هذا الصباح قرأت حوارًا أجري مع المفكر الفرنسي ميشال أونفري، احتفظت منه بالفقرة التالية:

مهمّ جدّا التضادّ بين المتمرد والثوري. فالثوري هو رجعي المستقبل لأنه سيدافع عن النظام حالما يصعد الى السلطة بعد أن يطيح بالحاكم الذي سبقه. وهذا ما نراه بالفعل في النزعات الرجعية الملكيّة عند روبسبيير حالما قضى على لويس السادس عشر. وهذا ما نعاينه أيضا لدى لينين الذي فعل ما هو أفظع من أفعال القيصر الذي لم يقتل رميا بالرصاص مثله جموعا غفيرة من الناس فقط لأنهم معارضون له.

المتمرد يقول لنا إنه لا سياسة من دون قيم أخلاقيّة. أما الثوري فيعلن أن السياسة والأخلاق متضادّان، وأنهما ينتميان الى حقلين مختلفين، لذا فإن السياسة تحتم علينا أحيانا أن نقوم بأعمال تتنافى كليّا مع الأخلاق. في المقابل، المتمرّد هو من يقول لا دائمًا. ويقول إن هناك قيمًا أخلاقيّة لا يمكن تجاوزها. وأنه لا شيء يبرّر الخطأ، والجريمة، والقتل، والتزوير. وخلافًا لما يؤكده كلّ من ماكيافالي وتروتسكي، فإن الغاية لا تبرّر الوسيلة!

الافكار الواردة في هذه الفقرة جعلتني أتأمل بتبصر ودقة في الحالة التونسية بعد انهيار نظام زين العابدين بن علي... فقد اقتحم المشهد السياسي من زعموا أنهم "ثوريون"، وراحوا باسم "ثورة الكرامة والحرية" يحاكمون من يخلفونهم في الرأي والفكر، ويلقون في السجون وزراء النظام القديم، ويطردون من وزارة الداخلية ضباطا كبارا سهروا على امن تونس واستقرارها على مدى عقود طويلة، ويعدّون قوائم سوداء في من سموهم بـ”أزلام النظام" رغم أن البعض من هؤلاء كانوا في عداد الأموات منذ سنوات طويلة. وهذا ما فعلوه مع الشاعرين جعفر ماجد والميداني بن صالح وآخرين. بل ومنهم من دعا الى ضرورة تسليح الشعب لحماية الثورة".&

لكن سرعان ما سقطت الاقنعة عن الكثيرين من هؤلاء "الثوريين" ليعلم التونسيون أن هؤلاء كانوا يتعاملون في الخفاء وفي العلن مع نظام بن علي، وأنهم حصلوا في عهده على امتيازات مادية كبيرة. وأمّا الذين كانوا يتباهون بنضالاتهم من أجل الفقراء أو “الزواولة" كما يسمونهم في تونس، فقد كشفوا عن نهمهم وجوعهم للجاه والسلطة والثروة. وفي ظرف زمني قصير لا يتعدى السنتين، أصبح هؤلاء أثرياء، يتنقلون في سيارت فارهة، ويسكنون فيلات فخمة في الأحياء الراقية، ويطلبون من وزارة الداخلية الحماية الأمنية بعد أن كانوا ينددون بـ”دولة البوليس"، ويحرضون على حرق الثكنات ومراكز الشرطة! وثمة سيدة كانت لسنوات طويلة تحصل على مساعدات كبيرة من المنظمات الدولية لحقوق الانسان باسم نضالاتها ضد "الديكتاتور بن علي"، أنشأت إذاعة خاصة وانتدبت فيها البعض من الشبان والشابات. لكن بعد بضعة أشهر، طردتهم من دون أن تكلف نفسها دفع أجرتهم! وعندما عيّنت هذه السيدة على رأس ما تسمى بـ”هيئة الحقيقة والكرامة"، سمحت لنفسها باقتحام القصر الرئاسي بقرطاج للإستحواذ على الارشيف. كما أنها اقتنت سيارات فخمة مدعية أن عملها يقتضي ذلك! وربما لهذا السبب أصبح التونسيون يسمون الثوريين المشبوهين والمنافقين بـ”الثورجيون". وأظن أن هذا الاسم ينطبق على جميع من فرختهم "ثورة الكرامة والحرية" بعد أن تبين أنهم يشتركون في انعدام الحس الوطني عندهم، وفي تبجحهم بما لا يملكون من صفات ثورية وانسانية، وفي جشعهم، وفساد نواياهم!
&