لم يعد ينفع القول إن سلطة الاحتلال الأمريكي تتحمل مسؤولية ما يحدث اليوم في العراق، ليس بعملية الغزو وحدها، بل بتسليمها العراق لأحزاب وجماعات ومليشيات تعرف، هي قبل غيرها، أن ولاءها لإيران، وبسكوتها عن استهداف المحافظات السنية من قبل أجهزة أمن السلطة، وإباحة الاعتقال العشوائي الكيفي، والحكم، سلفا، على جميع سكانها بأنهم إرهابيون بالمطلق، دون أدلة ثابتة، وسماحها بإنشاء مليشيات شيعية متطرفة، بعضها إيراني المنشأ والتمويل والتسليح والتدريب، لتمارس القتل والاغتيال والاختطاف على الهوية، حتى وهي تعلم بأن رد الفعل الطبيعي الذي لابد أن يحدث هو أن ينتفض الشارع السني كله مدفوعا بشعور بالظلم والاستهداف لحسابات ومصالح إيرانية لا عراقية ولا إنسانية ولا ديمقراطية، بأي حال من الأحوال.&

وثماني سنوات كافية لإثبات أن القوى والتنظيمات والأحزاب والمليشيات التي سلمها بريمر دولة العراق قادت الوطن والمنطقة من أزمة إلى أزمة، ومن مأزق إلى مأزق. فلا هي تعلمت فعدلت وأحسنت العمل، ولا هي اعترفت بجهلها وفشلها فاعتذرت وانسحبت وتركت السياسة والحكم لأصحاب العلم والخبرة والكفاءة لتريح وتستريح.

وكان على السلطة، لو كانت عاقلة وعادلة، أن تسارع إلى التفاهم مع الشرائح الوطنية المعتدلة العاقلة من أهل السنة، فتنُنصف من َظلمَه المخبرُ السري، وُتنزل القصاص العادل بمن يَثبت عليه جرم، من أي حزب كان أو عشيرة أو طائفة أو دين. فواجب السلطة التي تحترم شعبها أن تحافظ على أمنه، وأن تضرب القتلة والفوضوين وقطاع الطرع بيد من حديد. ولكن ليس عدلا أن تتهم السلطة بالإرهاب متظاهرين سلميين وتجاهد من أجل اعتقالهم والتنكيل بأسرهم، وتهاجمهم وتقتلع خيمهم وتعتقل بعضا منهم، وتقتل بعضا آخر، بلا ذنب ولا دليل، وتحتضن، في الوقت نفسه، عصائب الحق ومنظمة بدر ولواء أبي فضل العباس ولواء عمار بن ياسر وقوات الشهيد محمد باقر الصدر وكتائب سيد الشهداء وكتائب موسى الكاظم.

وليس سرا أن عصابات داعش كانت موجودة في الفلوجة من ستة أشهر، وفي الرمادي أيضا. ومن ثلاثة أشهر أكد شهود عيان في تكريت أنها صارت هناك، تصول وتجول. فأين كان الجيش المليوني؟، ولماذا تركت حكومة المالكي شوارع المدن والقرى في المحافظات (المارقة) خالية ليملأها داعش وحزب البعث والعصابات المسلحة الأخرى؟.&

ثم ألم تكن سياسات السلطة المزاجية والانتقائية دافعا قويا للملايين من المدنيين في المحافظات (المستهدفة) ليغضوا أبصارهم عن داعش والقاعدة، بل ليحملوا السلاح أيضا؟، خصوصا وأن الحاكم لا يكف عن وصفهم بالفقاعات، واتهامهم بالإرهاب، وتهديدهم ببحار الدم. ومطالبة حنان الفتلاوي بقتل سبعة سنة مقابل كل سبعة شيعة ليس ببعيدة.&

والآن، وقد تم احتلال الموصل وتكريت وغيرهما، وقد تسقط مدن أخرى، ألا يحق لنا أن نسأل، لمن تجيش الجيوش الرديفة؟، ومن هم المتطوعون فيها؟، وهل سيحققون، وهم هواة وقليلو خبرة قتالية عسكرية، ما عجز عن تحقيقه جيش نظامي مجهز أحسن تجهير ومدرب أفضل تدريب؟ وماذا سوف تجره هذه الجيوش من ردود مقابلة؟ ثم هل هذا هو الحل المنتظر والمطلوب لحقن الدماء وتفادي الأعظم الآتي؟ وهل داعش وحده في الساحة، أم إن الحابل مختلط بالنابل هناك، وفيما بين داعش وحزب الدوري والمسلحين العشائريين ملايين بريئة من المدنيين؟. فمن ستحارب السلطة؟ ومن سيضرب الحرس الثوري وقاسم سليماني؟، وعلى من سوف ستسقط قنابل أمريكا؟ هل ستميز بين داعشي ومسلح عشائري ومدني؟.

ليس بالتجييش العاطفي وبتعميق الكراهية ومضاعفة الظلم والاستهداف يكون الحل، بل بحكومة وحدة وطنية فاعلة تعيد النظر في القوانين والقرارات السابقة التي كانت سبب الكارثة، وأولها القانون 4 إرهاب وقانون العدالة والمساءلة، وتصدر عفوا عاما عن جميع المعتقلين السياسيين، وتسرع في غربلة أوضاع المعتقلات والمعتقلين، فتطلق سراح البريء منهم وتعويضه، وتحيل من تثبت عليه تهمة إلى القضاء وبسرعة ودون تدخل من وزير أو رجل دين.&

بهذا وحده سيهب العراقيون، سنتهم قبل شيعتهم، ليقاتلوا الإرهابيين، مثلما فعلوا من قبل. فتداركوا الأمر بالحوار، ولا تعيدوا إنتاج الفيلم السوري في العراق. وإن فعلتم فلا أحد منا جميعا سوف ينام في فراشه قرير العين.&

&