لم يرق الاتفاق الذي تواصلت إليه الهيئة الدولية للطاقة الذرية ومجموعة الخمس+ واحد بطبيعة الحال، للكيان الإسرائيلي، ولم تعتبره ملبياً لتوقعاتها ومطالبها بتقليم أظافر عدوتها إيران، والقضاء على مشروعها النووي بصرف النظر عن الاختلاف على تقييمه (سلمياً او عسكرياً).
فالأمن الذي لطالما كان هاجس الدولة العبرية ظل يدفع حكوماتها المتعاقبة لمواجهة أي طموحات علمية أو عسكرية لاي دولة من دول المنطقة، بصرف النظر عن حجم عدائها لها، او مشروعها ضدها. تصريحات رئيس الحكومة الإسرائيلية في وسائل الإعلام حول عدم رضا quot;إسرائيلquot; عن الاتفاق الجديد الذي نجحت طهران في انتزاعه من المجتمع الدولي، وتلويحها بالتحرك وحدها إذا ما تم تمريره، وصف من قبل أوساط سياسية دولية بانه مجرد تنفيس للاحتقان وللحفاظ على ماء وجه الحكومة الإسرائيلية في مواجهة خصومها وأنصارها على حد سواء، لكن حالة الضخ الإعلامي الذي شرعت به quot;إسرائيلquot; منذ الإعلان عن قرب التوافق على اتفاق جديد مع إيران، يوحي بأن الامور ليست كما يتصور او يتم تصويره.
الإذاعة الإسرائيلية نشرت منذ أيام نتائج استطلاع أجرته مؤخراً يظهر بأن 55% من الإسرائيليين يقولون بأن quot;إسرائيلquot; ليس بمقدورها الاعتماد على الولايات المتحدة وإنهم لا يعولون عليها كحليف قوي يدعم توجيه ضربة عسكرية ضد إيران، في تناغم وانسجام مع تصريحات الحكومة التي باتت تلوح بالتحرك الفردي في مواجهة ما تسميه طموحات إيران النووية. وأظهر الاستطلاع الذي أجراه معهد quot;رافي سميت أن معظم الإسرائيليين لا يعولون على الولايات المتحدة أيضاً في المفاوضات الجارية مع إيران.
مطالب الحكومة الإسرائيلية التي عبر عنها نتنياهو مراراً لم ترق للولايات المتحدة، ما دعا بأحد المسؤولين الامريكيين للتذمر علناً منها، فقد ذكرت صحيفة معاريف أن المعركة الإعلامية بين الإدارة الأمريكية والحكومة الإسرائيلية حول الملف النووي الإيراني والتوقيع على اتفاقية بين الدول العظمى وإيران تتواصل بكامل قوتها بمشاركة وزراء إسرائيليين ومسؤولين أمريكيين ذات صلة بالموضوع. مسؤول أمريكي كبير مطلع على المحادثات مع إيران وله تأثير على رئيس الولايات المتحدة منح صحيفة معاريف بعض التوضيحات على عدد من المخاوف التي تخشاها quot;إسرائيلquot; من الصفقة، قائلاً quot;إننا نتعهد بألا تكون هناك صفقة مع إيران دون أن توقف التقدم في مفاعل باراك لانتاج البلونيومquot;. وأكد على أن الولايات المتحدة لن تعترف بحق إيران في تخصيب اليورانيوم، لكن ليس في هذه المرحلة من المفاوضات، رافضاً الإدعاء الإسرائيلي حول تخفيف العقوبات على إيران، قائلاً quot;إن هذا التخفيف له أهمية مادية قليلة جداً.
وأوضح أن ادعاءات بعض أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي التي تلقوها من الجانب الإسرائيلي في القدس مخالفة تماماً لما في تخطيط الإدارة الأمريكية، فإن هدف الاتفاق الجزئي الذي تم مناقشته الآن هو التحديد قدر الإمكان للوقت المطلوب لإيران للوصول لقنبلة نووية أثناء المفاوضات. وأبدى تفهمه لمخاوف وشكوك رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، إلا أنه أكد على أن معارضة نتنياهو تظهر عدم فهم أو نقص معلومات للفوائد الواضحة للاتفاق الجزئي الذي تم انجازه.
