الرباط: في سن الثالثة عشرة تلقى نور الدين أمرابط خبراً سيئاً، بعد أن قرر نادي أياكس أمستردام الهولندي التخلي عنه، لأنه غاب عن اللعب لفترة بسبب إصابته بداء على مستوى الركبتين.

وقتها، كما نقرأ في موقع الاتحاد الدولي لكرة القدم، بدا المسار الكروي للفتى المغربي في مهب الريح، حيث سيشتغل في تنظيف أرضية مدرسة محلية والأواني في أحد المطاعم، كما خطط لدراسة التسيير والاقتصاد والقانون، إلا أن الأقدار أبت إلا أن تمنح لمسيرته بداية جديدة نحو فضاء تألق أرحب.

بعد عشرين سنة

بعد عقدين من الزمن، على هذا الحدث، تبدو الأمور على أحسن ما يرام بالنسبة للاعب أكد قيمته في ملاعب أوروبا وأفريقيا، قبل أن يشد الرحال، في فترة الانتقالات الصيفية الحالية، صوب قارة آسيا للعب في صفوف النصر السعودي، في عقد يمتد لثلاث سنوات.

اليوم، بعد مشاركته رفقة أسود الأطلس في نهائيات كأس العالم، التي اختتمت بروسيا بفوز المنتخب الفرنسي، والتي غاب عنها المغاربة منذ نهائيات فرنسا في 1998، مع جيل مصطفى حجي ونور الدين النيبت وصلاح الدين بصير، يكون أمرابط قد أضاف اسمه إلى لائحة بأسماء اللاعبين الذين حققوا حولهم إجماع المغاربة، على مدى العقود الماضية، لمهاراتهم الكروية وأخلاقهم العالية وتفانيهم في الدفاع عن الألوان المغربية، كالعربي بنمبارك وادريس باموس وأحمد فرس وعبد المجيد الظلمي والزاكي بادو ومحمد اليتمومي ومصطفى حجي.

وبعد واقعة إصابته بارتجاج في المخ بسبب الارتطام، والتي تعرض لها في مقابلة إيران، برسم الدور الأول من نهائيات كأس العالم بروسيا، وإصراره على خوض لقاء البرتغال، خمسة أيام بعد ذلك، متحدياً إجراءات سلامته الشخصية، للمساهمة في الدفاع عن ألوان القميص الوطني في مباراة مصيرية، سيكسب أمرابط مزيداً من حب وتقدير وتعاطف المغاربة وجزء كبير من الرأي العام العربي والعالمي، خصوصاً بعد ما رافق مواجهة رفاق البرتغالي كريستيانو رونالدو والإسباني سيرخيو راموس من أداء بطولي لأمرابط ورفاقه.

في المغرب، وبعد مشهد خروجه مصاباً في مباراة إيران، وأدائه القتالي أمام البرتغال وإسبانيا، سيتحول أمرابط إلى رمز للتضحية في سبيل الوطن، وعنوان للبذل والعطاء. لقبه كثيرون بالمقاتل والمحارب والغلادياتور، فيما استحضر آخرون مواقفه السابقة وأداءه في ملاعب هولندا وإنجلترا وإسبانيا، مع الفرق الكثيرة التي لعب له، والتي فرض فيها شخصيته كلاعب مشاكس لكن بروح مرحة، متفائلة.

قبل نهائيات روسيا، لم يختلف المغاربة يوماً على أحقية أمرابط في اللعب للمنتخب المغربي، هو الذي خاص أول لقاء له رفقة المنتخب المغربي للكبار يوم 23 يناير 2012.

صدمة أياكس

في حوار سابق مع موقع الاتحاد الدولي لكرة القدم، نقرأ عن أمرابط الذي تلقى، وهو في عمر لا يتجاوز الثالثة عشرة سنة، خبراً كاد أن يغير حياته للأبد؛ بعد أن قرّر نادي أياكس أمستردام أن يتخلى عن خدمات الفتى المغربي الصغير، لأنه غاب عن اللعب لفترة بسبب إصابته بداء "أسغوود شلاتر" على مستوى الركبتين. وقتها، بدا مسار أمرابط الكروي في مهب الريح، إلا أن الأقدار أبت إلا أن تمنح لمسيرته بداية جديدة نحو فضاء تألق أرحب.

