تتسارع احداث المنطقة الشرق أوسطية. بحيث لا تعطي مجالا لإنتظار ما سيأتي.. بل إن الأمور تبدو ككرة الثلج التي لا يستطيع احد وقف إنزلاقها إلى المجهول.. تتغير الأولويات.. وتفرض نفسها الوقائع.. ولكن يبقى الدافع للثمن الأكبر هو الإنسان الذي هو أرخص ما يكون بالنسبة لكل هذه الدول الشرق أوسطية.. وإن كان بتفاوت نسبي

الكل يتساءل.. كيف ولماذا وبهذه السهولة غيّرت الولايات المتحدة من إستراتيجيتها وربطتها بمدى تجاوب إيران مع الملف النووي.. وهل أميركا وفي هذا الإتفاق تنازلت لإيران.. وتخلت عن الخليج.. من هو المستفيد الأكبر من هذا الإتفاق..

الحقيقة التي يتجاهلها الكثير من المحللين والكتاب السياسيين أنه ليس هناك من مستفيد واحد أو مستفيد أكبر. بل الإستفادة لكل الأطراف بما فيها المنطقة الخليجية.. وإن كان تفاوت نسبي.. فإيران وفي تفاوضها أثبتت انها لاعب تفاوضي بارع... يراوغ ويتلاعب بالكلمات ولكنها وفي المقام الأول كسبت الإعتراف الدولي بأنها قوة إقليمية ذات حضارة يعترف بها الشرق والغرب.. وهو ما ’يمثل الإنتصار النفسي للشعب الإيراني في التخلص من عقدة التهميش والدونية التي يتلاعب بها المسلمين السنة في وجه الشيعة في إيران وفي الدول المجاورة... اما على الصعيد المالي.. فقد كسبت إضافة إلى رفع الحصار الإقتصادي الذي شل من قدراتها في مواجهة نقد مواطنيها لسياستها إستعادة 100 بليون دولار من الأموال المجمدة في الغرب.

المكسب الأميركي يتلخص في ضبط قدرة إيران النووية و مراقبة التطوير النووي للتأكد من أنه للإستعمالات السلمية... وقدرة اميركا على التأكد من عدم وصوله إلى مرحلة الخطورة.. وبالذات تحديد نسبة تهديده على إسرائيل..

والتخلص من التهديد الإيراني بإقفال مضيق هرمز وربما جر الولايات المتحدة للتواجد الفعلي بقوتها البحرية للسيطرة على المضيق والتي وربما تكون على مرمى من صواريخ داعش.

كيف ستتصرف إيران بعد هذا الإتفاق وبعد إثبات أنها لاعب دولي يعطيها مساحة من الحرية في سيادة إقليمية.. يرتبط تماما مع مدى إستعدادها للتعاون الفعلي مع الدول الخليجية بدون سوء نية وبدون إستعلاء أو تدخل في الشئون الداخلية.. وقدرتها على تغيير سياستها الداخلية لتحجيم المعارضة.. وللتاكيد لمواطنها بأنها لا تريد الإنعزال مرة اخرى عن العالم.. قوتها كدوله إستعملت الدين في صعودها السياسي مرتبط تماما بإستعدادها لتغيير وجهها السياسي الديني

على الجهة المقابلة:

فجأة وبدون سابق إنذار.. وبعد الإزدواجية السياسية التي إتبعتها على مدى السنوات الأربعه السابقة.. والتي خلالها علمت على تسهيل مرور الجهاديين الإسلاميين لينضموا للتنظيمات المعارضة للنظام السوري. ولينضموا لداعش.. غيرت الدولة التركية كل اوراقها فبعد إعتقاد&الحكومة التركية بأن وجود تنظيم (داعش) الذي يمتد على معظم الحدود التركية مع سوريا والعراق. ’يشكل حزامًا أمنيًا لها... إكتشفت فشل هذه السياسة بعد عملية التفجير التي شهدتها مدينة سوروتشي وراح ضحيتها 30 إنسان إضافة إلى أن عناصر مخابراتها أثبتت وجود عناصر داعشية داخلها.. الأمر الذي ’يعزى إلى سياسة حزب العدالة والتنمية التي روّج لها أردوغان وتبلورت في ظهور مؤسسات سياسية ومجتمع مدني إسلامي تحت حزب العدالة والتنمية، مهدت لبيئه مواتية لتصاعد الراديكالية مترافقا لظهور الكثير من الجهاديين الذين إنضموا إلى داعش.

