما كان يرغب في كبح تلك العواطف والمشاعر الجيّاشة التي كانت تخترق تفسه وتهزّها لمّا قرّر دراسة الطبّ. ولعله شعر أيضا أن التوفيق بين العلم والفن هو الطريقة الوحيدة لإنقاذ العالم من الكوارث التي تتهدّده. لذلك يقول: ”عندما أفكر في الماضي، تبدو لي حياتي غير محتملة، وغير معقولة على الإطلاق لولا توجّهي لدراسة العلوم". وهكذا أصبح التوفيق بين العلم والفن بالنسبة لغوتفريد بن الشابّ، الدواء الناجع الذي يمكن أن ينقذه من عواطفه الجامحة!
وفي جامعة برلين درس غوتريد بن الطبّ، في فترة نهاية حكم بيزمارك، موحّد ألمانيا. وفي ذلك الوقت كانت برلين تعيش أيّامها الذهبيّة، أو "الخضراء" كما يصفها الألمان. وفي أكاديمية الإمبراطور "غيوم" التي آنتسب اليها، والتي كان أغلب طلاّبها من أبناء الضباط وكبار الموظفين، وجد نفسه متأقلما مع أجوائها التي وصفها ب"الرائعة"، وفيها حصل على تكوين علميّ متين. لكن مع بداية القرن العشرين، تعتّم الكون، وإذا بالعلم الذي آعتقد الشاعر الشاب أنه يمكن أن يساعد الإنسان على معالجة أوجاعه، وعذاباته يتحوّل الى عنصر من عناصر الدمار والموت. وبعد وفاة الشاعر غيورغ تراكل عام 1914، أدرك غوتفريد بن بأن الصراخ وحده ليس مجديا، وأنه لا بدّ من البناء، ولا بد أن يتحوّل الفنّ الى معمار صلب، ومتين قادر على مواجهة العواصف الهوجاء. وقد جسّد بنْ أفكاره هذه في مجموعته الشعريّة الأولى الصادرة عام 1912 قي برلين، والتي كتب عنها يقول: ”إنّ الأنا الغنائيّة تعيش دائما بشكلين: شكل الإنفجار، وشكل التأمل. شكل عنيف، وشكل هادئئ". ويضيف بن قائلا بإنّ هناك ستّ قصائد آنفجرت في داخله فجأة بعد أن آنتهى من عمليّة تشريح في مستشفى "موابيت"، وفرضت عليه نفسها بينما في اللحظات التي سبقت ذلك لم يكن هناك سوى العدم. وحالما آنتهت "حالته الغسقيّة" تلك، وجد نفسه "فارغا وجائعا ومترنّحا”.وب"مشقّة خرج من الإنهيار الكبير". ومنذ ذلك الوقت قرّر غوتفريد بنْ أن يكون شاعرا بالمعنى الحقيقي للكلمة، مُدْركا أن العلم "كئيب"، وأن الكلمة من خلال العمل الفنيّ هي وحدها القادرة على إنقاذنا من الوحشة الرهيبة التي تحيط بنا. وفي واحدة من قصائدة الأولى، كتب يقول:
الحقول تتفتح حول كلّ سرير.
اللحم يتحوّل إلى سهل. الحمامة تسترخي.
العنف يتهيأ للسّيلان. الأرض تنادي.
وفي قصيدة أخرى كتب يقول:
أنظر الى النّفَس الأزرق الأخير من هذا الصيف
وهو ينطلق الى بحار النّجميّات بآتجاه الأبعاد،
سواحل داكنة مثلما هو داكن لون الشجر
أنظر الى تصاعد الساعة الأخيرة بسعادة منتصف النهار الذي فينا
شبيه بقبّة عالية.
وعن المجموعة الشعرية الأولى لغوتفريد بنْ التي حملت عنوان: ”معرض الجثث"، كتب أحد النقّاد يقول: ”لقد كان أسلوبه مثل وجهه: أبدا لم يتمكّن من تغييره. وحتميّة الفكر(التي كان يعرفها كلّ من فلوبير ونيتشه) عذّبته كثيرا، لكنها سمحت له بألا يقبل التسوية مطلقا، وأن يكون الشاعر، وألاّ يذهب أبدا لكي يتسوّل الفتات لدى السلطة. كما سمحت له بألاّ يجعل فنّه قي خدمة أيّ كان، وأن يعمل من دون أن يضعف خلّل كلّ تحوّلات الحياة".
وقبل الحرب العالميّة الأولى، كان غوتفريد بنْ قد عُين طبيبا على ظهر بخرة "هاباغ" التي كانت مسافرة الى نيويورك. عقب ذلك ببضعة أسابيع، تزوّج من الممثلة اديث بروساين غير أنه لم يسمح للحياة الزوجيّة بتكبيله، وعرقلة نشاطه الإبداعي. وحتى اللحظة الأخيرة من حياته، سوف يظلّ مُخلصا للشعر والعلم معا. وهو يقول: ”عشت لنفسي خارج السوق الرأسمالية، والسلطات، والصحافة، والأدب، وقاعات المحاضرات. عشت وحيدا. وباكرا أبعد عنّي الموت كلّ الذين صادفتهم، وبهم آرتبطّت في فترة شبابي. وقد كلّفني ذلك دموعا ودما. لهذا وجدتّ نفسي وحيدا".