في ذات الحوار، تذكّر أمرابط هذه الحادثة، قائلاً: "كان الأمر قاسياً. كنت أتدرب بأكاديمية دي توكومست التي تبعد بمئات المترات فقط عن ملعب أمستردام أرينا. بإمكانك أن ترى الملعب من هناك؛ إنه حلم كبير أن تلعب فيه. للأسف لم أتمكن من فرض نفسي بأياكس، إلا أنني سعيد حيث أنا الآن".

تنظيف الأواني

أكد موقع الاتحاد الدولي أن "الجناح المغربي السريع يملك كل الأسباب ليكون سعيداً بمساره الكروي إلى الآن" بعد أن مرّت سنوات على تلك الواقعة. 

و"كان أمرابط بعد أن اشتغل في تنظيف أرضية مدرسية محلية والأواني في أحد المطاعم عقب إعفائه من قبل العملاق الهولندي، قد خطط لدراسة التسيير والاقتصاد والقانون؛ إلا أن مساره سيتغير حين اكتشفه نادي الدرجة الثانية أومنيوورلد وهو يلعب كرة قدم الهواة. وفي ظرف سنتين، خاض مسابقة دوري أبطال أوروبا رفقة بطل الدوري الهولندي الممتاز آيندهوفن".

وجواباً عن سؤال سبب صعود نجمه بهذا الشكل السريع، شرح أمرابط ذلك، قائلاً: "أنا شخص متواضع وأبذل قصارى جهدي؛ سواء لعبت رفقة نادٍ هاوٍ أو نظفت الأواني أو خُضت دوري أبطال أوروبا. يتعين على المرء أن يركز بشكل كامل على ما يقوم به في الحياة، وهو ما أفعله دائماً".

ويبدو أن اللاعب المغربي، يضيف موقع الاتحاد الدولي، قد تعلم كثيراً من ذلك الإخفاق المبكر. ومن بين العوامل التي ساعدت على تحفيزه لتحقيق الأفضل رغبته في إعادة إنجاز 1998، حين تمكن المنتخب المغربي من خوض كأس العالم في فرنسا، الذي تابع أمرابط، الذي كان حينها تلميذاً في هولندا، خلاله نجومه المغاربة باندهاش كبير وهم يتنافسون ضمن العرس الكروي العالمي.

ذكريات مغربية

بنبرة اعتزاز واضح، تذكر أمرابط مشاركة أسود الأطلس في مونديال فرنسا، قبل عشرين سنة، قائلاً: "أتذكر المباراة ضد اسكتلندا، كانت جيدة. الجميع كان متحمساً واستمتعنا كثيراً. أتذكر أيضاً المباراة أمام البرازيل التي كانت تملك بين صفوفها رونالدو. خسر المغرب تلك المواجهة بثلاثية نظيفة. وكان مصطفى حجي قد سجل أيضاً هدفاً رائعاً ضد النرويج".

وحيث أن كرة القدم تجلب بعض الصدف الرائعة في مسار اللاعبين، كما نقرأ في موقع الاتحاد الدولي بخصوص اللاعب المغربي، فبعد العشق الكبير الذي يكنه لمصطفى حجي، لاعب ديبورتيفو لاكورونيا وأستون فيلا سابقاً، والمتوج بالكرة الذهبية الأفريقية في 1998، ها هو اليوم يمضي رفقته فترات العطلة. وفي حقه قال أمرابط، وابتسامة تعلو مُحيّاه: "يُعدّ حجي أحد أفضل اللاعبين بالنسبة لي. اليوم يشغل دور مساعد المدرب في المنتخب الوطني؛ إنه شخص رائع. في البدء كان الأمر خاصاً، أما اليوم فهو واحد منا".

غاب المنتخب المغربي عن نهائيات كأس العالم منذ الأيام الزاهية لجيل مصطفى حجي ونور الدين النيبت ويوسف شيبو ورفاقهم، قبل أن يأتي الدور على أمرابط وبوصوفة وبنعطية والأحمدي، وغيرهم، من مواهب المهجر، لتقويم الوضع بالمشاركة في مونديال روسيا، حيث نالوا احترام العالم، بعد أداء مشرف نالوا به احترام العالم، على الرغم من خروجهم منذ الدور الأول.

