لا اتفاق حتى الآن بين أطراف النزاع الرئيسية في سوريا على شكل quot;جنيف2quot;، دخولاً وخروجاً. كلّ طرف يريد الذهاب إلى quot;جنيف2quot; حسب شروطه الخاصة. المشكلة السورية بالنسبة للشعب السوري هي واحدة: حرب الجميع على الجميع. لكنّ الحلّ يتعدد بتعدد الأطراف المشاركة في هذه الحرب. قلة قليلة من الأطراف الفاعلة على الأرض، معارضة وموالاة، تؤمن بالحل السلمي أو السياسي. الأطراف الأساسية في الصراع لا تزال تؤمن بخيار الحرب أكثر من السلام. كلٌّ ينظر إلى quot;جنيف2quot; من زاويته الخاصة كquot;ضدquot; وquot;ندّquot; للآخر، قبل أن يكون محاوراً له. فلا النظام يقبل بالمعارضة شريكةً له في quot;سوريا ما بعد جنيف2quot;، ولا هذه الأخيرة تقبل بالنظام كشريك لها ولا حتى كمشاركٍ معها في سوريا القادمة.

النظام يرفض أي حوار مع المعارضة في quot;جنيف2quot; بشروط مسبقة، والمعارضة ترفض في المقابل الذهاب إلى أيّ مفاوضات، سواء في quot;جنيف2quot; أو بعدها، بدون شروط مسبقة، أولها تحييد النظام، وتنحي رئيسه بشار الأسد عن السلطة، لئلا يكون له أي دور أو مكان في العملية الانتقالية، وهو ما يرفضه النظام وحلفاؤه وعلى رأسهم إيران، جملةً وتفصيلاً، خصوصاً بعد quot;صفقة الكيماويquot; التي عززت موقع النظام ووفرت له كquot;مفاوض قويquot; مقومات الصمود و ربما البقاء أيضاً إلى حين تفكيك ترسانته الكيماوية بحلول منتصف العام 2014.

المزاج الأممي العام، خصوصاً بعد الإتفاق الروسي الأميركي، بات يتجه نحو quot;الحل السياسي السلميquot; للأزمة السورية. لا حديث بعد اتفاق الكبار ولقاء مصالح واشنطن مع موسكو عن أيّ دعم عسكري للمعارضة، أو أي quot;خيار عسكريquot; قريب يستهدف النظام، الأمر الذي شكّل خيبة أمل كبيرة لدى أهل المعارضة السورية بشقيها السياسي والعسكري، وعلى رأسها quot;الإئتلاف السوريquot; وquot;الجيش الحرّquot;. quot;أصدقاءquot; المعارضة وعلى رأسهم السعودية وقطر وتركيا عبروا بكلّ صراحة عن استيائهم من quot;التماطلquot; الأميركي تجاه القضية السورية، وعن عدم ارتياحهم من التقارب الأميركي الإيراني والإنفراجات الأخيرة بين الجانبين بشأن النووي الإيراني، ما أدى إلى بلوغ الخلافات الأميركية السعودية إلى ذروة غير مسبوقة لم تشهد لها مثيلاً منذ سبعينيات القرن الماضي.

أصدقاء المعارضة السورية وفي مقدمتهم دول quot;المحور السنيquot; (السعودية + قطر + تركيا) لا يزالون مقتنعون بأن الأسد ومعه إيران هم أصل المشكلة، أساّ وأساساً، ولا يمكن لأهل المشكلة أن يكونوا جزءاً من أيّ quot;حل سياسيquot; قادم في سوريا القادمة، فيما أميركا وروسيا ومعهما المبعوث الأممي الأخضر الإبراهيمي يصرّون علناً، كما تبيّن من زيارة الإبراهيمي إلى طهران، على ضرورة مشاركة إيران في quot;جنيف2quot; بإعتبارها جزءً أساسياً من الحلّ.

موسكو كما يبدو من تصريحات مسؤوليها الكبار ستضمن مشاركة النظام وإيران في quot;جنيف2quot; بدون شروط، بحسب اتفاقها مع واشنطن، وكذلك معارضة الداخل quot;المعتدلةquot;، والتي توصف في أوساط معارضة الخارج بquot;معارضة النظامquot; أو المحسوبة عليه، وعلى رأسها quot;هيئة التنسيقquot; وتوابعها. أما المعارضة السورية بشقيها السياسي (الإئتلاف) والمسلح (الجيش الحرّ)، فلا أحد يضمن مشاركتها، حتى الآن، في quot;جنيف بلا شروطquot;. لا بل أن أجزاء أساسية من هذه المعارضة سواء تلك العسكرية الداخلة تحت قيادة أركان quot;الجيش الحرّquot;، أو السياسية منها الممثلة بquot;المجلس الوطني السوريquot;، الذي يشكّل جزءً أساسياً ومهماً من quot;الإئتلافquot;، عبرّت في أكثر من مناسبة وبيان، بأنها لن تشارك في quot;جنيف2quot; بدون شروط وضمانات دولية. هذا الموقف quot;الصارمquot; جاء على لسان رئيس quot;المجلس الوطني السوريquot; جورج صبرا قبل أكثر من أسبوعين، وهدد بالإنسحاب الكامل من الإئتلاف إذا قرر هذا الأخير الذهاب إلى جنيف.

