لن تتغير نظرتي عن شيوخ وعلماء الفتنة والضلال الذين حولوا مدن وشوارع سوريا والعراق الى ساحات قتال ومرتع للمرتزقة وركام للدولتين في فترة تاريخية قصيرة. والآن لنتحاور ونسأل كيف يسمح أنسان غيور على وطنه وعرضه وأهله القبول بفكرة تأسيس مجالس عسكرية لتجنيد العاطلين والمعدمين من أبناء المحافظات للخدمة والجهاد؟&

الكذبة الكبرى التي أنطلت على أهل العراق وسوريا هي وجود معارضة وطنية شريفة، وأسندت مؤسسات الأعلام والفضائيات نشر هذه الكذبة بأموال ضختها والتعريف بتلميع شخصيات (مرفوضة شعبياً في بلدانهم) وأملؤا جيوبهم وحساباتهم المصرفية بالمال.&

والذي في أستطاعته تجنيد "غباء أدعياء الدين" في أستطاعته أيضاً توظيف غبائهم مرات ومرات. هذا ماحصل. وهذا ما كانت وظلت تفعله القيادات الحزبية للبعث بتوظيفها رجل دين، شيخ عشيرة، أِمام مسجد، خطيب حسينية، وزير في حكومة، نائب في برلمان، وعملت على تثقيفهم بكراسات جهادية وتعليمات للترهيب والتخويف والأعلان على الملأ أن هذه المجالس تم تشكيلها لخدمة أبناء الشعب وغرضها مكافحة الكفر والألحاد الشيعي. الخطب الثورية للحريصين على مبادئ الأسلام تجاوزت حدود العقل. وحزب البعث السادي الفاشي المتأمر وذيوله بلباسهم الديني الجديد يلم في مجالسه العسكرية الثورية الرعاع وتنظيمهم في دولة العراق والشام الإسلامية من الرقة في سوريا الى القرى المحيطة ببلد شمال بغداد. وطرق تنظيم البعث للمجموعات الجهادية ودفعهم الى المقدمة تتم وفق منهجية أستغلال بشري للعاطلين عن العمل وضباط الحرس القديم وأحتوائهم في تنظيمات شبه عسكرية ترفع السلاح ضد الدولة لحين النجاح في الوصول الى السلطة ويتم بعدها لفظهم وطردهم بقرارات حزبية صارمة كما فعلت عصابة البعث برفاقهم ومناصريهم بعد 17 تموز عام 1968 عند الأطاحة برئيس الجمهورية السابق عبد الرحمن عارف بتأمر الفريق الركن ابراهيم الداوود قائد الحرس الجمهوري وتواطئه مع عصابة البعث والذي أدخلهم مشياً على الأقدام الى القصر الجمهوري والأذاعة وأعلانهم الثورة،ثم دفعوه وآخرين الى المنفى بعد 17 يوماً من الأنقلاب، وتم ابلاغه بقرار مجلس قيادة الثورة خلال وجوده في عمان، كما تم تجريده من كل مناصبه مع رئيس شعبة المخابرات عبد الرزاق النايف الذي تمتع بأيام معدودة بحقيبة رئيس الوزارء وطرده الحزب الى لندن ليقوم الحزب الأنقلابي بتصفيته جسدياً وتنظيف الحزب من مجموعات عسكرية ودينية وعلمانية وأعدامهم علناً.&

هذه المجموعات الهمجية في هذا الحزب الفاشي يعرّفون عن أنفسهم بما يحملون في ايديهم من أسلحة القتل وأرسالهم تهديدات لقادة الفرق وأمراء ألوية القوات العراقية والسورية وتهديد عوائلهم بالاغتيال بتأييد من بعض رجال الدين الطامعين في المال والجاه. في أبحاثي السياسية المنشورة عن العراق وسوريا والأرهاب فيهما وتجربة البلدين في ملاحقة الفلول العسكرية والمدنية التي هربت عام 2003 من المحافظات الغربية العراقية الى شمال سوريا،أوردت أنتقادي الشديد لفساد رجال وعدم كفائتهم في أدارة مؤسسات الحكومة السورية والحكومة العراقية بوزرائها ونوابها وبعض كتلها التي سال لعابها للمال والسرقة، ولم يباشروا في مراقبة فصائل الأرهاب المختلفة ولم تؤدي ملاحقاتهم لقادة هذه الفصائل الى نتائج مثمرة بالقاء القبض على قيادات حزبية وهي تجوب الصحراء الغربية للعراق وأحتواء تأثير سمومها وتواصلها مع العشائر وأبنائها.

