ربما كانت هناك دول أخرى منزعجة من الاتفاق النووي مع ايران وليست اسرائيل وحدها، وربما مستوى انزعاجها يفوق انزعاج اسرائيل، غير أن تل ابيب هي الوحيدة التي عبرت بصراحة كاملة ومن دون لف ودوران عن رفضها للاتفاق، وقالت بضرس قاطع أنها لن تلتزم ببنوده.

قد ينساق البعض وراء الضجة الاعلامية ويتصور ان السبب الرئيسي وراء انزعاج ورفض اسرائيل للاتفاق النووي مع ايران هو القنبلة النووية التي تزعم تل أبيب أن طهران تسعى لصناعتها، خاصة وأن الغرب والادارة الأميركية بالتحديد أكدت طوال الفترة السابقة أن مبررها الوحيد الذي سوغ لها ابرام الاتفاق هو انه سيحول دون انتاج ايران للقنبلة النووية، ولكن دعوني أؤكد لكم (أيها القراء الكرام) ان الغرب وتحديدا الادارة الأميركية لو كان لديها ادنى معلومات تشير الى أن ايران تسعى الى تصنيع قنبلة نووية، لما تفاوضت مطلقا معها بل واصلت الضغوط عليها، حتى تستجيب لتفكيك برنامجها النووي، وبعد أن تفككه تشن الحرب عليها، كما فعلت مع العراق وليبيا.

انزعاج اسرائيل من الاتفاق النووي مع ايران يعود الى سبب واحد لا غير، وهو، أن الغرب لم يتمكن من فرض الاعتراف باسرائيل كشرط اساسي لقبول الاتفاق مع ايران، بمعنى آخر أن الغرب وبالذات الولايات المتحدة الأميركية كان يريد أن تعترف ايران باسرائيل مقابل السماح لها بمواصلة برنامجها النووي، غير أن طهران رفضت بشكل قاطع مناقشة الموضوع، ووضعت اطارا عاما بهذا الخصوص، وهو انها لن تناقش إلا برنامجها النووي والعقوبات عليها في مفاوضاتها مع مجموعة 5+1، وبذلك فانها سدت أي باب ربما يؤدي فتحه الى ضياع قضيتها الرئيسية وهي برنامجها النووي.

ولهذا السبب رفضت مناقشة موضوع الانضمام الى التحالف الدولي لضرب "داعش" في العراق وسوريا، والى يومنا هذا لم تنضم للتحالف رغم أن توسع "داعش" في سوريا ومن ثم في العراق يعنيها بشكل مباشر.

تل أبيب قللت من حجم طلبها وكانت تريد توقف طهران عن دعم المعادين لها اعلاميا وسياسيا وماديا وعسكريا، ولتكن سياسة ايران كسياسة أغلب الدول التي لا تقيم علاقات دبلوماسية مع اسرائيل ولكن في نفس الوقت لا تشكل تهديدا لها، غير أن الحكومة الايرانية رفضت حتى ذلك.

وبغض النظر عن رفض طهران الاعتراف باسرائيل وعدم الاستجابة لطلب وقف دعم أعداء اسرائيل والذين يسعون الى القضاء عليها، فان الاتفاق النووي مع ايران قوض أكبر مشروع نجحت اسرائيل في تنفيذه لأكثر من 5 سنوات، وهو شيطنة الحكومة الايرانية وجعل ايران التهديد الأول للمنطقة والعالم.

فربما أغلب دول المنطقة كانت تعتبر اسرائيل العدو الأول لها، غير أن أزمة الملف النووي وقرارات الحظر التي فرضها مجلس الأمن الدولي والبروغندا الاعلامية الهائلة جعلت من ايران التهديد الأول لأمن المنطقة بدلا من اسرائيل، وهذا مكسب كبير جدا لتل أبيب، لأن الانظار كلها كانت تتجه نحو ايران ولم يعد أحد يأبه لما يجري في فلسطين المحتلة، والأغلبية نسيت القضية الفلسطينية.

كل هذا انهار وتداعى بعد موافقة مجلس الأمن الدولي على الاتفاق النووي، ومن المؤكد أن القضية الفلسطينية ستعود من جديد الى الواجهة بعد تطبيق الاتفاق النووي، وهذه هزيمة كبيرة لاسرائيل، ولهذا فان تل أبيب منزعجة من الاتفاق النووي.

صحيح أن القضية الأولى للفلسطينيين هي انهاء الاحتلال الاسرائيلي، وانهم يمضون عمرهم في تحقيق هذا الهدف، ومما لا شك فيه ان هذه كانت أولويتهم، ولم تكن أولويتهم دعم الآخرين لهم، ولم يعلقوا نضالهم وجهادهم على مؤازرة الآخرين لهم، ولكن من المؤكد أيضا أن اهتمام الآخرين بهم ويقضيتهم بغض النظر عن ان هذا الاهتمام يترجم الى دعم مادي أو عسكري او لا يترجم فان هذا الاهتمام بحد ذاته يشجعهم في المضي قدما في دربهم.