بعد 22 شهرا من المفاوضات الماراثونية والمكثفة، أبرمت القوى العظمى (خمسة + واحد) وإيران يوم الثلاثاء الرابع عشر من الشهر الحالي إتفاقا تاريخيا حول البرنامج النووي الإيراني المثير للجدل، بهدف ضمان طبيعته السلمية البحته مقابل رفع العقوبات الدولية المفروضة على إيران (منذ سنوات) بصورة تدريجية. كما تمت المصادقة على هذا الإتفاق من قبل مجلس الأمن الدولي يوم الإثنين الثاني والعشرين من الشهر ذاته، وإلغاء كل القرارات السابقة المتعلقة بهذا البرنامج، ما عدا بعض التدابير التي ستبقى بصورة إستثنائية.

وبحسب إتفاق لوزان الذي تم ترسيخه في إتفاق فيينا، تلتزم إيران بالآتي:

1. تخفيض أجهزة الطرد المركزي لتخصيب اليورانيوم البالغة حوالي 18 ألف جهاز بنسبة الثلثين، فتحافظ على 6104 أجهزة من الجيل الأول، ولكن تستعمل 5060 منها فقط لمنعها من إنتاج السلاح النووي.

2. لا تتجاوز نسبة تخصيب اليورانيوم 3,67% على مدى 15 عاما

3. تخفيض مخزون اليورانيوم المخصب من 10 أطنان إلى 300 كيلو غرام فقط على مدى 15 عاما.

4. وضع أجهزة الطرد المركزي المتبقية، واليورانيوم المخصب غير المسموح إستخدامه، في مخازن تحت إشراف الوكالة الدولية للطاقة الذرية، كما لا يحق لإيران الإستفادة من أجهزة الطرد المركزي المحذوفة كبدائل للأجهزة العاملة.

5. عدم بناء أي منشأة جديدة بغرض تخصيب اليورانيوم خلال 15 عاما.

6. عدم إستخدام منشأة فوردو، وعدم إجراء أبحاث بخصوص التخصيب في المنشأة لمدة 15 عاما، وتحول للأغراض السلمية لاحقا.

7. تخصيب اليورانيوم في منشأة نطنز فقط لمدة 10 سنوات بإستخدام 5060 جهاز طرد مركزي من الجيل الأول.

8. وضع 1000 جهاز طرد مركزي من الجيل الثاني، مسحوبة من منشأة نطنز تحت رقابة الوكالة الدولية للطاقة الذرية.

9. مراقبة الوكالة الدولية للطاقة الذرية كل المواقع النووية الإيرانية بإنتظام، وبإمكان مفتشي الوكالة الوصول لسلسلة الإمدادات التي تدعم البرنامج النووي لا سيما اليورانيوم.

10. تمكين الوكالة الدولية للطاقة الذرية من الوصول إلى أي موقع تشتبه فيه أو أية منشأة سرية.

11. الموافقة على تطبيق البروتوكول الإضافي للوكالة الدولية للطاقة الذرية الذي يمنح الوكالة حق الوصول للمعلومات بشأن البرنامج النووي، بما في ذلك المرافق المعلنة وغير المعلنة.

12. الموافقة على الإبلاغ المبكر عن عزمها إنشاء أية منشأة جديدة.

13. إعادة بناء مفاعل أراك النووي الذي يعمل بالمياه الثقيلة بشكل لا يمكن معه إنتاج البلوتينيوم، على أن تدعم في ما بعد الأبحاث العلمية والنظائر المشعة في الإنتاج النووي السلمي.

14. تدمير وإزالة المحرك الأصلي للمفاعل الذي يمكنه إنتاج كميات كبيرة من البلوتينيوم وشحنه خارج إيران.

15. شحن الوقود المستنفد من المفاعل إلى خارج البلاد مدى الحياة، مع إلتزام عدم إجراء أبحاث أو عمليات إعادة تصنيع على الوقود النووي المستنفد.

16. الإلتزام بعدم بناء أي مفاعل نووي إضافي يعمل بالمياه الثقيلة لمدة 15 عاما.