الشارع الإسرائيلي بالمقابل بات ينساق ويتفق مع حكومته وراء موقفها من الملف النووي الإيراني، فنشرت صحيفة quot;إسرائيل اليومquot; نتائج استطلاع للرأي تشير إلى أن حوالي ثلثي الجمهور الإسرائيلي ممن شاركوا في الاستطلاع يعتقدون بأن quot;إٍسرائيلquot; يجب عليها أن تعارض الاتفاق المتوقع توقيعه بين الدول العظمى وإيران حول ملفها النووي. ووفقاً لنتائج الاستطلاع فإن 68.8% من الإسرائيليين يعربون عن ثقتهم بقدرة الجيش الإسرائيلي في مهاجمة إيران عسكرياً بمفرده، في حين يرى نحو 12.2% فقط منهم أنه يجب على quot;إسرائيلquot; أن تقوم بتأييد المجتمع الدولي بخطوته تجاه الملف الإيراني.
وحول تصرفات رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو في حواره مع الولايات المتحدة بشأن الملف الإيراني، يؤيد أكثر من 52% تلك التصرفات، مشيرة إلى أن تأييد سياسة نتنياهو قد تجاوزت الأوساط والأجيال في حين برز بشكل واضح بين فئة المتدينيين التي وصلت نسبة تأييدهم لسياسة نتنياهو تجاه إيران إلى 84.4%. وأظهر الاستطلاع أن 52.4% من الجمهور الإسرائيلي يؤيدون إمكانية مهاجمة إيران عسكرياً من قبل quot;إسرائيلquot; وحدها دون تدخل أمريكي، كما أن 68.8% يرون أن باستطاعة الجيش الإسرائيلي مهاجمة إيران وحده وبنجاح باهر.
وعلى الرغم من قرار الجيش إلغاء التزود الكمامات الواقية، فهناك 58.7% من الإسرائيليين يؤيدون الاستمرار في توزيع الكمامات الواقية.
كل المعطيات والمؤشرات داخل المجتمع الإسرائيلي وبتحريض من وسائل إعلامه وكذلك نخبه السياسية، تقتات الآن على التحريض على الاعتراض على اي اتفاق بين إيران والمجتمع الدولي بصرف النظر عن قيمته وإمكانية تنفيذه من عدمه، والشارع الإسرائيلي السياسي بمختلف أطيافه موحد خلف خيار خوض المواجهة مع إيران منفردة ودون الاستعانة باي حليف أو شريك دولي، على أمل أن يلتحق بها حلفاؤها تالياً حال تطور الأمور واتساع رقعة المواجهة وهو الأمر الذي بات في حسبان الجميع وعليهم أن يتوقعوه في ظل حال الانسداد السياسي في ملف المفاوضات مع السلطة الفلسطينية واستقالة الفريق المفاوض معها، ما يعني مواجهة غضب الولايات المتحدة بسبب إفشال مساعيها لإيجاد حل تفاوضي تكبد وزير الخارجية الأمريكي جون كيري عناءه خلال الفترة السابقة، كما ان الوضع الميداني والسياسي في سوريا مع الاقتراب من عقد مفاوضات جنيف اثنين وما قد ينتج عنه من احتمالات سياسية ومستقبلية كلها معطيات تجعل هذه المرة من خيار مواجهة إيران منفردة، او على الأقل استدراجها لخوض مواجهة من نوع ما، أمراً قريب الحدوث ومتوقعاً بالنسبة للحكومة الإسرائيلية لوقف حجم التدهور السياسي الذي تواجهه الدولة العبرية، وإيقاف مسلسل العزلة الدولية المتوقعة بعد حدوث أي انفراج في بقية الملفات الأخرى (السورية والفلسطينية).

هشام منوّر.... كاتب وباحث