&
يوما بعد اخر تتفاقم في محيطنا العربي ظاهرة التجهيل واشاعة ظلمة الجهل بين ظهرانينا& وانتشارالتخلّف العقلي والعجز عن ايجاد الحلول العلاجية& لأيقاف الانحدار الهائل في العقل والعمل على وقف اشباح الخرافة والتهويمات الغيبية والاستغراق في عوالم الاثنيات والتفكّر في الروحانيات والابتعاد عن التجريب المادي وما يفرزه العلم الحديث من وقائع غير قابلة للتشكيك ؛ فهل قُدّر لنا ان& نبقى بمنأى عن كل ماهو واقعي ومنطقي وتجريبي لنهرب الى غيبيات وميتافيزيق واوهام وتخاريف بالرغم من بروز ظواهر العلم ونتائجه امامنا وظهوره للعيان وكأن أذهاننا مرتع دائم ليعشعش فينا عنكبوت الجهل بخيوطه الواهية المهلهلة مثلما ترسّخ فينا الثالوث المدمّر ( الجهل والفقر والمرض ) دون ان نعدّ العدّة لمجابهة& تلك العاهات الفتّاكة ولاسيّما الجهل ذلك الوباء العضال وتدنّي القدرات العقلية في مجتمعاتنا بحيث وصلت الى مديات يرثى لها من العجز والنكوص والاستئناس بما نحن فيه من انحدار وتخلّف لم يعد محتملا
دعوني اعلن عن صراحتي وأبوح ما في داخلي فقد& بدأت أشكك في قدراتنا العقلية وأكاد أتحسس إرباكا ذهنيا يطغى علينا ولم أصل بعد الى إجابة شافية لما تخامر دواخلي من تساؤلات أقضت مضجعي وانكسرت موازين رؤيتي لما نراه اليوم من تدهور وتدنٍّ في عموم إوضاعنا& الذهنية ليس لعامة الناس فقط بل حتى من رؤوس السلطة وصولا الى أدنى شرائحنا الاجتماعية البسيطة ، وكل شيء في تراجع ملحوظ وكأن المقبل الاتي سيكون حالكا جدا ان لم يكن مضاعا حتما طالما ان حاضرنا الحالي مازال غائما قاتما وبالكاد نستدلّ على طريقنا بسبب غياب العقل وانحداره الى مهاوي الجهل والاستنجاد بالمثاليات السقيمة بحيث عقمنا حتى ان نبني مؤسسات لدولة حديثة قائمة على اسس مدنية عقلانية ووصل الامر بنا ان اخذت دول صغيرة تكاد لاتظهر على الخارطة تتفوق علينا وتأخذ المسار الصحيح في النهوض بدولها نحو الافضل بما في ذلك بعض الدول الافريقية السواحلية ودويلات اسيوية ولاتينية& غير ذات شأن
أتساءل ؛ متى يتعلم من يحكمنا فنّ ادارة الدولة واساليب الحكم السليمة والطرائق المدنية الحديثة في ادارة الدولة وتنظيم العمل السياسي الحديث وفق الاطر الديمقراطية النابعة من ارادات الشعوب وكل العالم تقريبا حذا حذو العالم المتمدن وتتبع خطواته ونلمّس خطاه الاّ نحن فقد تشبثنا بالعنجهية الفارغة ولم نلتفت الى مايجري من تقدم ملحوظ في ادارات الحكم السليمة الراقية التي يعتمدها الاخرون ونبقى نتشبث بفكرتي الإمامة والخلافة مثلا& لاحصرا والتي عفا عليهما الزمن وليس لهاتين الفكرتين ادنى مقعد لهما في كراسي وانظمة الحكم الراقية التي ننشدها اضافة لما تسببه من فرقة واختلاف يصل مرارا الى حد التكفير وتهميش الطرف الاخر بل وحتى التصفيات الجسدية والتدمير وانهائه من الوجود اصلا واذا كنا نتذرع باننا مسلمون ولا شأن لنا بما عند الغرب من انظمة ديمقراطية ونشاطات ملحوظة لمؤسسات المجتمع المدني ونعوّل كثيرا على فكرتي الامامة والخلافة المتنازع بشأنهما غالبية المسلمين ، ألم ينظر هؤلاء الى تجربة ماليزيا الحكيمة في انماء شعبها وتطويره وانهاضه وهي الدولة المسلمة الملتزمة بعقيدتها والمعتزّة بما ورثته عن المسلمين الاوائل كمنهاج عمل بعد تطويعه ليتماشى مع متغيرات العصر الحالي ومتطلبات الاطر السياسية الحديثة وكذا الامر بالنسبة الى تركيا التي انعطفت نحو العلمانية مع ان غالبية سكانها مسلمون ولم يتردد منظّرهم وقائدهم نحو اطر العولمة زعيمهم " كمال اتاتورك " حينما قال / الافضل لنا ان نكون في اخر الطابور من الدول الغربية الساعية الى المدنية والعلمانية من ان نكون في اول الصف من الدول الشرقية الاسلامية القابعة المستكنّة الى إرثها دون ان تتطلع برؤاها الى آفاق مستقبل رائق من خلال الأخذ بتجارب الشعوب الناهضة وكأننا& لانريد ان نستفيد من تجارب تلك الشعوب الصاعدة حديثا ونتعلم من براعتها في ايجاد الحلول اللازمة لمشكلاتها وامامنا الكثير من الدول الاوربية وحتى الاسيوية قد ارتقت مدارج الرقيّ وسخّرت امكانياتها المتواضعة وثرواتها القليلة على افضل مايرام باستخدام العقل في ابتكار الحلول والمعالجات السليمة في الاقتصاد والسياسة وفن ادارة الدولة وإزالة الموروثات الاجتماعية السقيمة المعيقة للنماء من خلال الإستزادة من التعليم وفتح آفاق التنوير ، بينما نحن لانريد ان نتعلم وننأى عن توسيع آفاقنا الذهنية مع ان التعليم لايكلّف الكثير سوى الإصرار على النهوض والجرأة والاعتراف بخطل ما نعتقده خاصة عوالم الميتافيزيقيا الغيبية الرثّة& المعشعشة في رؤوسنا والرجم بالغيب واشغال العقل بالترهات وهناك من المضحكات المبكيات الكثير ؛ ولا أستحي ان اذكر بعضها ، فلازال البحث جاريا بين علمائنا وفقهائنا عن عدد اصحاب الكهف هل هم اربعة وخامسهم كلبهم او خمسة وسادسهم كلبهم ، او الخلاف عما ينقضّ الوضوء ويبطل الصلاة عند خروج الريح من الدبر حتى وصل الامر بنا من الانشغال بهذه السفاسف والمبتذلات ان يتم اعداد اطروحات وبحوث لنيل درجة الدكتوراه او الماجستير لبذاءات مواضيع ماانزل الله بها من سلطان مثل الفساء الصامت والضراط الصائت وانواعهما وفيما اذا كانا ينقضان الوضوء وغيرها من الخزعبلات التي تفتت الفؤاد وتقطّع نياط القلب قهرا على ماوصل اليه الفكر الديني الفقهي من درك واسفاف يقبض الروح ويبعث الاسى واليأس والمهانة في عقولنا
ان الدول المتقدمة الصاعدة لم تنهض بالدين اذا كان هو وحده المعيار للرقيّ كما يتوهم ذوو الجهالة ، بل قد يكون اداة تعويق وتعطيل للكثير من الآمال والطموحات التي نهدف اليها بسبب الخلط والتداخل من عوامل التجهيل وتغييب العقل التي تخللت مسامّه ولم يعد للدين ذلك الصفاء الروحي والنقاء نظرا للتلوّث الذي مارسه رجال الدين المتاجرين وزمرة الفقهاء الخاضعين لرغبات السلاطين والحكام وفتاواهم الضالة المضلة ومروياتهم المشبوهة غير السويّة مما لايستسيغها الفكر النابه العارف لكنها مع بالغ الاسف ترتع في الاذهان الجاهلة التي تعتمد النقل لا العقل&
&ألم يدر بخلد كبارنا ومرشدينا وصفوة مجتمعنا ان التعليم السليم المعافى هو اول الخطوات نحو سلّم الارتقاء مع ان بلوغ التعليم مراحله المُرضية النافعة لايكلّف كثيرا مثلما تكلّف ترسانات الاسلحة وصناعة الحروب وبعث الكراهية والتمايز الطبقي والديني والعرقي من هدر الاموال والارواح ، ومبتغى لايحتاج سوى لسعة الصدر والانفتاح على تجارب الاخرين واخذ النافع منها والجدير بالاهتمام وقراءة حاذقة لتجارب الشعوب مع نفاذ البصيرة والنوايا الصالحة المبنية على الصدق والاخلاص من اجل النماء والارتقاء
مانريده ان يتعلّم حكّامنا وصفوتنا فنّ الحكم الراقي الحديث ويتركوا اجيالهم ان يتعلموا لخلق نواة مجتمع زاهر في المقبل القريب بدءا من ترسيخ مبدأ الخضوع لارادة الناس بعد تنوير عقولهم& وفقا لما تفرزه صناديق الاقتراع دون تزييف لترسيخ الديمقراطية الحقّة وتكوين مؤسسات مجتمع مدني
