لا أدري لماذا يُغفل الدعاة الدراما في مجالات الدعوة الإسلامية، ويصرون على الطرق والوسائل التقليدية دون مواكبة المُحدثات التواصلية مع المتلقين لأفكارهم؛ وأرجو أن لا يحاججني أحد بحديث "شر الأمور محدثاتها"؛ فحديثي عن المحدثات التكنولوجية. فما زالت العشرات من المحطات الفضائية تُظهر نفس الوجوه أو من سار على نهجهم، فيقولون نفس الكلام الذي يحفظه أو جله كما أفترض من أنهى الصف الثاني عشر، إلا من بعض الأحكام الشرعية التخصصية التي غالباً ما تكون نتيجة الخلاف بين أصحاب المذاهب وكنا لا نعرف عنها شيئاً إلا بعد ظهور الفضائيات.

لقد أصبحت الدراما شئنا أم أبينا إحدى الوسائل الحديثة في الكثير من المجالات خاصة الإنسانية منها كالتربية وأساليب التدريس والتقديم أو الترويج لشيء جديد. وعند الحديث عن مجالات الدعوة الإسلامية أتذكر أننا تعلمنا أو رسخ في أذهاننا من فلم الرسالة أكثر من كل الكتب التي مررنا بها أو حتى نكون أكثر إنصافا فإنه (فلم الرسالة) وضَّح مفاهيم كنا نرسمها في عقولنا ربما بطريقة مشوهة.

من منا لم يشعر بالفخر عندما شاهد عمر المختار (فلماً آخر) أسد ليبيا وهو يقول للمستعمر نحن لا ننهزم؛ نحن ننتصر او نستشهد (إحدى الحُسنيين). هل استطاعت كل الكتب الدراسية أن ترسم لنا غزوة بدر أو أحد أو حتى مدى معاناة المسلمين في بدايات الدعوة الإسلامية كما فعل فلم الرسالة؟ أو عندما خُتِم الفلم بهذا الشريط السينمائي الذي عُرض بصوت محمود ياسين المؤثر مفتتحاً ذلك بالآية الكريمة (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا)، بعد أن رُفِع الأذان على ظهر الكعبة والذي غطى كل المناطق التي وصل إليها الإسلام؟

هل استطاع كل المؤلفين أن يوصلونا إلى حقيقة الدعوة الإسلامية أو الثورة الليبية بلغة العصر كما فعل المخرج مصطفى العقاد رحمه الله. ومن مفارقات القدر أن يكون العقاد نفسه ضحية دعاة العصر المحدثين بتفجيرات عمان المشئومة.

وفي العصر الحديث كان التوثيق لإمام الدعاة في القرن العشرين الشيخ الشعراوي رحمه الله بالمسلسل الذي يحمل اسمه من بطولة الفنان حسن يوسف. وإن كان لي عليه مأخذ هو أنه لم يوف الشيخ حقه كما يجب لأنه على ما يبدو كان محكوماً بعدد الحلقات وتسارع الاحداث. وربما كان خلفه أيضا أبعاد سياسية كان المؤلف يحاول نفيها عن الشيخ كعدم تأييده لثورة 23يوليو المصرية. فأصبح المسلسل عبارة عن شريط أحداث لمواقف معينة.

وبما أننا في معرض الحديث عن المسلسلات فيجب أن نذكر مسلسل يوسف الصديق ومسلسل عمر بن الخطاب كذلك. وربما وقع المسلسلان بنفس أخطاء مسلسل الشعراوي الفنية. لهذا أرى أنه حتى ينجح العمل الدعوي يجب أن يتوفر له الإمكانيات التي توفرت لفلم الرسالة و عمر المختار من إمكانيات مادية وفنية وقبل كل هذا طاقم إخراجي بقيادة مخرج بحجم الأستاذ مصطفى العقاد رحمه الله.

كذلك يمكن استعمال الدراما في الدعوة المضادة ضد هذه التيارات التي تدّعي الإسلام وهي تشوهه جهاراً؛ وينكر أفعالها كل الدعاة كما يقولون على وسائل الاعلام ومنها هذه التيارات الإرهابية التي كانت بداياتها من نهايات القرن الماضي مما جعلت المسلم وخاصة العربي محط شك كسبب لكل تفجير أو قتل في محيط إقامته بالبلاد غير الإسلامية. هنا أذكر مسلسل دعاة على أبواب جهنم. وآخر هذه الأعمال الفنية برنامج سيلفي لناصر القصبي بالحلقتين الثانية والثالثة حول داعش. ولا أدري سبب ثورة من يقولون بإرهاب داعش وتجييشهم وتحريضهم ضد السيد ناصر القصبي. ألم يقل في الحلقتين ما يقولوه هم على وسائل الإعلام؟ أم أنهم كانوا يمارسون التُقينة على الطريقة الشيعية؟ فيكفرون أعمال داعش على التلفزيون وبنفس الوقت يحاربون من يعرض لإعمالهم منتقداً لهم!!

وبالعودة لدور الدراما يحق لنا أن نسأل لماذا لا تضع الدول الإسلامية والعربية بصفتها رائدة حماية العمل الدعوي ميزانية مستقلة للدراما من أجل الدعوة الإسلامية أو الدعوة المضادة. لماذا لا تُنشئ تحالفاً ثقافياً درامياً لهذا المجال بموازاة التحالفات العسكرية كرديف لها. لماذا نُبقي هذا المجال (الدرامي) بعيداً عن خططنا، ورهن خلافات في وجهات النظر بين المذاهب أو علماء الدين بأن هذا يجوز وذاك لا يجوز عندما يكون الأمر خِلافياً؛ فهناك من أقر هذه المسلسلات وهذا التشخيص لشخصيات يعتبرها الطرف الاخر لا تجوز وهم علماء دين أيضاً. لماذا نبقي هذه الخلافات سداً أمام الإبداع الدرامي في مجال الدعوة؟

يجب التفكير جدياً في هذا الأمر فهو يستحق ذلك. لأننا إذا اتفقنا سيتغير الكثير من المفاهيم التي لم تنجح الكتب التقليدية في إنارة دياجيرها. أهو الخوف مثلاً من تقويض صلاحيات شخصيات معينة أو اتجاهات مذهبية يشكل الحديث عنها خطاً أحمراً لا يجوز الاقتراب منه هو وراء عدم القبول بالتوجه للدراما؟