شرفني السيد عمار الحكيم قبل أسابيع باستقبالي مرتين في مكتبه في الجادرية ببغداد. و أود الاعتراف بأنني ذهبت إلى الرجل و في ذهني الكثير من الأفكار المسبقة عنه، أغلبها في غير صالحه، بل لعل أظلمها أنه إبن مدلل لزعيم سياسي بارز، ورث موقعه القيادي عن الأب الراحل والعم الشهيد دون علم أو كفاءة أو استحقاق، و خرجت من عنده مطمئنا إلى أن العراق الجديد قد ربح بوصول هذا الزعيم الشاب إلى رئاسة أحد أكبر أحزابه، سياسيا وطنيا من الطراز الرفيع، سيلعب بلا شك دورا عظيما في تحقيق التوافق والاستقرار و المصالحة بين مكونات الحياة السياسية العراقية، بما يثبت المعادلة الديمقراطية و يدفع بقاطرة النظام الجديد إلى الأمام.
و قد أثبت السيد عمار خلال الفترة القصيرة الماضية، حدس المتفائل المحب، فقد كشفت لقاءاته التلفزيونية ( و أهمها لقاء الجزيرة مع المذيع الحاقد أحمد منصور)، وتصريحاته الإعلامية، ومواقفه السياسية من نتائج العملية الانتخابية و مساعي تشكيل الحكومة الجديدة، عن طينته الوطنية الديمقراطية الخالصة، و ووجهة نظره الرحبة الواسعة الراغبة في البعد بالوطن عن الأحقاد و تحصين المنجزات وتفويت الفرصة على الساعين إلى تفجير الحالة و تعميق الجروح و توسيع الفجوة بين الإخوة، الذين لا مشكلة لديهم في التحول في أي لحظة إلى أعداء.
لم تفاجئني هذه اللقاءات والتصريحات والمواقف، فلقد وقفت في لقائي به على زعيم سياسي واسع الاطلاع والمعرفة، السياسة عنده ليست مجرد معالجة يومية لمشاكل مستجدة، إنما تحقيق لرؤية وطنية فكرية وثقافية عميقة، وأمانة يحملها عضو في عائلة اشتهرت بالتباري في تقديم الشهداء، فهو حفيد السيد محسن الحكيم المرجع الأعلى الأوحد في زمانه، الذي قدم للعراق من أبنائه التسعة سبعة شهداء، و صهر آل الصدر الذين جمعوا المجد من طرفيه، العلم والسياسة.
و خلال اللقائين، طلب السيد عمار النصح والمشورة، واعتذر عن أي مدح أو إطراء، و أبدى حرصا كبيرا على الاستماع إلى ملاحظات وآراء دعوت فيها إلى أن تكون بغداد حاضرة لدعم الفكر الديمقراطي في العالم العربي، مثلما كانت عقودا عاصمة لتصدير الفكر الشمولي والاستبدادي، و مركزا لإسناد حركة الإصلاح الديني في العالم الإسلامي، تستعيد به مكانتها التاريخية كصانع لأهم تيارات التحديث والمراجعة وإعادة البناء في مجالات العقيدة والفقه والشريعة الإسلامية.
التنويه بخصال السيد عمار مرده تقدير بأن مصير العراق الجديد ليس معلقا فقط برقبة الظروف الموضوعية المعقدة والمتشابكة داخليا وخارجيا، كما أنه ليس معلقا برقية ما يمكن أن تتوصل إليه الأطراف الإقليمية من توافقات على المرحلة العراقية القادمة، بل هو معلق بالدرجة الأولى على قدرة قادته السياسيين على تجاوز ذواتهم و ارتباطاتهم الحزبية والطائفية والخارجية، و اعتصامهم بعروة ميثاقهم الوطني الديمقراطي و مصلحة وطنهم العليا، فللأشخاص دور أيضا، و للقادة قدرة على تغيير مسارات التاريخ.