إضافة إلى ان نجاح الإنتخابات التركية الأخيرة أثبتت وبما لا يدع مجالا للشك بأن الشعب التركي ربما أوعى شعوب المنطقة.. وباللعبة الديمقراطية قضى على كل أمل لحكومة أردوغان بأسلمة تركيا.. وإرتفعت كفة حماية مصالح تركيا ووحدتها الجغرافية أولآ وحماية أمنها على أي حلم آخر.. فمن جهة هناك خوف تركيا من إي بادرة لإستقلال الأكراد في الشمال السوري والتي قد تكون ا لخطوة الأولى لإقامة دولة كردية على طول الحدود الشمالية السورية المحاذية لنظيرتها التركية مما قد يشجع الأكراد على طلب الإستقلال خاصة مع إتصال هذه الحدود مع إقليم كردستان العراق الشبه مستقل والذي يملك جزءا كبيرا من الثروة النفطية.. والذي أقامت معه علاقات إقتصادية متينة نظرا لحصولها على إحتياجاتها النفطية بأفضل الأسعار!

فشل النموذج الأردوغاني الذي إعتقد بأنه حقق معجزته الإقتصادية في التزاوج ما بين الإسلام والديمقراطية.. عن طريق أسلمة المجتمع.. والذي نجح في بداية الأمر في رفع نسبة النمو الإقتصادي إلى 8%.. عاد وتقلص إلى أقل من 3% خلال الخمسة سنوات الأخيرة.. وهي عمر المصيبة السورية.

وعليه قررت تركيا دخول المعركة مع التحالف الستيني للقضاء على الدولة الإسلامية.. خوفها من وصول داعش بإسلامها السياسي يقتضي من الدولة وبطلب شعبي واضح تمثل في مظاهرات البيئيين في حديقة ميدان التقسيم. والأهم في نتيجة الإنتخابات الديمقراطية التي بلغت نسبة المشاركة فيها 86% والتي عكست تحديا واضحا لحكومة حزب العدالة والتنمية.. ورفضا قاطعا للدولة الدينية التي كان يعمل لها والتي سمحت وساعدت بتهريب الجهاديين.. والأسلحة.

سيدي القارىء.. السياسة لا دين لها.. ولا تعرف المستحيل.. ولكن وحين تتلاقي المصالح والأهداف تكمن القوة الحقيقية في التحالف... وتلاقت أهداف الغرب كله حماية لمصالحة الإستراتيجية وحماية لأمنه القضاء على التنظيم الداعشي... وتلاقت اهداف إيران وتركيا وإن كان بإختلاف نسبي وأهداف مختلفة.

ما أردته بهذا التحليل هو الدخول في حوار عقلاني مع الذين يعملون على التقليل الخفي من خطر الدولة الإسلامية.. والتشكيك العلني في أهداف الغرب في محاولاته القضاء عليها عسكريا.. غير عابئين على الإطلاق بمجازرها على الإنسان المسلم.. وببشاعة ما تقوم به من إنتهاكات لحقوق المرأة المسلمة. وإستباحتها للأخرى التي من عقيدة أخرى.. وإحياء أسوأ صور إنتشار الإسلام في الذهنية الغربية.. بدون فرصة الدخول في أي تساؤل فكري عن خطرها على الجميع.. كل همهم في دفاعاتهم هو التهليل لإنتصارها على الغرب.. وتهديدها لكل الرؤى الغربية لتفتيت المنطقة العربية والإسلامية.. الذي أشك في مدى مصداقيته.

