صادف يوم الثلاثاء من الأسبوع الماضي، الخامس عشر من الشهر الحالي، اليوم العالمي للديمقراطية الذي اقرته الجمعية العامة للأمم المتحدة في قرارها رقم: (A/62/7-2007) في العام 2007م، والذي بموجبه حثت الحكومات في العالم – وخصوصا حكومات دول العالم الثالث – على تعزيز البرامج الوطنية المكرسة لتعزيز وتوطيد الديمقراطية، بطرق منها زيادة التعاون الثنائي والاقليمي والدولي مع مراعاة النهج الابتكارية وافضل الممارسات. كما قررت الاحتفال بهذا اليوم من كل عام، اعتبارا من دورتها الثانية والستين، وطالبت بلفت انتباه جميع الناس للاحتفال به لأهميته في حياتهم.

موضوع – او شعار - اليوم العالمي للديمقراطية لهذا العام هو "توفير حيز للمجتمع المدني". يلعب المجتمع المدني دورا اكثر اهمية هذا العام، حيث يستعد العالم لتنفيذ خطة التنمية الجديدة التي اتفقت عليها جميع حكومات العالم، ومع ذلك تتقلص مساحة العمل المتاحة لنشطاء المجتمع المدني والمنظمات في كثير من بلدان العالم الثالث، وفي كثير من الاحيان تغلق هذه المنظمات بسبب القيود الحكومية التي تحد من قدرة هذه المنظمات على العمل او الحصول على التمويل.

وفي رسالته بهذه المناسبة، يقول "بان كي مون" الامين العام للأمم المتحدة: "ان المجتمع المدني هو أوكسجين الديمقراطية، وان النماذج الديمقراطية الاكثر استقرارا في العالم حيث تعمل الحكومة والمجتمع المدني معا على تحقيق الاهداف المشتركة، ويعمل المجتمع المدني كعامل محفز للتقدم الاجتماعي والنمو الاقتصادي، كما يلعب دورا حاسما في الحفظ على مسائلة الحكومة، ويساعد على تمثيل المصالح المشتركة للسكان، بما في ذلك المجموعات الاكثر ضعفا". ويضيف الامين العام: "ان دور المجتمع المدني لم يكن في اي وقت مضى اكثر اهمية مما هو عليه الآن، ومع ذلك فإن حرية العمل آخذة في التناقص او حتى في سبيلها للاختفاء، لذا تم اختيار موضوع "توفير حيز للمجتمع المدني" لهذا العام.

ان العلاقة بين المجتمع المدني والديمقراطية هي علاقة تداخل وترابط، فالمجتمع المدني ينتعش في اطار نظام ديمقراطي، كما يشكل في الوقت نفسه ركيزة اساسية لتحقيق التحول الديمقراطي، وترسيخ الديمقراطية على نحو يضمن لها الاستمرارية والاستقرار. ويمكن فهم هذه العلاقة في ضوء عدة اعتبارات منها: ان مؤسسات المجتمع المدني ومنظماته تتوسط العلاقة بين المجتمع والدولة، وتعمل كحلقات وصل مؤسسية وسيطة بينهما. ولذلك فهي تحمي المواطن من تعسف السلطة، وتحمي السطة من اعمال العنف السياسي التي قد تلجأ اليها بعض القوى والجماعات عندما تعجز عن توصيل مطالبها عبر قنوات مؤسسية وبطريقة سلمية.

كما تقوم مؤسسات المجتمع المدني بدور هام في تدريب اعضائها على المشاركة سواء من خلال الانتخابات الداخلية التي تتم في هذه المؤسسات، او من خلال انشطتها الاخرى. كما تقوم بدور هام في نشر ثقافة الديمقراطية والدفاع عن حقوق الانسان ضد اي انتهاكات، والمشاركة في الرقابة على الانتخابات، ومراقبة اداء الحكومة مع المناقشة العلنية لسياساتها وقراراتها. كما ان مؤسسات المجتمع المدني تقدم بدائل موضوعية ينخرط فيها افراد المجتمع بشكل طوعي على اسس تتجاوز حدود الولاءات والانتماءات القبلية والعرقية والدينية والمذهبية، مما يحد من التأثيرات السلبية لهذه الانتماءات على عملية التحول الديمقراطي.

