رؤوس نقاط معبرة:

- في 2004، يصرح مدير شرطة النجف بأن أنصار مقتدى الصدر كانوا يفقئون العيون ويسلقونها في الماء المغلي. وفي 2010، يحصل الصدر على 40 مقعدا في البرلمان!- علما بأن قوى ديمقراطية عريقة لم تحصل حتى على مقعد واحد؛
- منذ شهر والقائمة العراقية تطلب لقاء زعيمها بالمالكي، وهذا يسوّف: د. علاوي هو الفائز الأول انتخابيا، والثاني متشبث بمنصب لم يعد له حق دستوري في البقاء فيه. علاوي يقول quot; هو حقيquot;، والمالكي يصرخ quot; بل هو حقي، والقرار لدى أحزابنا الدينيةquot;؛
- في 10 أيار 2010 عمليات تفجير إرهابية منظمة في مدن عراقية مختلفة الهوية المذهبية، بينما يستمر صراع الساسة على الكراسي وعلى تفسير الدستور؛
- عشية الانتخابات، أعلن مكتب السيد السيستاني أنه لن يستقبل أحدا من الساسة، ولكن ما أن انتهت، حتى عاود الاستقبال. وفي أيار 2010، أعلن اتحاد قائمتي المالكي والحكيم أن قضية تشكيل الحكومة متروكة لقرار السيد السيستاني! والأخير لم يعلن الرفض كدليل على الرضا. إذن فلم الانتخابات أصلا؟! وهل صرنا في نظام ولاية الفقيه؟1 وللعلم، فإن الذي يصدر quot;التوجيهاتquot; في مكتب السيد السيستاني هو ولده محمد رضا وليس والده، الذي كان يعلن بعد سقوط صدام بأنه لن يتدخل في الشؤون السياسية العراقية.