في المقابل، يعلق الإتحاد الأوروبي والولايات المتحدة العقوبات المفروضة على إيران المتعلقة ببرنامجها النووي، بعد تحقق الوكالة الدولية للطاقة الذرية من تطبيق إيران جميع الخطوات الرئيسة المتعلقة ببرنامجها النووي، وهذا لن يتحقق إلا بعد عدة أشهر، أي بداية العام القادم. وفي حال أخلت إيران بأي بند من بنود الإتفاق فهي تعرض نفسها لعودة العقوبات القديمة

ولإجراءات عقابية جديدة. ولن ترفع العقوبات الأمريكية على إيران الخاصة بالإرهاب وحقوق الإنسان والصواريخ الباليستية بحسب نص الإتفاق.

أثار هذا الإتفاق جدلا واسعا في المنطقة العربية بين اصدقاء إيران وأعدائها. فالأصدقاء يعتبرون الإتفاق نصرا كبيرا حققه الإيرانيين ضد الولايات المتحدة وحلفاءها الغربيين. بينما يعتبر الأعداء أن الإيرانيين رضخوا للمطالب الدولية الرافضة لإمتلاك إيران التكنولوجية النووية لأغراض عسكرية. وفي إعتقادي الشخصي أن الطرفين لم يجانبهما الصواب في حكمهما. فالمفاوضات جرت من البداية على قاعدة لا غالب ولا مغلوب، وبهدف تحقيق مصالح الطرفين، وأن الطرفين يعتقدان أن التنازلات المتبادلة تستحق ما يقابلها من مردود سياسي وإقتصادي. وليس من المعقول أن يشارك طرف في مفاوضات وهو يعرف مسبقا أنه الطرف الخاسر.

من يقول أن العقوبات الإقتصادية لم تؤثر على إيران، فهو إما جاهل بالأمور السياسية والإقتصادية أو مكابر، والحكومة الإيرانية نفسها تعترف بذلك التأثير الحاد والسلبي على كثير من قطاعاتها الإقتصادية، وخصوصا البنى التحتية وقطاعي النفط والغاز والطيران المدني. لمن لا يعلم، أقول: أن العقوبات الإقتصادية بمثابة القتل البطيئ.

بعد رفع العقوبات، سوف تتوفر لإيران مبالغ مالية كبيرة تقدر ما بين 120 إلى 150 مليار دولار كانت محتجزة لدى أكثر من دولة بسبب العقوبات الإقتصادية. هذه الأموال سوف تستغلها الحكومة الإيرانية لتحديث البنى التحتية المتهالكة، وتطوير المنشاءات النفطية حتى تتمكن من إنتاج 4 مليون برميل يوميا كما كانت في السابق، بدلا من حوالي مليون وربع المليون برميل حاليا، وشراء طائرات مدنية حديثة. جزء كبير من هذه الأموال سيكون من نصيب الشركات الأمريكية والأوروبية، إضافة إلى الإستثمارات الأجنبية الهائلة التي ستتوجه إلى إيران وأغلبها من الشركات الأميركية والأوروبية أيضا.

إذا سار الإتفاق في الطريق المرسوم إليه بدون عقبات، يمكن للرئيس الأمريكي "باراك أوباما" الإدعاء بأنه أنجز عملا تاريخيا لأمريكا والعالم، وهو إقناع إيران بتخليها طواعية عن تطوير وإمتلاك التكنولوجيا النووية لأغراض عسكرية الذي أثار حفيظة دول المنطقة العربية وبعض دول العالم لأكثر من عقد من الزمن.

أما الرئيس الإيراني "الشيخ حسن روحاني" فيمكنه الإدعاء بأنه أخرج إيران من عزلتها الدولية، وأنقذ إقتصادها من الإنهيار بسبب العقوبات الإقتصادية، وضمن لها المكانة الدولية والإقليمية التي تليق بها، بعد أن فرضت نفسها - بهذا الإتفاق - عضوا في نادي الدول النووية للأغراض السلمية جنبا إلى جنب مع ألمانيا واليابان والبرازيل. وقد يكون الإتفاق هو الخطوة الأولى على الطريق لفترة رئاسية ثانية.

ما يهمنا في العالم العربي، أن لا يكون هناك ملاحق سرية لم تكشف بعد تمس بمصالح بعض الدول العربية، وأن ينعكس هذا الإتفاق إيجابيا على الأوضاع السياسية والعسكرية والأمنية في المنطقة بشكل عام.