هؤلاء الكتاب الذين ينظرون إلى الإتفاق الأميركي التركي الأخير وتغيير السياسة التركية بإنضمامها مع قوات التحالف الستينية التي أجمعت على محاربة الدولة الإسلاميه بأنه الأخطر في تاريخ تركيا.. منذ أن ألغى كمال أتاتورك إرث الخلافة العثمانية وعمل على تأسيس تركيا الحديثة عام 1923.. خاطئون.. بل إن إنضمام تركيا إلى هذا التحالف للقضاء على التعصب الديني.. وعلى وجود الدين في الدولة.. والدولة الدينية.. هي ما عمل أتاتورك عليه.. وهي ما أدى إلى إرتقاء الفكر التركي الذي تجلّى في نتيجة الإنتخابات.. وما سيعمل على حمايتها كدولة..

الذهنية الحكومية الأميركية والغربية وبرغم كلماتها المعسولة عن الإسلام. إلا أنها تعلم تماما ان الارهاب ظاهرة لها جذورها العميقة في الأركان الراديكالية للاسلام المتطرف، تحمل تاريخا طويلا.. قد يختلف من دولة إسلامية إلى أخرى.. إلا أنه وفي النهاية إسلام واحد ولن تستطيع أي قوة في العالم تغيير التفكير العقيدي الذي لا زال يحمل عقيدة الجهاد كأحد أركانه الأساسية..

وتعرف أيضا بأن داعش لن يكون إلا لاعبا مؤقتا.. قد يقصر أو يطول عمره.. ولكن وفي كل الأحوال هو ليس حربها ولا يستحق منها إهدار قوتها العسكرية.. ولن ترسل جنودها ومواطنيها لحماية شعوب المنطقة.. خاصة وهي تعلم تماما أنه من الصعب هزيمة التنظيمات الإرهابية والجماعات الدينية المتطرفة عن طريق القوة العسكرية بمفردها طالما تتمتع بدعم شعبي يؤكده التردد في إدانتها.. وأن إستخدام القوة العسكرية سيقلب الموازين مهما كان هناك من تفاهمات مشتركة بينها وبين الحكومات الموجودة في المنطقة.

الفكر الاستراتيجي الغربي يعد التفاوض السبيل الوحيد إلى السلام ولكنه لن يتفاوض مع داعش مهما كلفه الأمر.. تحالف اميركا مع إيران وتركيا ضمن لها القوات البرية لمحاربة داعش.. وعزز وجودها كدولة قيادية رائدة في العالم - تحجيم قدرة إيران النووية وحتى تاخيرها - والحذر من الدول الإسلامية في تملكها للقوة النووية... هو ما دعا الولايات المتحدة لتغيير سياستها 180 درجة.

محاربة داعش هي حرب كل مسلم سواء سني او شيعي.. وعليه ليس أمام دول المنطقة العربية المذهولين والمصدومين من الإتفاق.. سوى إستعمال التفكير المرن والديبلوماسية في القيادة الإيرانية لهذه الحرب.. ما يشفع لإيران في هذا المجال هو أنه لم يخرج من عباءة دولتها الدينية مجاهدا واحدا... أو إنتحاري.. بما يعني انها روّضت عقيدة الجهاد بين مواطنيها الشيعة.. التعاون الإقليمي ضروري الآن لمواجهة الخطر الداعشي.. ويجب ان يبدأ بإلإتفاق المبدئي على حل المشاكل العالقه.. بما فيها الملف السوري.. وإيران أبدت مرونة في مبدأ التخلي عن النظام قبل أشهر معدودة.. أيضا حلآ مناسبا لإنهاء أحتلالها للجزر الإماراتية الثلاث.. ولكن الحذر من أي طموحات إيرانية للسيطرة والهيمنة على المنطقة واجب ومسؤولية كبيرة أيضا يجب أن لا تغفل عنها العين العربية.

&