&
يشاء الله أن تتعانق ذكرى احتفال مصر وشعبها بثورة 25 يناير المجيدة بذكرى أخرى خالدة يحتفي ويحتفل بها أصدقاؤنا الآذريين يوم 20 يناير عام 1990، حيث إحدى البطولات الإنسانية التي قدمها شعب أذربيجان ضد المحتل السوفييتي. فحين تريد الشعوب الحرية فورا يستجيب القدر، وحين أراد الشعب الآذاري والمصري التحرر من نير الظلم والاستبداد نالا ما أرادا، وتعانقت أرواح ضحت لأجل الحلم النبيل في ذكرى يناير من باكو وحتى القاهرة.
في مثل هذا اليوم تحل ذكرى أليمة هي الذكرى السادسة والعشرين لها، حيث كشفت صفحة السماء ووجه الأرض عن أبشع صورة للجيش الأحمر التابع للاتحاد السوفييتي سابقا، والذي قرر أن يكون آداة للقتل وانتهاك الأجساد وإذهاق الأرواح في عاصمة التاريخ والعلم والسلام باكو.
هناك علا صوت الحرية ونادى البرءاء من الحالمين بها ونددوا بالاستبداد في تظاهرات سلمية واجهها رسل القتل من السوفيتيين بالدبابات والرشاشات الثقيلة، متجاهلون كل ما قدمه الآذريون من تضحيات لا تحصى لهم في أيام الحرب العالمية الثانية حين كان الألمان يحصدون أرواح السوفييت وغيرهم!
استنكر السوفيتيون على الشعب الحر مطالبته بأراضيه المغتصبة من الأرمن، كما استنكروا على مئات الألوف من الآذريين المشردين من منازلهم وأراضيهم تنديدهم بحماية السوفييت للمغتصب وإعانته على جرائمه ضدهم!
فمنذ أواخر الثمانينيات انتهجت دولة إرمينيا وبرعاية سوفيتية شبه كاملة سياسة تشريد جماعى لمئات الآلاف من الأذربيجانيين من أراضيهم التاريخية التى نزعتها روسيا القيصرية ثم النظام السوفيتى من أذربيجان لصالحها، وكذلك غض الطرف السوفييتي عن الأعمال الإرهابية لإرمينية، فضلا عن المواجهة الإجرامية لمطالب الحرية والاستقلال التي نادى بها الشعب الآذري أواخر الثمانينات من القرن الماضي.
ولم يجد القمع والقتل السوفييتي نفعا مع أبطال أذربيجان، ففى منتصف ليلة العشرين من شهر يناير 1990 قامت القوات السوفيتية بالهجوم على باكو من كافة الاتجاهات، برا وبحرا، وذلك فى محاولة يائسة وفاشلة تماما لإنقاذ النظام الشيوعى ودحر الكفاح الوطنى التحررى الأذربيجانى، وكان هجوما غير مسبوق من حيث اعتدائه على مواطنين مسالمين غير مسلحين فى أذربيجان السوفيتية آنذاك.
فبحجة "إعادة النظام إلى المدينة" اقتحم الجيش السوفيتى المدينة بوحشية بالغة محاولا سحق حركة التحرر التى كانت تحظى بالتأييد وبالزخم، وأباد الجيش وسحق بالدبابات والمدافع الرشاشة كل شىء فى الأفق".
ومن المفارقات الغريبة أنه في الوقت الذي كان الغرب يرشح ميخائيل جورباتشوف، رئيس اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفيتية والمسئول الأول عن هذه الجرائم للفوز بجائزة نوبل للسلام، كان وزير الدفاع السوفيتى ديمترى يازوف، يعترف فى تصريحات له &بأن الجيش الأحمر هاجم باكو "لمنع الاستيلاء الفعلى على حكومة أذربيجان من قِبل المعارضة غير الشيوعية، ولمنع إحرازهم الانتصار فى الانتخابات الحرة المقبلة (التى كان مقررا انعقادها فى مارس 1990) وللقضاء عليهم باعتبارهم قوة سياسية، وتأمين استمرار وجود الحكومة الشيوعية فى السلطة".&
وكانت منظمة هيومان رايتس واتش (مراقبة حقوق الإنسان) قد أشارت فى تقريرها حول الأمر بعنوان "يناير الأسود فى أذربيجان" إلى أنه: "لم يكن العنف الذى استخدمه الجيش السوفيتى ليلة 19-20 يناير متكافئ بأى حال مع المقاومة التى أبداها الآذريون، حتى أنه تحول إلى ممارسة للعقاب الجماعي.&
وهذا ليس بمستغرب على الدول الغربية وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية التي تأبى حتى الآن تنفيذ قرارات الأمم المتحدة الخاصة بحق استعادة أذربيجان لأراضيها المغتصبة من إرمينيا.
&
بيد أن الغزو لم يحقق للقيادة السوفيتية ما أرادته، وتحول يناير الأسود والدماء التي سالت إلى بركان غضب سقط فيه الحكم السوفييتي للأبد، فتسلح الشعب الآذرى؛ بإصرار لم يشهده من قبل؛ على مواصلة مسيرة تحرره فكان له ما أراد.&
وفى جلسة تاريخية عقدت فى الثامن عشر من أكتوبر لعام 1991، أصدر المجلس الأعلى لجمهورية أذربيجان بالإجماع، القانون الدستورى "حول استقلال الدولة فى جمهورية أذربيجان". وتلى هذا القرار استفتاء وطنى فى جمهورية أذربيجان فى 29 ديسمبر 1991. وضمت ورقة الاقتراع فى هذا الاستفتاء سؤالا واحدا هو: "هل تؤيد القانون الدستورى لاستقلال الدولة فى جمهورية أذربيجان؟" وصوت شعب أذربيجان بالإجماع تأييدا لتجديد وضع استقلال الدولة.
لقد أصبحت أذربيجان اليوم بلدا يتطور بديناميكية بمعدلات نمو غير مسبوقة. وتحولت أذربيجان إلى قائد إقليمى وشريك جدير بالثقة فى العلاقات الدولية، وذلك بفضل الإصلاحات الديمقراطية والاقتصادية الثابتة والحكم الرشيد والإدارة الفعالة للبلاد.&
&
صحفي وباحث متخصص في شئون آسيا السياسية والاقتصادية