في 12 تموز/يوليو 2018 ستحتفل فرنسا بالذكرى العشرين للقب الوحيد الذي أحرزته في كأس العالم. قبل يومين، سيكون أحد أبرز المساهمين في النجاحات الكروية الفرنسية، تييري هنري، على "الضفة" البلجيكية في نصف نهائي مونديال 2018.

هل يعكر الشاب الذي كان في تشكيلة مونديال 1998 بقيادة اللاعب السابق ديدييه ديشان، احتفال الأخير الذي يشغل حاليا منصب مدرب المنتخب الفرنسي، بالذكرى العشرين للقب الأغلى، وينهي مسعى بلاده لإحراز لقب ثان في البطولة العالمية؟

السؤال مطروح اذا ما أخذ في الاعتبار الموقع الحالي لهنري: المساعد الثاني لمدرب المنتخب البلجيكي لكرة القدم الاسباني روبرتو مارتينيز، والذي سيكون على مقاعد "الشياطين الحمر" خلال اللقاء مع "الديوك" في الدور نصف النهائي للمونديال الروسي، الثلاثاء في سان بطرسبورغ.

سئل ديشان الأحد عن صديقه وزميله السابق في المنتخب. قال "نعم، سيكون الأمر غريبا لأنه فرنسي لكنه جالس الى دكة بدلاء الخصوم. بالنسبة إليه أيضا اعتقد ان الأمر سيكون غريبا".

وأضاف في تصريحات لقناة "تي اف 1" الفرنسية "أنا سعيد لأنني سأراه مجددا. هنا أنا واثق من انني سأراه لأنه نظرا لانشغالاته، لا تتقاطع سبلنا كثيرا. هو شخص أقدره كثيرا، وثمة دائما احترام كبير بيننا".

كان هنري (40 عاما حاليا) في مونديال 1998 في العمر نفسه تقريبا للنجم الفرنسي الحالي كيليان مبابي. ساهم في العديد من المحطات الفرنسية البارزة: مونديال 1998 (سجل ثلاثة أهداف على رغم انه لم يكن أساسيا)، كأس أوروبا 2000، وبلوغ نهائي مونديال 2006 لاسيما بتسجيله هدف الفوز على البرازيل في ربع النهائي... أنهى النجم السابق لنادي أرسنال الانكليزي مسيرته الدولية مع المنتخب في العام 2010، بعدما أصبح أفضل هداف في تاريخه (51 هدفا في 123 مباراة دولية).

لجأ اليه المدرب الاسباني للمنتخب البلجيكي، في تعيين غير متوقع أراد من خلاله مارتينيز الافادة من خبرة هنري ونقل تجربته الى "الجيل الذهبي" للمنتخب الأحمر الذي يضم في صفوفه لاعبين موهوبين من قبيل ادين هازار وكيفن دي بروين وروميلو لوكاكو.

- المنفي في لندن -

في تصريحات قبيل المباراة المرتقبة بين الجارين اللذين التقيا 73 مرة، لم يخف المهاجم الفرنسي أوليفييه جيرو الذي دافع بدوره سابقا عن ألوان أرسنال، رغبته في ان يكون هنري على الضفة الفرنسية بدلا من غيرها.

وقال "بالتأكيد كنت أفضل ان يكون معنا ويقدم لنا النصائح، لكن يجب ألا نغار (...) قدم الكثير لمنتخب فرنسا، ولدينا احترام كبير لما قام به".

لكن لماذا لا يتواجد هنري في الجهاز الفني للمنتخب الفرنسي؟ بحسب تصريحات نقلتها صحيفة "ليكيب" الفرنسية عن اللاعب السابق، "لم يتم طرح هذا الموضوع علي أبدا"، وعندما اقترح مدرب بلجيكا ذلك، قبل هنري - بحسب ما قال - العرض الوحيد "الذي يصعب رفضه".

أقر رئيس الاتحاد الفرنسي لكرة القدم نويل لو غريت في تصريحات لوكالة فرانس برس بأن المسؤولين الكرويين في فرنسا "أضاعوا" هنري بعض الشيء، موضحا "هذه هي الحياة. لعب معظم مسيرته في انكلترا. لديه حضور قليل في فرنسا وتواصل محدود مع الاتحاد".

ما سر التباعد بينه وبين بلده؟ هنري هو مثل "المنفي" في لندن، حيث لا يزال مشجعو أرسنال يعشقونه، اذ انه الهداف التاريخي للنادي مع 228 هدفا في مختلف المسابقات. خارج مهامه مع بلجيكا، يمضي غالبية وقته في العاصمة البريطانية حيث يعمل كمحلل لشبكة "سكاي سبورتس".

أبعد من الجغرافيا، ثمة جانب درامي في العلاقة بين هنري وفرنسا، لاسيما في الجزء الأخير من مسيرته. جمع ملحق التصفيات الأوروبية المؤهلة الى مونديال 2010 فرنسا وجمهورية ايرلندا. فاز المنتخب الأزرق ذهابا خارج أرضه 1-صفر، وحققت ايرلندا الفوز إيابا بالنتيجة نفسها على ملعب ستاد دو فرانس. امتدت المباراة الى شوطين اضافيين، تمكن خلالهما وليام غالاس من تسجل هدف الفوز (والتأهل) لفرنسا، بتمريرة من هنري.

الا ان الهدف أثار جدلا واسعا بعدما تبين ان هنري لمس الكرة بيده قبل التمرير، ما أثار عاصفة من الانتقادات. في نهائيات جنوب افريقيا 2010، أمضى معظم الوقت على مقاعد الاحتياط، وخرجت فرنسا من الدور الأول على خلفية أداء سيء، وأزمة في معسكرها بعد إضراب للاعبين.

- "سيكون قلبه بلجيكيا" -

بالنسبة الى هنري، كانت هذه العوامل كافية للابتعاد عن المنتخب، بعدما اعتبر انه لم يتم تقدير مسيرته من قبل إدارته.

هل يكفي ذلك لتغيير عاطفته تجاه بلاده؟ سؤال قد لا يجد إجابة. 

بالنسبة لحارس المرمى البلجيكي السابق جان ماري بفاف، هنري سيكون غدا بلجيكيا أكثر منه فرنسي لأنه "يعمل الآن مع الاتحاد البلجيكي وسيفعل بكل تأكيد كل شيء لبلوغ النهائي. طيلة 90 دقيقة سيكون قلبه بلجيكيا حصرا".

يقدم هنري كل ما لديه في التدريبات، ويمضي وقتا اضافيا مع المهاجمين.

قال المهاجم البلجيكي ميتشي باتشواي ان هنري "يعشق ان يتحدث عن خبرته (...) يعشق كرة القدم، يحب كثيرا التحدث عما قام به، كيف كان سابقا، كأس العالم الأولى التي شارك فيها... قدم لي العديد من النصائح".

لعلها لمسة هنري الهجومية والتهديفية التي جعلت من المنتخب البلجيكي يسجل 14 هدفا في خمس مباريات في المونديال الروسي، الأفضل بين كل المنتخبات حتى الآن. قال مارتينيز في تصريحات مؤخرا "تأثيره مهم جدا (...) تييري أضاف الينا عاملا مهما، الخبرة. يعرف ما يشعر به اللاعبون في هذا الوضع، يعرف الضغط للفوز بهذه المباريات".