كالساعة السويسرية الدقيقة، يبدو نجم كرة المضرب روجيه فيدرر. يختار دوراته بعناية، وفترات الراحة بدقة أكبر. في الخامسة والثلاثين، أحرز لقبا ثامنا قياسيا في بطولة ويمبلدون الانكليزية، ثالث البطولات الأربع الكبرى في كرة المضرب، ولا يظهر أي نية لاعتزال قريب.

على مدى 14 عاما، منذ لقبه الكبير الأول في ويمبلدون 2003، تحول فيدرر الذي يتم عامه السادس والثلاثين في الثامن من آب/أغسطس المقبل، الى أحد أبرز ألاسماء في تاريخ كرة المضرب: 19 لقبا (رقم قياسي) في البطولات الكبرى، أكبر لاعب يحرز لقب ويمبلدون والأول منذ عقود يحقق ذلك دون خسارة أي مجموعة...

إضافة الى كل هذه الأرقام والانجازات، يثير فيدرر حيرة متابعيه بقدرته على مواصلة تقديم هذا المستوى بعد هذه المسيرة الطويلة. 

هل يمكن تخيل وجود "المعلم" فيدرر في دورة الالعاب الأولمبية في طوكيو 2020، والتي لا تزال ذهبيتها غائبة عن سجله في الفردي؟

طرح السؤال على النجم السويسري على هامش ويمبلدون، فأجاب بهدوء "لم اتخذ بعد القرار بشأن الالعاب الاولمبية"، علما بأنه سيكون قد بلغ حينها التاسعة والثلاثين.

في تصريح آخر، ترك فيدرر المجال مفتوحا أيضا على احتمال مواصلته اللعب حتى بعد هذه السن. فردا على سؤال عن احتمال بقائه على أرض الملعب حتى الأربعين، أجاب "ممكن، اذا سمحت صحتي وكان كل شيء على ما يرام".

سيعود فيدرر في 2018 الى ويمبلدون للدفاع عن لقبه، اذ أكد ان "هذه البطولة تساعدني على الاستمرار لاطول فترة ممكنة"، علما بانه ملتزم حتى 2019 باللعب في دورة بازل (500 نقطة)، مسقط رأسه.

الثقة التي يتحدث بها فيدرر عن مواصلته اللعب لمدة طويلة، تمثل تغييرا جذريا بالنسبة الى وضعه في هذا الفترة من العام الماضي. خسر في نصف نهائي ويمبلدون 2016 أمام الكندي ميلوش راونيتش، ليضع حدا لموسم لم يحرز فيه أي لقب، ويخلد الى الراحة لمدة ستة أشهر خصوصا بسبب معاناته مع إصابة في الركبة.

منذ مطلع 2017، بدا ان العائد الى الملاعب هو فيدرر "قديم جديد": لاعب رشيق ذو لياقة بدنية عالية، ومستوى يعيد التذكير بأيام هيمنته على كرة المضرب، لاسيما في الأعوام الأولى من الألفية الثالثة وضربته الامامية الشهيرة، وضرباته الخلفية المطورة.

ارتاح فيدرر خلال النصف الثاني من الموسم الماضي. وبعد عودته، أحرز لقب بطولة استراليا المفتوحة، أول ألقابه الكبيرة منذ 2012، وأتبعه بلقبين في دورتي انديان ويلز وميامي الاميركيتين للماسترز.

تحضيرا لموسم الدورات العشبية، اختار الراحة مرة جديدة، وغاب عن كامل موسم الملاعب الترابية، لاسيما في ظل المستوى المذهل الذي يقدمه "سيد" هذه الأرضية، الاسباني رافايل نادال (31 عاما). عاد بدءا من دورة شتوتغارت الالمانية وأقصي من الدور الأول، الا انه سرعان ما عوض بإحراز لقب دورة هاله للمرة التاسعة.

خلال البطولة الانكليزية التي بات متخصصا فيها، أكد فيدرر ان "للصحة أهمية خاصة في خياراتي. سأبقى حذرا جدا فيما يخص عدد المباريات التي سأخوضها، وكذلك لياقتي البدنية".

- ليست العودة الاولى -

هذه "العودة" السويسرية الى الأداء الرفيع ليست الأولى.

ففي ظل الصعود القوي للصربي نوفاك ديوكوفيتش عام 2011، بدأت التقارير تتحدث عن أفول نجم فيدرر وشعوره بالاحباط وعدم القدرة على منافسة "القوي الجديد" في ساحة كرة المضرب. الا ان السويسري عاد في السنة التالية، وحصد لقبا سابعا في ويمبلدون، واستعاد صدارة التصنيف العالمي للاعبين المحترفين.

كان عام 2013 من الأسوأ في مسيرته: خرج من الدور الثاني في ويمبلدون، ولم يحرز سوى لقب وحيد في دورة هاله الالمانية. عاد بقوة بعد ذلك مجددا، وخاض النهائي مرتين في ويمبلدون (2014 و2015) ليخسر أمام ديوكوفيتش، ونهائي فلاشينغ ميدوز الأميركية عام 2015 حيث خسر مرة جديدة أمام الصربي.

هذه السنة، أحرز فيدرر بطولتين من البطولات الثلاث الكبرى التي أقيمت حتى الآن، في إنجاز لم يحققه منذ عام 2009، علما بأن سجله في المباريات هذه السنة هو 31 فوزا مقابل خسارتين فقط.

في ظل أدائه وتراجع ديوكوفيتش والمصنف أول عالميا البريطاني أندي موراي، يبدو فيدرر الأقرب للتتويج مجددا في بطولة فلاشينغ ميدوز التي سبق له إحراز لقبها خمس مرات، آخرها في 2008.

وألمح السويسري الى احتمال ان يرتاح مجددا استعدادا لهذه البطولة المقرر انطلاقها في 28 آب/أغسطس المقبل، وربما الغياب عن دورة مونتريال الكندية للماسترز، والاكتفاء بدورة سينسيناتي للماسترز.

ويشير فيدرر الى ان أي قرار بهذا الشأن سيتخذه مع فريقه وعائلته.

وقال "طرحت عليهم السؤال بشكل صريح، للجميع في فريقي، اذا كنت ما زلت قادرا على الفوز في بطولات كبرى. مبدئيا كانت الاجابة نفسها منهم دائما: اذا اعتقدت انك بصحة سليمة مئة بالمئة، ومستعد بشكل جيد ومتلهف للعب، فاذا كل شيء ممكن".

أضاف "هذا ما حصل، وكانوا على حق (...) لذلك اعتقد ان الراحة العام الماضي كانت ضرورية لإعادة التقييم والعودة بدنيا مئة بالمئة".

كان مفتاح نجاح فيدرر هذه السنة الملاءمة بين مستواه البدني ومشاركته على أرض الملعب، للحفاظ على توازن يتيح له تقديم الأداء الأفضل في المحطات الأساسية.

ويبدو ان هذا الأسلوب سيكون هو المعتمد في الفترة المقبلة من قبل السويسري الذي قال على هامش ويمبلدون "لدي انطباع بأنني أعمل نصف دوام، ولا أعتقد ان هذا أمر غير سيء".