بذلت دولة الامارات العربية المتحدة ـ ولا تزال ـ كثير من الجهود الدبلوماسية من أجل انقاذ الوضع العربي من مصير بائس ينتظره على يد تنظيمات وجماعات ارهابية تنفذ خطط تفكيكية وتلعب أدوار مشبوهة لمصلحة قوى خارجية تريد تقسيم الدول العربية وإعادة هندسة المنطقة وفقا لحسابات ومعايير عرقية وأيديولوجية وطائفية تضمن لهذه القوى تحقق مصالحها وتوسيع نفوذها الاقليمي.
وفي إطار هذه الجهود الاماراتية الدؤوبة، قام صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، مؤخرا بزيارة إلى جمهورية روسيا الاتحادية حيث التقى الرئيس فلاديمير بوتين، كما التقى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي والعاهل الأردني عبد الله الثاني، اللذين كانا في زيارة متزامنة إلى روسيا، حيث عقدت معرض «ماكس» الدولي للطيران والفضاء 2015 الذي اقيم في موسكو خلال الفترة من 25 إلى 30 أغسطس الجاري.
لم تتضمن زيارة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان إلى موسكو انعقاد قمة رباعية بين القادة الأربع كما أشيع ولم يكن هناك إعلان عن تحالف ولا غير ذلك مما ورد في بعض وسائل الإعلام، ولكن التقارير الاخبارية تحدثت عن تنسيق بين الدول الأربع حول ملفات اقليمية مأزومة مثل سوريا واليمن. مايهم الامارات في الملف السوري وغيره من القضايا العربية وخصوصا الأشقاء في اليمن، هو الحفاظ على البقية الباقية من تماسك هذه الدول لمصلحة شعوبها انطلاقا من قناعة ذاتية تعتنقها دولة الامارات العربية المتحدة منذ تأسيسها على يد الوالد المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ زايد بن سلطان الله نهيان، حين قال الدم العربي أغلى من النفط العربي، وسعى طيلة مسيرته السياسية ـ طيب الله ثراه ـ إلى دعم القضايا العربية وتقديم الدعم المالي والمعنوي للدول والشعوب العربية من دون تفرقة.
هذه الروح العروبية القومية هي المحرك الأساسي للآلة الدبلوماسية الاماراتية، التي لا تزال تعلي قيم التأسيس ومبادئه وثوابته، وتعمل على الدفاع عن هذه القيم والوفاء بكل ما تتطلبه من استحقاقات وتحركات رغم محاولات التشويه والحملات الدعائية المغرضة التي تتعرض لها الامارات من جانب جماعات ارهابية تمتلك أبواق إعلامية لا تكف عن ترديد الاتهامات والمزاعم الزائفة ضد الامارات وشعبها.
حين يتحرك صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان متجهاً إلى روسيا، فإنه يدرك أن جزءا مهما من أوراق اللعبة في ملفات العرب المأزومة بيد روسيا، ومن ثم يصبح التنسيق مع موسكو في هذه الملفات ضرورة حيوية حفاظاً على مصالح ملايين السوريين في الداخل، ومثلهم تماماً مشتتين في دول عربية وأجنبية عدة، فضلا عن البحث عن تسوية للأزمة اليمنية التي يحاول الحوثيين دفعها من أزمة إلى أخرى، متجاهلين كل مايتعلق بالمناشدات التي توجه إليهم لإعلاء مصالح البلاد والحفاظ على ماتبقى من بنى تحتية ومنشآت هي ملك للشعب اليمني، الذي يستحق حياة كريمة تليق بتاريخه وحضارته، التي تكالبت عليها أطماع الحوثيين ومحرضيهم ومحركيهم من قوى اقليمية لا تريد لهذه المنطقة سوى مزيد من الدمار والفوضى والتشتت.
عندما عبر صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان عن الدعم الاماراتي لمصر الشقيقة في مقولته الشهيرة سنقتسم "اللقمة الحاف" مع مصر، وحين أكد أن دعم مصر في ظروفها الراهنة واجب كل عربي، لم يكن سموه يبالغ ولا يدلى بتصريحات بروتوكولية بل يعبر عن قناعات وجدت ـ ولا تزال ـ طريقها إلى التنفيذ، حيث نجد سموه إلى جانب الأشقاء في مصر في كل مناسبة، وبشكل يعكس إيمانه بمواقفه وجديته في تنفيذها. والأمر ذاته يحدث مع سوريا واليمن والعراق وليبيا، فالقيادة الاماراتية الرشيدة، وعلى رأسها صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة ـ حفظه الله ـ مهمومة بشكل حقيقي بقضايا أمتها، وتدرك تماماً تجارب التاريخ وتقف على دروسها وعبرها، وعلى يقين من خطورة تجاهل ما يحدث للملايين من العرب المشردين في ملاجىء خارجية ونازحين في داخل دول عربية عدة بسبب شهوة جماعات وتنظيمات الارهاب إلى القتل وسفك الدماء وانتهاك كل الأعراف والقيم والقوانين الدولية والمبادىء الدينية.
باختصار، تحركات صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي وزيارته لروسيا مؤخراً تصب في مصلحة البحث عن حلول للقضايا العربية، والتصدي لتنظيم داعش الارهابي الذي بات خطراً حقيقياً يهدد بقضم مزيد من الأراضي العربية، ويحول المنطقة إلى ساحة للفوضى تغيب فيها دول عريقة مثل العراق وسوريا عن الخارطة، ويبقى مصير الملايين بين يدي هذا التنظيم البغيض!! كما تصب في سلة البحث عن تخليص اليمن قبضة جماعة الحوثي واستعادة الشرعية الدستورية ومعها الأمن والاستقرار لهذا الشعب الشقيق.
البعض يشكك في نوايا الامارات وقيادتها الرشيدة، ولكن هؤلاء الحاقدون لا يطرحون بدائل للمواقف القومية الاماراتية المشرفة تجاه مساندة الأشقاء، ولا يأبهون بمصير ملايين العرب في صحاري ليبيا والعراق وسوريا وملاجىء المناطق الحدودية مع المملكة الأردنية ولبنان وتركيا وغيرها من مظاهر معاناة الشعب السوري الذي لا يستحق كل هذا العناء والمعاناة والمصير المجهول!! وكان بوسع الامارات أن تنكفىء على نفسها وتلتزم الصمت وتتجاهل كل مايدور من حولها وتوفر مخصصات مالية هائلة توجه لهذه الجهود، لاسيما في ظل تراجع أسعار النفط ومايفرزه من ضغوطات على موازنات الدول المنتجة، ومنها الامارات، ولكن هذا البديل لا مجال له ضمن خيارات السياسة الخارجية الاماراتية، ولا سابقة له في تاريخ الدولة التي عرف عنها اغاثة الملهوف وتقديم العون للمحتاج في كل حدب وصوب، فما بالنا والمصاب عرب أشقاء تؤمن القيادة الاماراتية بأن لهم حقوق لا نقاش فيها ولا جدال.
ستبقى الامارات عوناً لاشقائها رغم أنف الحاقدين والمغرضين، وستبقى قيادتها وفية لقيمها ومبادئها وثوابتها، فالرجال كنوز لا تعرف قيمتها سوى عند الحاجة، وهكذا مدرسة زايد الخير والعطاء، نموذج للوفاء والايمان بقوميتها وعروبتها.
&