&
لم تكن روزالبا كاريرا أفضل رسامة عرفتها أوروبا لأن نقاد الفن يتفقون على أن هذه المكانة تحتلها امرأة أخرى هي آرتميسيا جنتلسكي. ولكنهم يتفقون على أن كاريرا كانت الأنجح في هذه المهنة التي يسيطر عليها الرجال على وجه العموم لاسيما في زمن كانت المرأة فيها مهمشة إلى حد كبير.
ولدت روزالبا في مدينة فينيسيا (البندقية) في 7 تشرين الأول/اكتوبر 1675 وأمضت حياتها الزاخرة بالنشاط والعمل والترحال في أماكن عديدة من أوروبا قبل أن تعود إلى فينيسيا لتلفظ أنفاسها الأخيرة هناك في 15 نيسان/أبريل 1757.&
لم تكن روزالبا رسامة مبدعة فحسب بل كان من حولها يعتبرونها امرأة عبقرية أيضا وقد بدأت حياتها الفنية في سن مبكرة جدا إذ كانت مضطرة للعمل من أجل كسب القوت وركزت في البداية على إنجاز لوحات بورتريه صغيرة ثم ما لبثت أن عكفت على إنتاج لوحات ضخمة لا تقل شأنا عما كان يبدعه الرسامون الرجال.
حققت روزالبا شهرة واسعة جدا في أوروبا حتى أن أغلب النبلاء والمشاهير الذين يزورون إيطاليا كانوا يعرجون على مشغلها الأنيق المطل على القنال الكبير في المدينة كي ترسمهم بأناملها الرقيقة. وقد سمحت لها هذه الشهرة لاحقا في الحصول على تكريم لم تحصل عليه أي أمرأة رسامة قبلها وهو الدخول إلى أكاديميات فنون كانت لا تقبل غير الرجال في العادة. ففي عام 1705 دخلت أكاديمية سان لوكا في روما ثم اكاديمية الفنون في باريس لاحقا. وفي عام 1716 تعرفت روزالبا على بيير كروازا الذي كان ناقدا فنيا فرنسيا شهيرا وخبيرا بالفن ثم ما لبثت أن قبلت دعوته، بعد سنوات قليلة، للذهاب إلى باريس. وهناك، استقبلتها الطبقة العليا استقبالا جيدا والتقت كبار معاصريها من الفنانين ومنهم واتو الذي أنجزت له أفضل بورتريه في حياته كما اشتركت معه في تطوير أسلوب جديد في الرسم في ذلك العصر عرف باسم روكوكو ويقوم على استبعاد كل ملامح القبح والخشونة وإبراز معالم الرقة والنعومة والجمال.&

أصباغ الباستيل
كان الفنانون في ذلك العصر يميلون إلى استخدام الألوان الزيتية ولكن روزالبا فضلت الرسم بأقلام الباستيل. وحتى اليوم، تستخدم كلمة باستيل في إشارة إلى ألوان فاتحة ومشرقة ورقيقة تثير مشاعر الفرح والحبور وهذه كلها صفات اتسمت بها لوحاتها بشكل عام. وكانت عادة ما تستخدم ألوانا هادئة وفرحة وفاتحة على خلفية من ورق أزرق غامق اللون ولم يكن في لوحاتها خشونة أو قسوة أو ألوان داكنة وإلى جانب ذلك كانت تحرص على أن يعبر البورتريه عن نفسية الشخص الذي ترسمه وهو ما دفع العديد من المشاهير ومن الشخصيات المهمة في زمانها إلى الوقوف أمامها وتخليد أنفسهم في لوحاتها وهو ما منحها، إلى جانب الشهرة الواسعة، ثروة طائلة وتكريما واعترافا بتميزها وبفنها.&
لكن الأمور لم تستمر على هذا المنوال حتى النهاية ذلك أنها واجهت أقسى ما يمكن أن يواجهه رسام وهو فقدها القدرة على الرؤية في سنوات حياتها الأخيرة ويروي البعض أنها أصيبت بلوثة عقلية جراء عدم قدرتها على ممارسة الرسم على الإطلاق.&
ولأن روزالبا أمضت أغلب سنوات حياتها في التنقل والترحال في مختلف مناطق أوروبا ودولها، توزعت أعمالها في كل مكان تقريبا. وأغلب البورتريهات التي رسمتها كانت لنساء من الطبقة الارستقراطية ولكنها رسمت أيضا امرأة أفريقية وأخرى من الهنود الحمر كما رسمت بورتريه رائع لملك فرنسا الوسيم لويس الخامس عشر. & & & & & & &&
أما مناسبة الحديث عن روزالبا كاريرا فهي صدور رواية للإيطالية فالنتينا سيزاروتو أرادت من خلالها إحياء ذكرى هذه الرسامة الرقيقة والأنيقة. عنوان الرواية "سر النظرة؛ مذكرات روزالبا كاريرا، أشهر امرأة رسامة في أوروبا". وتبدأ أحداث الرواية في فينيسيا في نيسان/ابريل 1741 عندما تقرر روزالبا المسنة والعمياء تقريبا كتابة سيرة حياتها، ولكنها ليست سيرة حقيقية بل رواية تقوم على الخيال تصورت فيها سيزاروتو أسلوب حياة الرسامة وطريقة تفكيرها وعززتها بأسماء مختلف الشخصيات المهمة والمعروفة في ذلك الزمان والتي كان لها حضورها المميز في حياة كاريرا.