نقل المطلعون عن الدكتور أحمد الجلبي قوله يوم سقوط نظام البعث:quot; سقطت دولة السنةquot;. وبدا القول غريبا من رجل تخرج من جامعات غربية كبيرة وعرف بالعلمانية واللبرالية. ولكن ما وقع، فيما بعد، قد أظهر، مع الأسف، أن تصريحه كان قاسما مشتركا بينه وبين كل أطياف الإسلام السياسي الشيعي، الذي كان للدكتور فيما بعد دور المبادرة لتجميعها تحت عنوان quot; البيت الشيعيquot;. وجاءت ترجمة التصريح بصيغ مختلفة، منها فتوى السيد صدر الدين القنبانجي من المجلس الأعلى بأحقية quot;حاكمية الشيعةquot;، قاصدا الإسلام السياسي الشيعي المقرب من إيران- أي لم تكن مقصودة quot;حاكميةquot; تيارات وشخصيات وقوى شيعية علمانية. وبعد يومين من سقوط صدام، جرت في الناصرية مظاهرات بعنوان quot;حكم الحوزة الدينية، فعلقت في مقال بقولي:quot; لم يناضل شعبنا ويقدم التضحيات ليستبدل استبدادا سياسيا ديكتاتوريا شموليا باستبداد ديني شمولي.quot;
إن مساواة البعث بالسنة كانت خطيئة كبرى لا يزال العراق يدفع أثمانها غاليا. فنظام صدام لم يضطهد الشيعة والأكراد وحدهم، بل اضطهد السنة أيضا، وكان رجل الدين السني عبد العزيز البدري أول رجل دين من ضحاياه، وقبل قتل علماء من الشيعة كان أبرزهم الشهيد محمد باقر الصدر. وصدام quot;اجتثquot; أهم عناصر حزب البعث القيادية في أواخر تموز 1979. وحزب البعث نفسه تقلص إلى شخص quot;القائدquot; وحاشيته. ولكن حتى هنا ثمة ما يجب أن يضاف، ونعني أن مصطلح quot;بعثيquot; قد لا يعني عندهم دوما نفس الشيء لو كان الشخص من الطائفة. فجيش المهدي قد جند المئات من عناصر فدائيي صدام من مدينة الصدر ذات الأكثرية الشيعية. وفي النجف، وباعتراف بيان للحوزة العلمية عام 2004 ، انضم العشرات والعشرات من أنصار صدام إلى أتباع مقتدى الصدر. وما دمنا بصدد الحديث عن quot;خطر عودة البعثيينquot;، فلابد من إبراز كمية التناقضات الصارخة في تصريحات ومواقف السيد المالكي خاصة، وبقية الأحزاب الإسلامية الشيعية عموما. فالمالكي قد أرجع عددا كبيرا من بعثيي أمس، ومنهم من تسلموا مراكز مهمة في الجيش وأجهزة الأمن. والمالكي نفسه- الذي كان أول من أثار زوبعة خطر البعث خلال الانتخابات الأخيرة بعد تشكيل قائمة العراقية - هو من كان قد دعا علنا في 7 مارس 2009 إلى quot;المصالحةquot; باعتبارها quot;مرحلة مستمرةquot;، وكان يقصد من وصفهم بquot;الذين اضطروا إلى العمل مع النظام السابقquot;، داعيا إلى quot; طي هذا الجزء المظلم من تاريخ العراق.quot; طبعا، لم يكن يقصد عودة حزب البعث كحزب منظم للعملية السياسية. والسيد عمار الحكيم صرح خلال الانتخابات بوجوبquot; إشراك البعثيين الذين لم تتلطخ أيديهم...quot;
هذه وقائع نوردها في محاولة لفهم بعض أسباب الأزمة العراقية القاتمة حاليا. ونورد ذلك لا لإلقاء المسئولية على جهة دون غيرها، ولا لتبرئة الطائفية السنية بالتركيز على الطائفية الشيعية وحدها.
إنها من الحقائق التي يتناساها قادة الأحزاب الإسلامية الشيعية، مثلما يتناسون دور الزعامات الشيعية في تهميش الدور الشيعي في العراق الحديث: ونقصد quot;الجهادquot; بجانب المحتلين العثمانيين خلال الحرب العالمية الثانية، ومحاربة الإنجليز في العراق، ورفض الركائز الأولى للدولة العراقية الحديثة، ورفض المشاركة في الانتخابات في العشرينات، بل وحتى رفض إرسال البنات والأبناء للمدارس الحكومية لفترة سنوات.
كانت هذه الممارسات والمواقف من الأسباب الهامة لتهميش دور الشيعة في العراق الحديث، رغم أن فيصل الأول بذل جهودا مخلصة لتصحيح المعادلة. ومع الزمن، شرع ساسة الشيعة بالمشاركة الفعالة في الحياة السياسية وتبوأ منهم من تبوؤوا مناصب وزارية، ومنهم من وصلوا لمنصب رئاسة الوزراء ولكن لمرات قليلة جدا. وقد برهنوا عموما- مع استثناءات - على الجدارة والحس الوطني ولم يدعُ أي منهم لقيام نظام إسلامي أو لدستور أحكام الشريعة.
وفي عهد ثورة 14 تموز، فوتت الزعامة الدينية الشيعية فرصة ذهبية لرفع كل أشكال الحيف، وذلك حين أفتت بتكفير قاسم وانضمت لجحافل أعداء الثورة والزعيم. وكانت نتيجة النتائج في نهاية المطاف، 8 شباط، ثم مجيء نظام صدام فيما بعد، والذي مارس التمييز المذهبي بشراسة وعنف، وقام بعمليات تهجير مئات الآلاف من الشيعة بحجة quot;التبعيةquot; لإيران.
تلك حقائق تاريخية تورد للاستعبار، وللكف عن عزف quot;سيمفونيةquot; quot;المظلومية الشيعيةquot;، على حد تعبير كاتب عراقي شيعي. وقد برهن الكثيرون من أبطال quot;البيت الشيعيquot; على نهم مفتوح دوما لأخذ المال العام والممتلكات العامة، لا فرق بين معمم وغير معمم، وبرهنت سنوات حكم هذه الأحزاب على فشلها التام في تحقيق الحد الأدنى من أماني وحقوق شعبنا. وصار العراق دولة الفساد من المرتبة الأولى. وها هي هذا الأطراف نفسها تتمسك بquot;حاكمية الشيعةquot;ـ أي حكم الإسلام السياسي الشيعي. وقد أبدى السيد المالكي من المناورات والتقلبات من أجل التشبث بالمنصب حدا فاق فيه ما فعله زميله بالأمس الدكتور إبراهيم الجعفري عام 2006. ولا أدري كيف يمكن له المباهاة بquot;إنجازات كبيرةquot; حققها إذا نظرنا لاستمرار التداعي الأمني، والذي لو جرى عشره في أي بلد ديمقراطي، لاستقالت الحكومة. كذلك ما يجري في المحافظات التي يديرها حزب الدعوة، وقد تحولت إلى دويلات طائفية طالبانية - والبصرة هي المثال الأكبر والأخطر، وهي اليوم تكاد تكون جزءا من إيران. أم يتباهى السيد رئيس الوزراء، المنتهية ولايته، بالسجون السرية؟؟!!
لا نقصد إنكار دور التدخل الإقليمي والقاعدة في تأجيج الطائفية، وخاصة فترة الاحتراب الطائفي عامي 2006 و 2007، ولا هو إنكار لدور التخطيط الأميركي المتعثر لمرحلة ما بعد صدام. إنما نركز على دور النخب السياسية في دهورة وتداعي الأوضاع، وهو في رأينا الدور الحاسم. ولا نطلب من الزعامات العراقية أن تتصرف كزعماء فرنسا وبريطانيا في الانتخابات الأخيرة في البلدين، بل مطلوب منهم حد أدنى من الشعور بالمسئولية الوطنية وبروح المواطنة، والحد الأدنى من التضحية من أجل الوطن وشعبه، والحد الأدنى من التواضع والشعور بأنهم خدام الشعب، وليس العكس. فهل هم راغبون في ذلك؟! أم راغبون وعاجزون؟!
أجل، ليس صحيحا الاستمرار في إلقاء كل المسئوليات على ما ألحقه صدام من خراب، ومن مطاردات دموية للمعارضة السياسية، وللشيعة والأكراد خاصة، ولا اللجوء في كل مرة إلى quot;خطرquot; عودة نظام صدام وحزبه، وهو حزب تفتت. المسألة هي أن أحزاب الإسلام السياسي- بشقيه - لا تؤمن أصلا بالديمقراطية ولا تصلح لقيادة العراق. ورصيدها في السلطة خلال السنوات الماضية، ولحد اليوم، خير برهان.
أخيرا، وإنصافا، فإن عموم الطبقة السياسية العراقية لم تبرهن على نضوج كاف وعلى تغليب مبدأ المواطنة على الحسابات الحزبية والشخصية والفئوية، والتخلص من عقد الاستئثار والإقصاء. وتجب الإضافة الضرورية عن دور الدول الإقليمية وحساباتها في العملية السياسية، وعلاقاتها بالقوى السياسية المهيمنة. وإيران هي في مقدمة هذه الدول، فلها طابور داخلي كبير وإمكانات داخلية هائلة. وهي تعتمد على وجود عراق ضعيف ومضطرب. ولكن إيران ليست الدولة الإقليمية الوحيدة في التأثير على قرارات الساسة الفاعلين في العراق، وإن كانت الدولة الأكثر تأثيرا ونفوذا، فيما تراجع دور التأثير الأميركي في عهد أوباما..

مأساة الشعب العراقي: