عندما خاطب يوليوس قيصر العراف الذي حذره من يوم 15 آذار، متسائلا: نحن في الخامس عشر من آذار! فأجابه العراف: لکنه لم يمض بعد! وکما کان واضحا من سياق هذا الحدث التأريخي الذي رواه بلوتارك و جسده شکسبير في رائعته(يوليوس قيصر)، فإن يوليوس قيصر يلاقي نهايته المأساوية في مجلس الشيوخ.

قد يکون يوم الاحد 24 نوفمبر 2013، الذي زف للنظام الايراني نبأ التوقيع على إتفاقه مع مجموعة 5+1، يوما مفرحا بالنسبة له و على الاغلب وکما يبدو يوما مشؤوما بالنسبة لأغلب دول المنطقة، خصوصا وان هناك تحليلات و رؤى سياسية ترى في الاتفاق بأنه يمهد لما يشبه إتفاق على تقاسم النفوذ و الادوار بين هذا النظام و الغرب على حساب المنطقة، لکن، وعلى الرغم من أن ظاهر الاتفاقية يوحي لمن لايفهم مختلف جوانبها و أبعادها، انها کذلك، غير ان التدقيق في الخط العام للإتفاق و لتجارب من التأريخ المعاصر، تؤکد بأن الاهداف بعيدة المدى و الاستراتيجية لهذه الاتفاقية هي غير ذلك تماما.

أفضل و أصدق وصف بخصوص الاتفاقية قد ورد من جانب الرئيس الامريکي اوباما عندما قال:( الاتفاق النووي خطوة أولى مهمة في اتجاه التوصل لحل شامل للبرنامج الإيراني.)، ذلك أن هذا الاتفاق انما مجرد خطوة عملية اولى لکي يدخل النظام الايراني بإرادته التامة نفس النفق الذي دخله من قبله نظامي حکم کل من صدام حسين و معمر القذافي، وهو نفق طويل جدا لکن الخروج منه ليس کالدخول إليه، فثمة فرق بين الامرين، ذلك أن الدخول وان کان بإرادة النظام نفسه فإن الخروج منه سيکون خارج إرادته.

النظام الايراني هو غير نظامي صدام و القذافي، هذا الکلام کان صحيحا الى اليوم الذي وقع فيه محمد جواد ظريف على الاتفاقية، لکن منذ يوم الاحد 24 نوفمبر، لم يعد هنالك من إختلاف بين هذا النظام و ذينکما النظامين، فقد دخل اللعبة التي طالما حاول تجاهلها، وان روحاني الذي نجح في تحقيق هدف في مرمى الغرب في عام 2004، سيأتي اليوم الذي يعلم فيه هو و النظام برمته کيف انه مهد للهدف القاتل الذي سيتم إحرازه في مرمى النظام وبعد ينتهي اللعب کله عندما أعطى الضوء الاخضر لوزير خارجيته کي يوقع على هذه الاتفاقية.

السؤال الذي يطرح نفسه هو: لماذا دخل النظام النفق المظلم هذا وهو يعلم سلفا بنوايا خصومه؟ انه الاضطرار و اللاخيار الذي جعل کل الطرق تنغلق بوجهه و لم يعد بوسعه الاستمرار أکثر من ذلك، فحاجته لمتنفس حقيقي کحاجة الغريق للهواء، وهو عندما قام بالرضوخ للواقع و قدم لأول مرة تنازلات حقيقية على أرض الواقع فإن الذي دفعه لذلك دفعا انما أوضاعه المزرية و الوخيمة، وان ماقد بدأ يعد له من سيناريوهات بشأن إنتهاء الاحقاد و الکراهية بين الشعب الايراني و الغرب انما هو تبرير غير کاف و غير مقنع لمأساة و معاناة وضع فيها هذا الشعب طوال ثلاثة عقود و يريد الان إنهائها بجملة، فما هو الفرق بين هذه الجملة و بين ماقاله صدام من أن القانون (جرة قلم)؟! اننا نعتقد أن کلاهما يخرجان من نبع واحد دونما أي فرق.

هذه الاتفاقية لو يدقق المرء فيها بإمعان فإنه يصل الى عدة نتائج و محصلات فريدة من نوعها، ذلك أن کذبة المعاداة لأمريکا و الکذبة الاکبر بالموت و الفناء لإسرائيل و اللتين خدع بهما هذا النظام العالمين العربي و الاسلامي وقبل ذلك الشعب الايراني طوال 34 عاما، انما إجتثها من الجذور ظريف النظام بتوقيعه على إتفاقية(الانبطاح) ليلة السبت على الاحد الماضي، وقطعا فإن هذا الاجتثاث هو غير قانون إجتثاث البعث الضبابي في العراق، إذ هو إجتثاث حقيقي و واقعي لأنه يسمح بنفاذ الاوکسجين الضروري لرئة النظام المتقلصة على بعضها، وهذه الاتفاقية تطرح مرة أخرى مسألة الکذبة الکبرى لمصداقية النظام نفسه و حقيقة طابعه الديني و الذي ظهر زيفه من خلال هذا الاتفاق، إذ أن مؤسس النظام الديني خميني بنفسه قد قال: ستقطع اليد التي ستمد لمصافحة أمريکا من إيران، فهل هناك من يقطع يد ظريف في إيران کلها؟ بالطبع کلا واننا نتسائل أين ذهبتم بهيبة و قدسية و مکانة عراب نظامکم و مؤسسه؟

انها الخطوة الاولى التي لابد أن تليها الکثير و الکثير من الخطوات اللاحقة و التي ليس بإمکان النظام التملص منها کسابق تعهداته(غير المشروطة)، فالقضية قد تغيرت الان تماما، وان توقيع ظريف أشبه مايکون بتوقيع سلطان هاشم في خيمة صفوان عام 1991، والتي قادت الى سقوط النظام برمته في 9 نيسان 2003، وان التأريخ لايرحم و يعيد نفسه دائما وان کانت الصيغ و الاشکال مختلفة لکن المضمون دائما هو ذاته، وان إضطرار النظام للذهاب الى جنيف مذعنا راضخا بعد رسائل الود و الغرام التي بعث بها روحاني لأوباما و کل تلك الابتسامات العريضة التي کان يوزعها بسخاء في نيويورك، انما جاءت بسبب من العقوبات الدولية و کذلك من المعارضة الواسعة للشعب الايراني لسياسات النظام و المفترق الخطير الذي أوصله إليه کما قالت السيدة مريم رجوي رئيسة الجمهورية المنتخبة من جانب المقاومة الايرانية في بيان لها بهذا الخصوص، رغم أن السيدة رجوي قد أکدت أيضا بأنه کان في الامکان الإجهاز على مشروع النظام خلال مفاوضات جنيف لو أن المفاوضين قد تصرفوا بصرامة و بعيدا عن التحفظات الاقتصادية و السياسية مع النظام، وفي کل الاحوال فإننا نرى بأن نظام ولاية الفقيه قد صار على نفس السکة التي سار عليها من قبل قطاري نظام صدام حسين و معمر القذافي، ونعود لنقول أن يوم 24 نوفمبر 2013، سيکون يوما طويلا و ثقيلا ولن ينتهي إلا کتلك النهايات التي حدثت في العراق و ليبيا!