ونجاح مكر البعث وتمكنه هي أخطاء مدمرة في دول لاتؤمن بالديمقراطية الحقيقية وعشائر تؤمن بعقيدة العائلة وتوظيف اليانعين من شبابها لحمل السلاح.وهي البراعة والوعي بين قيادات البعث لضم هؤلاء الشباب العاطلين عن العمل ( في مناطقهم ومدنهم وقراهم ) وتوجيههم فكرياً وأستخدامهم كورقة رابحة وأشاعة كذبة تهميش الدولة المذهبي لهم ولمطالبيهم، فالديمقراطية والتمثيل النيابي والأنتخابات صوروها لهم بأنها تُمثل مؤامرة تطعن بالروح الوطنية العشائرية وقيمها وتقاليدها، الأمر الذي يجب مقارعة مبدأ الديمقراطية بقوة السلاح. هذه الفطنة البسيطة هي نفسها مايحمل الشباب العاطل عن العمل في نيجيريا والصومال وأفغانستان وباكستان لحمل السلاح والقتال لمن يدفع المال، تسندهم في ذلك الواجهة الدينية الأسلامية ( لاأله أِلا الله ) براياتها السود التي يروج لها أدعياء كالمدعو حارث الضاري والقرضاوي والعرعور وعبد الملك السعدي الذي وقف منادياً بالجهاد في ساحات الأعتصام لتعضيد فكرة القتال وتأزيم الموقف بالدعوة الخطابية والبيان الذي أصدره لنصرة المجاهدين، لا وليس لتعضيد مبادي الأسلام ونبذ فكرة القتل والأرهاب والدعوة الى أخوة المسلمين ووحدتهم. وكثرة المتأمرين على العراق ثابتة وواضحة وخاصة رافعو الواجهات والشعارات من المرتزقة ومن يشتري عقولهم الخاوية ومن يزودهم بالسلاح والمال وتوظيفهم في أي حقل أرهابي وبأي أرض بأسم الوطنية والدفاع عن الوطن وقتال دول الكفر وقادتهم من الأشخاص الذين أنعتهم ب&(تغيير الولاء أو تغيير الحليف Switching loyalty and or switching allies ) ولا أكنُّ لهم أِي أحترام. نظريتي وأعتقادي الثابت كما قلته مراراً، أني أنحني بكامل الأحترام لعقائد الشعوب وتمسكها بقومياتها وأديانها وشرفها الوطني وبنائها الأنساني. كما اني أكّن الأحترام للأراء المخالفة لما أكتب، المعتدلة منها والمتطرفة، العشائرية منها والحزبية وأشير أليها بملاحظاتي الخاصة والعامة.

وفي هذا الصراع المرير، لاينبغي أن ننسى خدمات الصراع المذهبي الذي تقدمه بعض مؤسسات الأعلام العربية عن عمد وقصد الى أسرائيل بتحويل أنظار شعوبها عن الأرض المسلوبة في فلسطين. فالنظرية الأسرائيلية التي أتصورها في صراعها الوجودي على أرض فلسطين والتوسع فيها هي رؤيتها الأستراتيجية لأدخال العرب في نزاعات مسلحة طويلة الأمد ثمرتها ( لاغالب ولا مغلوب) وتغذيها وكالات المخابرات بألاعلام السياسي والمال وتطويق ميدان عمل الأرهاب العربي ليكون موجهاً بقسوة الى مجتمعاتهم المتخلفة الغافية.

&في الثمانيات نجحت هذه السياسة في الحرب العراقية الأيرانية وصراخ الطرفين العربي والأسلامي بأن نواياهما هو تحرير القدس من أيدي الصهاينة، ثم طرأ الصراع الدموي السوداني – السوداني والجزائري – الجزائري اليمني – اليمني – الليبي – الليبي – المصري المصري دون غالب أو مغلوب، وها نحن ندخل المرحلة الجديدة لحلقة الصراع الدموي الذي تقوده المجالس العسكرية الثورية للبعث العشائري ( داعش) صاغرين مطيعين لخطط القيادة الأسرائيلية وفروعها ووكالاتها في دول العرب، ليبقى الشارع العربي مبهوراً بالنجاح الذي تحرزه الوكالات الصهيونية على الأرض العربية والدول الغير موقعة على معاهدات الأستسلام بعد. فلا تسألوا أو تُحرجوا أي ملثم من داعش: ماهي مهنتك؟ تأمل وفكر بعمق إعلان المجلس العسكري العام لثوار العراق في بيانه المذاع على الشعب ( لا تقطع شجرة، ولا تقتل أمرأة أو شيخ أو طفل، وعامل الناس بالحسنى ) أخذين بأقوال الرسول التي يدرسها تلاميذ الصفوف الأبتدائية. شعارات مخزية لشيخ يعيش في ظلام ورجل دين يدعو الى تأييد شعبي وعسكري لداعش البعث. ما أخزى القيح الذي يخرج علانية بسيلان المال الحرام وتبريره.&

المتباكون على الأرث البعثي وحشدهم الطائفي الأجرامي وماخلفوه للدولة العراقية والسورية من دمار مدنها وهجرة شعوبها ساهموا بشكل وآخر في أكمال الدمار الشامل للبنية التحتية وتقسيم الخلطة الأجتماعية لشعبنا العربي. وحقاً ماقاه أبن خلدون " أن الفتن التي تتخفى وراء غطاء الدين تجارة مربحة في عصور التراجع الفكري للمجتمع".

&

باحث وكاتب سياسي&