للآن، لا يمكن تصور كيف حدث ما حدث في الموصل وما تبع ذلك& وللآن لا يمكن أبدا الاقتناع بأن قادة عسكريين ميدانيين هربوا من تلقاء أنفسهم وتركوا الجنود لينزعوا الملابس ويسلموا السلاح لغزاة داعش. إن حجم المأساة كبير جدا، وإن الدم العراقي صار أكثر رخصا ومسيلا،. والوحشية التي اعدم فيها وحوش داعش& 1700 من طلبة كلية الطيران جريمة تقشعر لها الأبدان والنفوس، ولا يمكن أن يرتاح ضمير مخلص إلا إذا تم القضاء التام على تلك الوحوش الآدمية الدموية التي غزت العراق بعد انسحاب الجيش في كل من الأنبار والموصل.
إن الخبر الأخير اليوم هو عن مباحثات إيرانية- أميركية حول الوضع الخطير في العراق، وكأن ليس لإيران دور استثنائي في كل ما حرى ويجري في العراق، وفي المنطقة برمتها.
لقد اعترف وزير الخارجية الأميركي أخيرا بقرار إجراء مفاوضات مع إيران حول العراق، وذلك بعد أن صدرت قبل ذلك عدة تكذيبات أميركية رسمية عن خبر وجود أية نية لذلك. وأمام كشف الصحافة الأميركية للحقيقة، نجد كيري يضطر للإقرار& بها.
أميركا أوباما تعرف جيدا أن إيران هي من تحكم العراق، وأن الحكومات العراقية لا تتشكل بلا& تدخل إيراني مباشر، وأن التدخل الإيراني شامل، وفي كل مجال من حياة العراق، وفي كل فروعها. كما أن إدارة أوباما متفقة مع هذا الواقع، لهذا السبب أو ذاك.
.أوباما لم ينبس ببنت شفة عن الحرب الإيرانية في سوريا، من خلال قوات الحرس الثوري وحزب الله اللبناني والمليشيات الخاضعة للمالكي وذات الولاء الإيراني؛ ومع أنه راح يتحدث عن أن لا مكان للأسد مستقبلا، فلا أي نقد منه للحرب الإيرانية هناك. إننا نعرف أن هرولته لعقد الاتفاق النووي مع إيران تبرر لديه اتخاذ أي موقف يرضي إيران. ومع ذلك، فلننتظر لنعرف غرض التباحث الأميركي – الإيراني حول العراق. فهل هو لمنع إيران من غزو عسكري كاسح للعراق سيؤدي لتفاقم كل الاوضاع في المنطقة؟ هل هو لكي تضغط إيران على المالكي لتغيير سياساته كليا، أو حتى للتخلي عنه لصالح بديل مناسب، وذلك وفقا لما ورد في خطاب اوباما عن وجوب إجراء مصالحات عامة، وان المشكلة العراقية هي عراقية أولا؟ أم يا ترى سيكون طلبا للتدخل العسكري الإيراني بدلا من تدخل عسكري أميركي؟
لو كان الاحتمال الأخير هو الصحيح، فإنه سيكون مسؤولا عن حرق العراق والمنطقة برمتها، وعن تحويل إيران إلى جندرمة المنطقة والوصية عليها. فقد تركت الإدارة الأميركية العراق بسرعة ودون أن تستمع للقادة العسكريين الأميركيين، الذين رأوا ضرورة بقاء قوات في العراق. رفض اوباما الطلب، كما رفضه المالكي& رغم العلم بان إيران هي من ستملأ الفراغ.
ونقول أيضا إن هناك دولا أخرى في المنطقة معنية بأحداث العراق مباشرة؛ فلماذا الاقتصار على إيران؟ هذا هو ما يبرر الهواجس والشكوك..
ما يجري اليوم في العراق هو من نتائج سياسات المالكي الطائفية والمستبدة، وأيضا من عواقب عدم المبالاة الدولية بالمأساة السورية وترك البراميل والكيميائي والقوات التابعة لإيران تبيد مئات الآلاف وتهجر الملايين.
إيران ليست معنية بمصالح شيعة العراق كما تدعي ويدعون، وإنما هي معنية بمصالح توسعها وتمددها على نطاق المنطقة. وإن التدخل الإيراني الواسع في العراق، وتعاون إيران، هي وسوريا الأسد، مع القاعدة لتخريب أي تقدم عراقي نحو الديمقراطية، ولمشاغلة القوات الأميركية، ساهما مباشرة في إيصال الوضع لحافة الانهيار التام، وفي عودة النشاط الإرهابي بوحشية متزايدة وقوة أكبر بعد أن هزمته الصحوات والقوات الأميركية. إنهما ساهما في قيام داعش في سوريا والعراق..ولو أراد أوباما المساهمة حقا في إنقاذ العراق من الزوال أو التحول لكانتونات متحاربة ومن وحوش القاعدة ومن يتعاون معها، لضغط، [استنادا إلى مسؤولية الولايات المتحدة حسب الاتفاقية الأمنية] لتخلي المالكي عن الحكم، ولاتفق مع الوطنيين العراقيين الداعين لحكومة إنقاذ وطني ولوقف التدخل الإقليمي، ولاسيما التدخل الإيراني. ولكن حسابات اوباما في مكان آخر، وهي جزء من الهرولة السريعة للاتفاق النووي النهائي مع إيران في هذا الشهر..
الوضع العراقي رهيب، وكل القوى الخيرة في العراق والمنطقة يجب أن تعمل معا لسحق داعش وكل الإرهابيين، أيا كانوا، سحقا، ولمكافحة الطائفية، وللدعوة للمصالحة الوطنية العامة في العراق. وعلى كل دول المنطقة وقف أي تدخل من نوع آخر في العراق يكون سلبيا، بل تجب المساهمة الإيجابية لإنقاذ العراق. وهذا هو لمصلحة الجميع...
&