&أنا أختلف مع اولئك الإخوة، الذين يتحدثون عن حرب دينية روسية في سوريا، إن الدول لا تتصرف وفق هذا المنطق، وبوتين ووزير خارجيته لافروف هما أكبر ملحدين في التاريخ البشري، ولا علاقة لهما بالدين لا من قريب ولا بعيد. ولكنني لا أنفي إن السياسين يستخدمون أي ورقة كانت لتحقيق مأربهم، وإستغلال الكنيسة الأرتودوكسية الروسية من قبل بوتين يندرج في هذا الإطار. وهو لا يختلف في ذلك بشيئ عن إستغلال القيادات الفارسية، التي توظف المذهب الشيعيي الإثنى عشري، لتحقيق مأربهم التوسعية حالهم حال بقية السياسيين حول العالم.

إذآ ما هي الأسباب الحقيقية التي دفعت ببوتين إلى التورط العسكري المباشر في النزاع السوري، بعد طول غياب؟

يمكن تلخيص تلك الأسباب في النقاط التالية:

أولآ، رفع أسعار النفط، لأن روسيا تضررت كثيرآ من إنخفاض أسعار البترول، كون إقتصادها يعتمد بشكل شبه كامل على تصدير البترول والغاز. ونحن نعلم إن أي حرب أو نشوب أي إضطراب في منطقة تعج بالنفط، كمنطقة الشرق الأوسط يدفع بالأسعار إلى الإرتفاع، نتيجة لخوف التجار من وقف تدفق هذا السائل الحيوي لإقتصاد العالم.

ثانيآ، إمتلاك ورقة للتفاوض عليها مع الغرب، من أجل فك الحصار المالي والإقتصادي والتكنالوجي عنها. الروبل الروسي مثلآ فقد نصف قيمته منذ أن فرض الغرب عقوبات مالية وإقتصادية على روسيا وبنوكها وشركاتها. وشاهدنا كيف إمتنعت فرنسا من بيع حاملات طائرات لروسيا، وسحبت الدول الغربية إستثماراتها من روسيا والتيي تعد بمئات المليارات.

&

ثالثآ، مقايضة رأس النظام السوري مع أوكرانيا. أي بمعنى إن الروس مستعدين للتخلي عن بشار الأسد ونظامه، مقابل تخلي الغرب عن دعم اوكرانيا، وإطلاق يدها فيها. وأوكرانيا كبلد أهم بألف مرة لروسيا من سوريا.

رابعآ، الإحتفاظ بمصالحها في سوريا، نظرآ لإستثمارها فيها كثيرآ خلال عقود طويلة من الزمن. ولا ننسى إن روسيا لم يعد لها أي حليف في المنطقة سوى النظام السوري القاتل.&

خامسآ، سعي روسيا إلى إستعادة شيئ من هيبتها على المسرح الدولي. ولكن إستعادة الهيبة والنفوذ لا يتم بهذه الطريقة الغبية، أي من خلال دعم نظام فاجر، قام بقتل ما يقارب نصف مليون إنسان من مواطنيه، وشرد ثلاثة أرباع شعبه، وهدم البلد على رؤوس ساكينه.

سادسآ، تخوف روسيا من تمدد التنظيمات الإرهابية إلى جنوب روسيا، خاصة تلك الجمهوريات التي يغلب عليها العنصر الإسلامي، كجمهورية انغوشيا مثلآ.&

سابعآ، رغبة روسيا أن يكون لها دور فعال، في رسم مستقبل سوريا ما بعد الأسد.

السؤال هنا، هل باستطاعة روسيا تحقيق تلك الأهداف؟ أنا أشك في ذلك ولكم أسبابي.

إن الغرب لن يتنازل لروسيا في اوكرانيا، مهما كان الوضع لأن اوكرانيا من الناحية الأمنية والعسكرية مهمة لحلف الناتو ولإستقرار أوروبا. ومن هنا يخطئ بوتين بأنه من خلال إنخراطه في سوريا، سيدفع الغرب للرضوخ لمطالبه، أي رفع العقوبات المالية والإقتصادية وإطلاق يده في اوكرانيا.

إن سوريا لا تحتل أي أهمية في قائمة المصالح الغربية، وخاصة الأمريكية منها، ولهذا&

تجاهل الغرب مأساة السوريين، وغضوا النظر عن جرائم الطاغية بشار الأسد. إن الغرب كل ما كان يريده، هو إضعاف الدولة السورية إلى أقصى حد، من خلال الإقتتال الداخلي، وثانيآ تجريد النظام من الأسلحة الكيماوية، وثالثآ حصر الصراع داخل البلد وهذا ما حدث بالضبط.

وإشكالية الإرهاب والإرهابيين، لا تزعج الأمريكان كثيرآ، لأنهم قادريين على إحتواء التنظيمات الإرهابية ولجمها، وحصرها جغرافيآ إلى حدٍ كبير. والغربيين في الواقع لا يريدون القضاء على داعش وجبهة النصرة، وإنماء إحتوائهما، وهذا بدا وضحآ من خلال عدد الضربات الجوية المحدودة لمواقع التنظيم لفترة عام كامل.

ولو أن الغربيين جادون في حل الصراع السوري ومنع الروس من التدخل، لما إستطاع بوتين وجنرلاته فعل أي شيئ. إن تراخي الغرب وغيابه عن الساحة السورية، هما التي دفعت ببوتين، إلى إبراز عضلاته وإدعاء الشجاعة والبطولة فجأةً.&

ثانيآ، الروس لن يستطيعوا حسم المعركة من الجو، وإلا حسمها من قبلهم الأمريكان مع تنظيم داعش. وحسب إعتقادي إن الروس لن يشاركوا في المعارك البرية، لإدراكهم المسبق بأن سورية ستكون مقبرة لهم. ومن هنا يمكن القول إن الروس سيفشلون كما فشل من قبلهم عناصر حزب الله وقوات الحرس الإيراني والمليشيات العراقية الطائفية، وهؤلاء مدربون أكثر من جنود الروس لخوض حرب العصابات، الدائرة في سوريا. وكلما يمكن أن يفعله الروس هو هدم المزيد من المنازل وقتل الأبرياء، وخاصة إذا علمنا بأن 95% من الضربات الروسية، لم تستهدف مواقع تنظيم داعش الإرهابي، وإنما قوات المعارضة السورية.&

وثالثآ، لا يمكن هزيمة شعب قرر الخلاص من الظلم والإستبداد، والثورة السورية لا علاقة لها بكل هذه التنظيمات الإرهابية الظلامية كداعش وجبهة النصرة وأحرار الشام، إن أهداف السوريين الذين خرجوا للشوارع، من درعا إلى القامشلي كردآ وعربآ، تتلخص في الكلمات التالية: الحرية والكرامة الإنسانية والمساواة بين السوريين جميعآ.

وهذه التنظيمات الظلامية المتطرفة، هي صينعة النظام السوري أولآ، وثانيآ صنيعة إستخبارات دول المنطقة ومعهم بعض الدول الكبرى، ولم يهبطوا من السماء فجأةً على الأراضي السورية، بكل تلك العدد والعتاد والأموال.

وفي الختام، إن الروس مستقبلآ سيخسرون الكثير، جراء تدخلهم العسكري المباشر في سوريا، ومعادتهم لأكثرية الشعب السوري بعربهم وكردهم. ومصلحة الشعب الكردي في غرب كردستان، قطعآ ليست مع الحلف الأسدي- الروسي- الإيراني الشرير.