في آخر اجتماعٍ له مع الأخضر الإبراهيمي أكدّ رئيس quot;الإئتلافquot; أحمد الجربا أن حضورهم في quot;جنيف quot;2 ممكن لكنه مشروط برحيل الأسد. ما يعني أنّ لا جديد على موقف quot;الإئتلافquot; ولا ذهاب إلى جنيف بدون quot;رحيل الأسدquot;. أقصى ما يمكن أن يذهب إليه quot;الإئتلافquot; في اجتماعه المرتقب لحسم موقفه من quot;جنيف 2quot; في التاسع من نوفمبر الجاري، هو المشاركة في جنيف

مقابل quot;ضمانات أمميةquot; لquot;تأسيس هيئة حكم انتقالية لن يكون لبشار الأسد وأعوانه المقربين الذين تلطخت أيديهم بدماء السوريين أي دور مستقبلي فيها، ومحاسبة المسؤولين عن الجرائم التي ارتكبوهاquot;، كما جاء في أحدى بنود quot;بيان لندن 11quot;.

ما بات شبه مؤكداً هو أن quot;رحيل الأسدquot; لم يّدرج حتى الآن، كشرط من شروط quot;جنيف2quot;، لا بل الكلّ يؤكد أنّ على كلّ الأطراف أن تشارك في جنيف بدون شروط، وهو ما أكد عليه الأميركان والروس أكثر من مرّة. في اجتماعٍ للمعارضة السورية مع السفير الأمريكي السابق في دمشق، مسئول الملف السوري، روبرت فورد، قال الأخير ردًا على سؤال حول ما إذا كانت واشنطن تضمن للمعارضة أن يرحل الأسد عن السلطة، قبل أو بعد المفاوضات: quot;نحن لا نضمن شيئًا وليس لدينا أي نتيجة مضمونة فى المفاوضاتquot;، علماً أنه لم يتم ذكر أي شيء عن مستقبل أو مصير الأسد فى وثيقة quot;جنيف2quot;.

ما يهم الأميركان، الآن، في quot;جنيف 2quot; وما بعدها، أنّ رياح الأزمة السورية، بعد ضمان quot;الكيماوي السوريquot;، تجري بما تشتهي سفنها وسفن حلفائها في المنطقة وعلى رأسها إسرائيل. هذا ما أكدّ عليه المسؤولون الأميركان، وعلى رأسهم السفير فورد، في أكثر من مرّة. من وجهة نظر أميركا وأمنها القومي، لا خوف حقيقي الآن من الأسد، بل الخوف هو من الجماعات الإسلامية المتشددة التي باتت تشكل تقريباً نصف عديد المعارضة السورية. خوف أميركا وحلفائها الحقيقي، هو أن يقع quot;الكيماوي السوريquot; في quot;الأيدي الخطأquot;.

quot;جنيف2quot; لن يناقش على الأرجح مصير الأسد، وأميركا ستكون من أشد المتمسكين ببقائه، إلى حين تفكيك الكيماوي على أقل تقدير. فمصير الأسد هو من مصير quot;الكيماويquot;.

إزاء بقاء الأسد في السلطة وانعقاد quot;جنيف 2quot; بدون ضمانات وشروط مسبقة، لن يبقى أمام المعارضة السورية سوى خيارين، أحلاهما مرٌّ:

إما أن تشارك في quot;جنيف2quot; لتخسر السلام، بحسب quot;ثوابتهاquot;، وتخسر معه quot;الثورةquot; وأهلها الذين يرفضون كلّ السلام مع كلّ النظام، ولا يتوانون في وصف كلّ من يفاوض الأسد بquot;الخائن العظيمquot;. أو تقاطعه وتسلّم أمرها لquot;امراءquot; الحرب، ليخسر الجميع الحربَ، أو يخسر الجميع الجميع.

بين quot;لاءاتquot; النظام quot;ولاءاتquot; المعارضة تجري جهودٌ دولية حثيثة لعقد quot;جنيف2quot; في 23 من نوفمبر الجاري.

الطريق إلى quot;جنيف2quot; ربما يكون واحداً، لكنّ الطريق منها إلى دمشق، حتماً، سيتعدد.

ربما كلّ الطرق، الآن، تؤدي إلى quot;جنيف 2quot;، كما يريد له المزاج الدولي أن يكون. لكن السؤال الأهم هو: هل هو الطريق الممكن إلى الحلّ؟

quot;جنيف 2quot; قد يُعقد لوضع بعض النقاط على بعض حروف الأزمة السورية، مثلما عُقد quot;جنيف 1quot;، لكنّ الطريق إلى دمشق لن يعبر على الأرجح من جنيف، هذه المرّة أيضاً.

ربما ينجح النظام والمعارضة في دخول quot;جنيف 2quot;، برعاية دولية، لبحث المشكلة السورية، كمشكلة واحدة تشمل جميع السوريين، لكنّ من الصعب جداً عليهم، كما تقول المشكلة على الأرض السورية، أن يخرجوا منه بحلّ واحد يجتمع تحت سقفه الجميع.

فهل الطريق إلى quot;جنيف2quot; هو الطريق إلى اللاحلّ؟

هوشنك بروكا

[email protected]