&

هناك إجماع بين المحللين العرب على أن الاتفاق النووي الإيراني سيكون له عواقب خطيرة على المنطقة، إذ يرى المحللون أن الأرصدة المجمدة في الخارج والتي سيفرج عنها لن تستخدم في سبيل السلام وتحسين العلاقات الإقليمية. ومن الجانب الإسرائيلي، يرى الخبراء الإسرائيليون، بحسب مصادر غربية، أن إيران قطعت شوطا بعيدا في خطوات تصنيع قنبلة ذرية ولا يفصلها عنها سوى شهر من العمل وأنها لولا ذلك، لما وافقت على وقف برنامجها النووي. وفي الواقع أن القنبلة الذرية لم تكن هما للعرب، فالعدوان الإيراني يتم دون أية قنابل نووية، من خلال اقليات متعاونة معها في اليمن وسوريا ولبنان وغيرها من الدول. وحين تخرج إيران من مشاكلها الاقتصادية، سيكون نفسها أطول في محاولة السيطرة وبث الفتن في البلدان العربية التي تطالها يدها. وسواء اشار البعض بضرورة التروي وافتراض حسن النوايا أو خلاف ذلك، فيكفي أن نعرف أنه لم يتغير أي شيء بموجب هذه الاتفاقية سوى أن إيران ستخرج من عزلتها الدولية ومشاكلها الاقتصادية، أي أن الوضع سيظل على ما هو عليه، ولكن مع إيران قوية وثرية ولها علاقات طيبة مع الدول الغربية.

وإزاء هذا الوضع، يجب على الدول العربية التحرك بهدف الحفاظ على استقرار الدول التي لم تهتز بعد ومن ثم محاولة انقاذ الدول التي دمرت. فكيف يمكن التخطيط لدرء الخطر قبل وقوعه؟

من الصعب تبسيط الأمور بحيث يمكن تحديد خطوات معينة قد لا تؤدي إلى الأهداف المرجوة منها. ولكن لا بد من التفكير الجاد والتعاون في سبيل درء المخاطر المحتملة. كما أن العمق الاستراتيجي لدول الخليج العربية هو الدول العربية سواء شاءت أم أبت، ولا بد لهذه الدول من التوجه غربا لأن الكوادر العسكرية العربية توفر مليارات الدولارات التي تنفقها دول الخليج سنويا لشراء أحدث الأسلحة، ولا ننسى بلاء الجيش المصري في حرب أكتوبر بالأسلحة التقليدية التي كانت معه.

هناك الجانب العسكري، إذ من الضروري أن تكون جاهزية المنطقة على أكمل وجه لمواجهة المخاطر المحتملة، كأن يكون هناك قوات عربية مشتركة. ويمكن كذلك إحياء فكرة الوحدة الكونفدرالية التي برزت ذات يوم ثم لفها النسيان. وبالتأكيد، كان هناك صعوبات أجبرت الدول الخليجية على صرف النظر عنها. والوقت الحالي هو الوقت المناسب لإحيائها.

وهناك الجانب الديمغرافي، فلا أحد ينكر أن التأثير الإيراني متغلغل بين سكان المنطقة بشكل لا يستهان به، وهذا يستدعي خلق توازن ديمغرافي في المناطق التي توجد فيها أقليات متعاطفة مع إيران، ويمكن تحقيق ذلك من خلال تجنيس عرب من دول أخرى من ذوي السمات التي تخدم هذه الدول وتؤثر تأثيرا إيجابيا في التمازج الحضاري والتنوير الثقافي بعيدا عن الصراعات الدينية والطائفية والمذهبية.

وهناك الجانب الاقتصادي، إذ لا بد من جعل النشاط الاقتصادي يتجه غربا نحو العمق العربي وليس شرقا من خلال إقامة مشاريع زراعية وصناعية تستوعب آلاف العمال العرب، بحيث تنشط الحركة التجارية بين

الدول العربية. وهنا لا بد من الاستعانة بأثرياء العرب الذين يمكنهم إقامة مشاريع كبرى وهذا واجب وطني عليهم في هذا الوقت بالذات.

بكلمات أخرى، فإن الصراع وجودي، وقد رأينا بوادره في احتلال الجزر العربية، والمطالبة بالبحرين، ومحاولة حكم اليمن، واختراق العراق ومصادرة قراره وإتباعه بطهران، والسيطرة على سوريا، ومحاولات بث الفتنة في السعودية والكويت، كل هذه الأحداث تدق ناقوس الخطر بشكل غير مسبوق، ولا بد من تسريع الخطوات.