سيرة

ولد أمرابط في 31 مارس 1987، في ناردن بهولندا. وتنحدر عائلته من جماعة بن الطيب، التابعة لقبيلة آيت أوليشك في إقليم الناظور بمنطقة الريف، شمال المغرب. وتقول "الموسوعة الحرة" إن أمرابط بدأ مساره الرياضي مع فريق الهواة زاودفوخلس من مدينة هاوزن، ليتم اكتشافه من طرف فريق أياكس أمستردام في وقت مبكر من عمره الكروي الذي تسبب له، أيضاً، في بعض المشاكل التأقلمية مع ذلك الفريق، خصوصاً أنه كان يشتكى من مشاكل صحية جراء نموه الجسمي والعضلي. وبعد مدة ليست بالطويلة رجع إلى فريقه الأول، قبل أن ينتقل إلى فريق هواة آخر في نفس المدينة، هو أس في هاوزن، حيث بدأت تظهر مهاراته الكروية، ما جعل مدرب فريق الصغار يورغن كوك الذي صار مدرباً أول للكبار، يضمه إلى فريق الكبار؛ حيث صار أهم لاعب في الفريق، لينتقل، في موسم 2006 _ 2007، إلى إف سي أمني وورلد من مدينة ألمر، وكان عمره 19 سنة، حيث سجل 14 هدفاً، لينتقل، في الموسم الموالي، إلى فريق في في في فنلو في الدوري الهولندي الممتاز وتتم المناداة عليه للعب في صفوف المنتخب الأولمبي الهولندي، الشيء الذي دفع كبار فرق هولندا إلى إبداء رغبة التعاقد معه، من قبيل بي أس في آيندهوفن وفاينورد روتردام وأياكس أمستردام وإف سي أوتريخت وإس سي هيرفين؛ قبل أن تميل الكفة، في مارس 2008، لصالح بي أس في آيندهوفن في عقد يمتد لأربعة مواسم. وفي موسم 2011 _ 2012 سينتقل أمرابط إلى الدوري التركي، حيث لعب في صفوف قيصري سبور، في موسمه الأول، قبل أن يوقع لغلاطاسراي لثلاثة مواسم (2012 _ 2015)، وتمت إعارته في غضونها إلى مالقا الإسباني، ما بين 2014 و2015، لينتقل رسميا إلى الفريق الأندلسي برسم 2015 _ 2016، وبداية من الموسم الموالي إلى واتفورد الإنجليزي، الذي أعاره لليغانيس الإسباني، قبل أن ينتقل، خلال فترة الانتقالات الصيفية الحالية، إلى النصر السعودي في عقد يمتد لثلاث مواسم.

أمرابط .. بسم الله

قبل مشاركته، رفقة أسود الأطلس، في نهائيات كأس العالم بروسيا، ظهر أمرابط في شهادات قصيرة مصورة للتلفزيون المغربي، متحدثاً عن مشاعره وتوقعاته بخصوص المشاركة المغربية في هذه التظاهرة العالمية، التي وضعتهم قرعتها ضمن مجموعة حديدية، ضمت إيران والبرتغال وإسبانيا.

وقتها، تحدث أمرابط بلهجة مغربية، تعكس حبه لبلده المغرب وروحه المرحة وثقته في نفسه وقدرات الأسود، حيث قال: "المنتخب اللي جا بسم الله"، والمعنى، بالعربية الفصحى:" نحن لا نهاب أي منتخب". وكذلك كان، حيث تابع العالم كيف تحدى المغاربة رفاق كل من كريستيانو رونالدو وسيرخيو راموس، لولا الحظ وتقنية (الفار)، التي بقدر ما وظفت لصالح كبار أوروبا تم أهمالها في عدد من الحالات المؤثرة، كلما كانت في صالح المغرب.

عائلة كروية

من المؤكد أن نور الدين أمرابط (31 سنة)سجل اسمه في تاريخ كرة القدم المغربية. وإذا ما كتب له في السنوات القليلة المقبلة أن يتوقف عن اللعب للمنتخب الوطني، فإنه سيضمن أن يحمل شقيقه الأصغر، سفيان (21 سنة)، نجم وسط فاينوورد الهولندي، المشعل، محافظاً على وجود اسم عائلة أمرابط ضمن لائحة النخبة المغربية: سفيان أمرابط، الذي سعت هولندا لاستقطابه للعب ضمن منتخب الطواحين، غير أنه اختار نداء القلب مفضلاً المنتخب الذي سبق لشقيقه الأكبر أن لبى دعوته، في وقت سابق، ليدشن مشاركته في صفوفه في آخر لقاء إقصائي خارج الديار، برسم نهائيات كأس العالم 2018، ضد كوت ديفوار ، وهو اللقاء الذي شهد فوز الأسود على الفيلة، ودخول سفيان إلى جانب شقيقه نور الدين، قبل أن تضمهما لائحة المنتخب المغربي الذي شارك في نهائيات كأس العالم بروسيا.