كما ان قوى المجتمع المدني ومؤسساته استطاعت في عديد من الحالات، خاصة في شرق أوروبا وامريكا اللاتينية، ان تقوم بدور هام ومؤثر في إحداث عملية التحول الديمقراطي خلال الموجة الثالثة في التسعينيات من القرن الماضي. فهذه القوى مارست ضغوطا وقامت باحتججات واسعة النطاق، مما اجبر نظما تسلطية حاكمة على التخلي عن السلطة طواعية او القبول بخيار التحول الديمقراطي سلميا. ولا شك في ان التحول الديمقراطي الذي يأتي بضغوط من قبل قوى المجتمع المدني، وعبر مفاوضات ومساومات بين النخبة الحاكمة وهذه القوى تكون فرصته في الاستمرارية والاستقرار افضل من التحول الذي يتم من اعلى، اي بمبادرة من نخبة حاكمة تهندس عملية التحول وترسم حدودها حسب مصالحها. كما ان وجود قوى ومؤسسات حية وفاعلة للمجتمع المدني يقلص فرص النخب، خاصة النخب الاقتصادية من السيطرة على النظام الديمقراطي، حيث تعمل هذه القوى على ضمان تطبيق قواعد اللعبة السياسية الديمقراطية من خلال توفير قنوات للمشاركة والرقابة الشعبية.

وبالنظر الى الوطن العربي، يلاحظ إنه قد حدثت زيادة كبيرة في عدد منظمات المجتمع المدني خلال العقدين الأخيرين، إلا ان دورها إتسم في الأغلب الأعم بالضعف والهشاشة نتيجة لعوامل عديدة منها كثرة القيود القانونية والسياسية والادارية والأمنية المفروضة عليها من قبل النظم الحاكمة. فضلا عن المشكلات الذاتية التي عانى ويعاني منها الكثير من منظمات المجتمع المدني بدرجات متفاوتة واشكال مختلفة، مثل ضعف حجم العضوية، ونقص التمويل، وغياب او ضعف الالتزام بالديمقراطية الداخلية.

وعلى الرغم من كل السلبيات التي عانى منها المجتمع المدني في الدول العربية، إلا ان بعض مؤسساته خاصة تلك المعنية بقضايا حقوق الانسان لعبت دورا هاما في فضح الممارسات التسلطية لبعض النظم الحاكمة، والترويج لبعض المطالب الاصلاحية. كما انخرطت بعض قوى المجتمع المدني ومنظماته في حركات احتجاجية سلمية ضد النظم الحاكمة في بعض الدول، وقد اسهم ذلك في تهيئة الارضية التي انطلقت منها انتفاضات الربيع العربي، التي راحت ترفع شعارات ومطالب الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية واحترام حقوق الانسان ومحاربة الفساد وفضح الفاسدين.&

إن وصف نظام حكم بالديمقراطية يجب ألا يتوقف على احتذائه بنموذج معين، بل على التزامه بالمعايير والاجراءات التي تعتبر ضرورية للديمقراطية، وهي الاحتكام الى الشعب وفق آلية الانتخابات النزيهة، والمنافسة الحرة المتكافئة، والمشاركة المفتوحة أمام جميع القوى السياسية في المجتمع في جو من الحرية والمساواة.

المصدر: التحول الديمقراطي من منظور عربي – د. حسنين توفيق إبراهيم، استاذ العلوم السياسية، جامعة القاهرة - (مجلة الديمقراطية – العدد 49 – يناير 2013).&