وقد أمضى غوتفريد بنْ سنوات الحرب العالمية الأولى في بلجيكا. وفي عام 1918 عاد الى برلين التي كانت تعيش اليؤس والألم، والدمار النفسي والعمراني، وفيها كان يعتمل غضب الثوريين، والإشتراكيين بجميع أصنافهم. وفي عام 1921 فقد زوجته أديث التي لم تكن قد تجاوزت سنّ الأربعين. وعنها كتب يقول: ”كان لها قلب مفعم بالحب والصداقة. لا أحد بإمكانه أن يقدّر فداحة المصيبة التي حلّت بي".
وفي برلين ،آهتم غوتفريد بنْ الذي كان قد أصبح مشهورا في الأوساط الأدبيّة، بمواساة الفقراء من دون ان آنشغال بالمال. كما لم يكن يقوم بأي أعمال من أجل الربح المادي. وكثير من المرضى لم يكونوا يدفعون له كلفة العيادة. ومع مرور الأيام آزداد تشبّثا بالشعر معتبرا إيّاه الأداة المثلى للتعبير عن وحدته وسط عالم مضطرب، موسوم بالخوف، والعنف، ،ومسكون بالضغائن والأحقاد. وقد كتب يقول: ”أترك لكم تقنييّكم ومحاربيكم وعلمكم ونظريّاتكم الإقتصادية وأدبكم وكلّ ضجيج الحضارة، وأطلب بكلّ بساطة بالنسبة للشاعر حريّة الإنسحاب من مجتمع نصفه من أصحاب الإيرادات المحرومين من الإرث، ومن الذين يرغبون في أن تقوم ممتلكاتهم من جديد، والنصف الآخر من السابحين بين ماءين. إن الشاعر يريد أن يتّبع مسالكه الخاصّة".
ولعلّ تقديسه للفن هو الذي حرّض غوتفريد بنْ على مساندة النازية في بداية صعودها. .ففي الخامس عشر من شهر مايو-أيار 1933، وبعد مرور أسبوعين فقط على آستيلاء هيتلرعلى السلطة، عيّن مسؤولا عن اللجنة الأدبية في أكاديمية الآداب مكان الكاتب هيانريش مان الذي كان قد فرّ مثل أخيه توماس مان الى المنفى. وفي 29 مارس-آذار 1934، آستقبل غوتفريد بنْ الإيطالي مارتينيتي، المساند لنظام موسيليني، ورحّب به قائلا: ”نحن سعداء بقدومكم الى ألمانيا في هذه الفترة التي يتأسس فيها تاريخ الرايخ الجديد الذي من أجله طلب الفوهررالذي نحبّه جميعا، أن يساهم الكتّاب في بنائه". لكن رغم توافقه مع النازية، لم ينخرط غوتفريد بنْ في الحزب القومي الإشتراكي مثلما كان الحال بالنسبة لمارتن هايدغر. كما أنه لم يقم بأية دعاية له، ولم يتعرف على أعضائه، ورموزه الكبيرة، ولم يكن يقرأ صحفه. بل قضّل أن يراقب كلّ شيء "من نافذة مصحّته". لكن حالما أعلن غوبلس أن "الثورة التي أنجزتها القوميّة الإشتراكيّة ثورة شاملة آستحوذت على جميع ميادين الحياة وغيّرتهاتغييرا جذريّا وعميقا"، وأن "الفن ليس في جوهوره مسألة جمالية وإنما هو مسألة بيولوجيّة"، وأن "الدم والأرض هما جوهر المجموعة الألمانية"، بدأ غوتفريد بنْ يدرك أن النازيين يريدون في الحقيقة فنا شعبويّا، بآسم الشعب. وبآسم الأمة، هم يريدون فنّا تقليديّا بعيدا عن كلّ أشكال ومواصفات الحداثة. وبآسم الدولة فكرا تعبويّا. ولما شرع النازيّون في حرق كلّ الأعمال الفنيّة والأدبية والفكريّة التي لا تتلاءم مع توجهاتهم،ورؤاهم ،حدثت القطيعة الكاملة بين غوتفريد بنْ وبينهم، وراحت الشتائم واللعنات تنهال عليه من كلّ مكان. وآنطلاقا من عام 1935، آختار الإستقرار في مدينة هانوفر قاطعا صلته بكلّ الأوساط ألأدبيّة، ،ورافضا نشر أيّ عمل من أعماله. مع ذلك ظلّ الشعر ملاذه الوحيد. وفي قصيدة كتب يقول:
أن يكون مرّة اخرى ما كانه في السابق:
لا مسؤولا من دون أن يعرف النهاية
أن يحسّ باللحم: عطش وحنان، غزو وفقدان
أن يلمس ذاك الآخر، أن يمدّ بآتجاهه، بآتجاه ماذا؟
أن يظلّ جالسا مساء، وأن ينظر الى حنجرة الليل،
هو يتقلّص لكن في العمق ترتعش الأزهار
ومنها تتصاعد روائح قصيرة ومرتجفة،
