&

لم يعد الكشف عن وجود الحرس الثوري الإيراني في عدة بلدان عربية تهيمن إيران عليها أو تحتلها بعبارة أخرى، أمراً جديداً أو صادماً، فالتغلغل الإيراني "العسكري" والأمني" الإيراني في كل من سورية ولبنان واليمن على سبيل المثال يتم بشكل مباشر وعلني، ولم يعد يقبل بمجرد إدارة الملفات عن بعد عن طريق الوكلاء (نظام الأسد في سورية، وميليشيا حزب الله في لبنان، وجماعة أنصار الله في اليمن).
التجاذب الإيراني مع الغرب يندرج في سياق التفاوض على الملف النووي الإيراني الذي يبدو طموحاً للغاية وساعياً لامتلاك ترسانته العسكرية النووية، وليس السلمية فحسب كما يدعي، أسوة بالجارتين باكستان والهند، وحتى الحليف الروسي، في مواجهة الدول العربية بالدرجة الأولى.
وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية (إرنا) نقلت عن مرشد "الثورة الإيرانية"، علي خامنئي، بأنه أعطى الإذن لشباب إيرانيين بالقتال في العراق وسورية ولبنان، في تصريح لا يكاد يخلو من دلالة على الرغم من كونه ليس جديداً فالحرس الثوري الإيراني موجود علنًا في العراق وسورية، بينما وهو موجود في لبنان واليمن على شكل مستشارين.
ما يهم الطغمة السياسية الحاكمة في إيران ليس الكشف عن هذا الوجود بقدر ما هو شحن معنويات المتشددين لا سيما داخل مؤسسة الحرس الثوري، والمعارضين لسياسة التفاوض مع الغرب إزاء البرنامج النووي، وفي الوقت عينه، التلويح أو التذكير بالأوراق التي تمتلك طهران زمام أمورها في هذه البلدان المشتعلة.
ونقلت "إرنا" أمس عن قائد الحرس الثوري الإيراني، محمد علي جعفري، عن خامنئي قوله، أنه "أعطى الإذن إلى مجموعات من الشباب الإيراني للقتال إلى جانب إخوتهم العراقيين والسوريين واللبنانيين". الحرس الثوري الإيراني موجود أساساً في العراق وسورية ووجوده ليس سرًا، لكن السؤال هل تم إرسال الحرس الثوري لتحرير فلسطين أم لإثارة الفتن الداخلية في هذه الدول؟. فإذا كانت "إسرائيل" ضعيفة وأوهن من بيت العنكبوت، كما يقول نصرالله، فلتعلن إيران بدء المعركة الحاسمة ضد "إسرائيل".
الحاجة إلى تجييش الأنصار واللعب على "يوتوبيا الثورة" التي تعادي "الشيطان الأكبر" في الوقت الذي باتت تفاوضه علناً، خطوة للتنفيس الشعبي والإعلامي، والقول للغرب في ذات الوقت: إننا قادرون على العودة إلى مربع إشعال الحرائق في المنطقة، إذا لم تبدوا "ليونة" أكبر في ملف المفاوضات.
هذا الملف الذي نجح، اليوم، البرلمان الإيراني في وضع خط أحمر جديد له، بعد صوت مجلس الشورى الإيراني لصالح مقترحٍ ينص على رفض اتفاقية جنيف، والتصويت على قانون تسريع برنامج إيران النووي، في حال فرض الولايات المتحدة الأمريكية عقوبات جديدة على إيران. وأتت موافقة المجلس بعد تصويت 173 نائبًا من أصل 205 نواب على المقترح، وفي حال الموافقة النهائية للبرلمان سيتم صياغة قانون خاص للمقترح.
وقعت اتفاقية جنيف في 24 نوفمبر/ تشرين الثاني 2013، بين إيران والمجموعة الدولية 5+1 (الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن وألمانيا) في مدينة جنيف السويسرية، وتنص على تجميد قصير المدى للبرنامج النووي الإيراني، مقابل تخفيض العقوبات المفروضة على إيران، بينما تعمل البلدان الموقعة على التوصل لاتفاق آخر طويل الأجل.
&وكانت المجموعة الدولية أخفقت في مفاوضاتها مع إيران بالتوصل إلى حل نهائي بشأن برنامج إيران النووي، وتم تمديد المفاوضات حتى الأول من يوليو/ تموز 2015، ولم تفضِ مباحثات جنيف التي جرت في 17-18 يناير/ كانون ثاني الجاري إلى نتائج.
وأجرى وزيرا الخارجية الإيراني "محمد جواد ظريف"، والأمريكي "جون كيري"، مباحثات نهاية الشهر الماضي في جنيف وباريس، كما التقيا على هامش المنتدى الاقتصادي العالمي، الذي استضافته دافوس السويسرية، وأقلقت صورة نزهتهما الثنائية في المكانين صقور النظام الإيراني الذي لم يبتلع بعد صيغة التفاوض مع من تعتبره إيران العدو الأزلي لها و"الشيطان الأكبر"، كما أدان ذلك 31 نائباً إيرانياً بكل شدة.
لا يبدو أن مفاوضات الملف النووي الإيراني تسير على ما يرام، بل على العكس يشير التمديد المتواصل والانسداد التفاوضي إلى قرب الإعلان عن فشل هذه المفاوضات التي اتضح أنها إعلامية واستهلاكية للوقت، وأضحت إيران تتحسب الخطوة التالية للغرب إزاء طموحاتها في المنطقة فسارعت إلى "احتلال اليمن" كإنذار أخير لنادي الدول الغربية، فيما التلويح بإذكاء نيران الحرائق في سورية والعراق ولبنان، وقود سهل الاشتعال بالنسبة لمن امتهن بث الفتنة وإشعال نيرانها.

هشام منوّر... كاتب وباحث

&