مانريده ان يكون الناس سواسية كأسنان المشط كما يقال واسقاط التمييز العنصري والديني والمذهبي بكافة اشكاله من حيث اللون او الجنس او المعتقد لاجل ان يتم اسقاط كل انواع الكراهية بين افراد المجتمع الواحد وطمر الحرب واشاعة السلام والوئام بين كل الاجناس والاديان والالوان كي يعرفوا ان الانسان جنس واحد مهما اختلف لونه وتعددت عقيدته وتنوّع منبته شرقا كان ام غربا
مانريده ان نستفيد من تجارب الاخرين ممن ارتقوا ببلدانهم الى مصاف المجتمعات والدول الناهضة وتشييد بناء فوقي سليم دون خزعبلات غيبية وتنظيرات ثيوقراطية وسلفية لاتتماشى مع روح العصر وإنماء بناء تحتي قائم على التصنيع وثورة صناعية وزراعية دون الإلتجاء الى الدول الريعية واستثمار الثروات في تنمية الفكر وتغذية العقل وسحق الجهل ومحاربة الفقر بالعمل المثابر ومكافحة البطالة ومجابهة المرض لإبراز مجتمع سليم معافى قادر على الخلق والابداع والانتاج المثمر ، فمن يقدّس الموتى ويلجأ الى الكتب الصفر ويوهم نفسه انه سيجد كنوز الخلاص في طيّاتها ويحتقر المستقبل ولايعبأ بترميم وترتيب حاضره وجلّ همّه النبش في اوحال ونفايات الماضي البائد الميت وينتظر منقذا هلاميا ويتخيّل ان هناك رجلٌ يسعى آتٍ لانقاذهم ؛ فمثل هؤلاء لايمكنهم ان يحققوا شوطا متقدما صاعدا وفوزا بائنا طالما انهم عطّلوا قدراتهم الذهنية والبدنيّة والروحية ، اذ تشير الكثير من تقارير ومؤشرات التنمية البشرية اننا في البلدان العربية نحتل المراتب العليا في سلالم التخلّف العالميّ وآخرها ماقرأناه مؤخرا في تقرير منتدى دافوس الذي صدر قبل ايام قليلة بان التعليم في قسم من& البلدان العربية غير مصنفة اصلا في ترتيب الدول ذات المعايير العليا والوسطى وانما في الدرجات الدنيا والمنحطة تماما مثل العراق واليمن وسوربا وليبيا والصومال لانعدام ابسط معايير الجودة فيها تعليميا ،خاصة اذا أدركنا ان نسبة الاميّة قد وصلت الى نسبة تقترب من 20% ، وهي نسبة مخيفة لو عرفنا انها لم تكن تتجاوز 8% منذ ثلاثة عقود في مجتمعنا ، فمن هنا يبدأ الجهل والتجهيل ويبقى العقل ضحلا مهزوزا لايقوى على ايجاد الحلول وابتكار الطرق السليمة لعلاج مشكلات البلاد بانواعها مادامت جهات التنوير مازالت معتمة بحيث ترعرع الجهل في معظم مفاصل حياتنا وعشعش في ادمغة من كنا نعتبرهم – ونحن& الواهمون -- القدوة لنا وهم من يدلّنا الى الطريق الاسلم والمسار الاصوب
كم كان رهاننا خاسرا حينما عوّلنا على ماضينا الملوّث بصبغات الدم والمشوّه بفتاوي التضليل والتجهيل والمنافع الشخصية وخدمة اولي الامر من السلاطين والحكّام حتى ساد الجهل بيننا طوفانا هائلا وغرقنا في مجاهله وقيعانه العميقة المليئة بالأسن والعفن ومناقع تزكم الانوف لشدة انبعاث الكراهية فيها
آن الأوان ان نتعلّم من الغير ممن سبقونا في البناء السليم للإنسان المتحضر الطامع للاستقرار والسلام والتعايش الآمن وما يخدم الانسان من نظم راقية مدنية يعيش في بحبوحتها وينعم برقيّها ولنبتعد عن مدارس الفقه التي يبست وتكلّست وخرجت فقط لترفع عقيرتها ضد ايّ توجّه نحو التنوير وتشذيب العقل ولم يعد ارثنا سوى مومياءات محنّطة صنمية لا توهب فكرا حرّا او منطقا سليما وماعلينا غير ان ندير وجهنا عنه ونستقي سقيانا من منابع اصفى واكثر رواءً لعلّ مرابعنا& تثمر ما يسدّ جوعنا ونبني مجتمعات قائمة على العدل والمساواة والمدنية والتعليم السليم البعيد عن ثنايا الدين المختلط بالوهم
لنختطّ في الطريق الاصوب قبل فوات الأوان ولنتعلم كي نرتقي ، ولات وقت مندمِ

[email protected]
&