وخلف القذارة بطبيعة الحال
ثم داكن الملامح، أنت تعرف ما تبالي به،
أنت تلقي دراهمك ثم تخرج
أن تكون قد أحببت كلّ تلك الأكاذيب
وآعتقدتّ في كلّ تلك الكلمات
المولودة من مقوّس الشفاه
وقلبك يتغيّر لكن من دون عمق
أن تكون قد أحببت كلّ تلك الأكاذيب
وأن تكون قد بحثت عن كلّ تلك الشفاه
(مع الأحمر من فمك وآمنحه شاحبا)
وإنما المزيد من الأسئلة
ألا ترى، بعضهم يتوقف وكثيرون هم الذين يديرون ظهورهم، أشباحا غريبة
عالية وضيّقة
وجميعهم يتوجّهون نحو الجسور
العصيّ تنزل، الساعات تتوقّف،
الأعداد لم تعد بحاجة الى أضواء،
الجموع تنمحي، وجوه سوداء
كلّها تبكي، ألا تراها؟
&
في نهاية الحرب الكونية الثانية عاد غوتفريد بنْ الى برلين من جديد ليجدها مدينة مهدّمة تحتلّها القوات الأجنبيّة، وفيها يهيم الناس هلى وجوههم بلا أمل، ،وبلا هدف. وكان الشاعر لا يزال يعيش تحت وطأة تلك الصدمة العنيفة لما تلقّى خبر آنتحار زوجته الثانية، فكتب يقول: ”كانت علاقتي بها تتسم بالحبّ الكبير، لكنها كانت علاقة صداقة وحنان لامتناهيين. إن فقدانها يعني بالنسبة لي سلسلة من الحداد والدموع. وقد زرت قبرها. لاشيءأثّر قي حياتي مثلما أثرت فيّ تلك الزيارة هناك في القرية البائسة". .وفي الثامن عشر من شهر ديسمبر 1946، تزوج غوتفريد بنّ من جديد من فتاة تصغره بسنوات كثيرة وتدعى الزا. مع ذلك ظلّت وفيّة ومخلصة له حتى اللحظات الأخيرة من حياته. وفي الشقّة الصغيرة كانت حياة الشاعر تمضي هادئة برفقة زوجته الشابة. وواصفا ذلك كتب أحدهم يقول: ”كان بنّ يعيش حياة منظمة تنظيما دقيقا. فقد كان يستيقظ في الساعة السابعة صباحا. وبعد الفطور، وتحديدا في الساعة التاسعة والنصف، يشرع في العمل في غرفة خلفيّة هناك حيث يكون الضوء خافتا دائما، ذلك أنه يعشق العتمة الخفيفة الصالحة للخلق والتأمّل. خلفه، في الحديقة الصغيرة، كانت هناك شجرة، وأزهار طالما تغنى بها قي أشعاره".
وقي عام 1948 كتب غوتفريد بنّ مقالا مطوّلا تحدث قيه عن مواقفه من المرحلة السابقة ومن المرحلة الجديدة قائلا: ”يقول بالزاك بإن المجد ليست له أجنحة بيضاء. غير أنه إذا ما كان هناك آمرئ وصف مثلما وصفت أنا خلال الخمسة عشر عاما الماضية ب"الخنزير" من قبل النازيين، وب"الأحمق" من قبل الشيوعيين، وب"الخائن" من قبل المنفيين، وب"العدمي" من قبل الأرواح النقيّة، وب"المومس" من قبل الديمقراطيين، فإنه لن يتعجّل العودة الى الحلبة، وخاصّة إذا ما كان يحسّ، يالإضافة الى هذا كلّه، بأنه مرتبط بعلاقة حميمة مع الجمهور. وقد تابعت بشكل مستمرّ الإنتاج الأدبي خلال الثلاثة أعوام الماضية، وشعوري هو التالي: في الغرب هناك دائما نفس مجموعة العقول التي تناقش منذ أربع حقب نفس المعطيات". وفي ظرف سنوات قليلة، أصدر غوتفريد بنْ مجموعة من الأعمال الشعرية، والدراسات الفكرية والنقدية تعكس الألم الألماني خلال الحرب وبعدها. وبفضل ذلك آستعاد شهرته، وهيبته، فأعيد اليه الإعتبار بعد أن كان منبوذا ومنسيّا...
أمضى غوتفريد بنْ السنوات الأخيرة من حياته هادئ، ا مرتاح البال. لكن بين وقت وآخر، كان يقضي ساعات عسيرة بسبب الآم سرطان في النخاع الشوكي. وقي شهر ديسمبر 1955، دخل المستشفى. والذين زاروه هناك وجدوا أمامهم عجوزا أستفحل مرضه فما عاد قادرا على السير إلاّ مستعينا بعكازين. وفي السابع من شهر تموز-يوليو 1956، أسلم الروح. وهكذا رحل شاعر الوجع الألماني "حاملا ضياءه، متّبعا النجوم الأكثر هدوءا" كما قال ذات يوم في إحدى قصائده...
&