تكاد سنوات تولي باراك أباما للرئاسة الأمريكية الثمانية تنتهي دون ان يترك إرثاً يسجله له التاريخ سواء في جانب الانتصارات السياسية والعسكرية أو المواقف الدبلوماسية التى إدلت إدارته بدلوها فيها هنا وهناك.

أزعم ان إدارته لن تحظي بتقدير حتى من حلفائها في أوربا وفي شرق أسيا! أما في الشرق الأوسط الكبير الممتد إلي إيران وتركيا فالواقع المُعاش فعلياً ينطق بلسان الفوضي والتضارب وتواري فرص السلام والأمن والإستقرار، إلا علي مستوي الحليف الإسرائيلي.
&
كان المراقبون الدوليون يتوقعون منه ضمن مشاركته في قمة حلف شمال الأطلنطي الأخيرة التى عقدت منتصف شهر اغسطس الماضي في وارسو، أن يواجه المشاكل التى شاركت ادارته في صنعها سواء علي الحدود مع روسيا أو علي مستوي علاقة الكوريتين او في الشرق الأوسط، ولكنه لم يفعل. وحتي علي مستوي التبعات السلبية التى بدأت تظهر علي سطح سياسات دول الإتحاد الأوربي علي أثر خروج المملكة المتحدة منه، لم يقدم حلولاً قابلة للتحقيق! لذلك إتفقوا علي أن مشاركته الأخيرة هذه ستضيف إلي الملفات الثقيلة التي سيُورثها للرئيس الأمريكي القادم عبئاً إضافياً هو ليس في حاجة إليه.
&
أما الإتفاق مع إيران الذي هندسته إدارته مع أطراف دولية أخري ( بقية أعضاء مجلس الأمن + ألمانيا ) لكي تتجنب واشنطن المواجهة المباشرة معها، فلم يعد يحظ بنفس الثقة التى كشف عنها عقب التوقيع عليه. لأن سياسات طهران منذ منتصف العام الماضي علي كافة المستويات لم تتغير ولم ينجم منها أية إيجابيات يمكن الإعتداد بها لبناء ثقة وحسن نية بينها وبين الغرب بصفة عامة ودول الجوار العربي بصفة خاصة.
&
حتى إعادة العلاقات مع كوبا بعد إنقطاع دام لأكثر من ستة عقود، بانت بعض مثالبه المخزية التى بدأت تحاصر إدارته ومستشاريه علي المستويين السياسي والإقتصادي.
&
إلي جانب ذلك&لم تتوقف الحروب كما خطط الرئيس في اولي سنوات توليه المسئولية. فلم يسحب " جميع قوات بلاده التى تحارب خارج الحدود "، بل يمكن القول أنه أعاد عدة مئات منها إلي العراق مرة أخري تحت مسميات جديدة، ولم يخفض عددها لا في افغانستان ولا في الصومال ولا في تونس أو في النيجر.. ولا زالت بعضاً من قواته الجوية متمركزة في قواعد أجنبية هنا وهناك، لتحقيق أهداف قتالية يبدو أنها ليست قريبة المنال، بزعم أنها لا تشارك في حروب أهلية وأنما " تكافح من أجل القضاء علي منظمات إرهابية تمثل تهديداً مباشراً للمصالح الأمريكية في تلك المناطق أو قر يباً منها ".
&
أما مساعيه من أجل التوصل إلي سلام بين المحتل الإسرائيلي والشعب الفلسطيني، يقوم علي إقامة دولتين " لأنه الحل الذي يخدم مصالح كافة الأطراف وفي مقدمتها الولايات المتحدة "، فلم تحظ منه بالإهتمام الكافي كترجمة عملية لشعار " حتمية تعيير سياسات أمريكا الخارجية " الذي رفعه خلال حملته الإنتخابية، لأن اللوبي الإسرائيلي داخل بلاده شغله منذ اليوم الأول بـ " التهديدات التى تواجه إسرائيل " ومن ثم اصبح شغله الشاغل أن يوفر كافة الضمانات لحكوماتها العنصرية لكي تبقي " قادرة علي الدفاع عن نفسها في وجه التهديدات التى تعمل علي هدم استقرارها وتعريض أمن مواطنيها للخطر ".
&
كافة هذه الخلاصات&لا تتفق من قريب او من بعيد مع مقولة الرئيس الأمريكي التى أطلقها من داخل جامعة القاهرة يوم الرابع من يونية عام 2009 – بعد أربعة اشهر فقط من توليه المسئولية للمرة الأولي - حين أكد ان سياسة إدارته الخارجية سترتكز علي " المصالح المشتركة والإحترام المتبادل والعمل مع كافة الحلفاء الأصدقاء علي توسيع رقعة السلام بعيداً عن التنافس غير الإيجابي من أجل رفع الظلم عن الشعوب ودعم الديموقراطية ".
&
ولا تتفق مع حالات التدهور المتتالي التي تعيشها الكثير من البلدان التى يتحارب أهلها خاصة في منطقة الشرق الأوسط لتوسيع رقعة الفوضي، ولا مع التحالفات غير المبررة مع أطراف من خارج المنظومة العربية تطعن في الظهر شعوب منطقة الخليج العربي وحكوماتها.
&
ولا تتفق مع المخططات المعلنة والخفية الساعية بدأب لتقسيم الأوطان العربية بين فئات متناحرة من بين أبنائها تدعمها ميليشيات أجنبية تقوم الأجهزة الأمينة الأمريكية بدعمها بالمال والسلاح والخبرات العسكرية والقتالية.
&
ولا مع دعاوي محاربة الإرهاب التى يتمدد داخل الكثير من دول الشرق الأسط، وتستنزف العديد من ميزانيات الدول النفطية بعقد صفقات لا متناهية لبيع السلاح لها في نفس الوقت الذي تضغط علي دول أخري لكي تقوم بسداد فاتورة تكاليفه التي تتخطي ملايين الدولارات مع إشراقة كل صباح جديد.
&
ولا مع إستسلام إدارته لقواعد اللعبة الروسية الأمينة والسياسية فيما يتعلق بالملف السوري التي بموجبها تمكنت موسكو من إبعاد واشنطن إلي خارج الملعب بشكل مزري كما يجمع الإعلام الأوربي.
&
إلا مع اسرائيل، فالوضع شديد الإختلاف.
&
تحدثوا عن كراهية شبه شخصية بين الرئيس الأمريكي وبنيامين نتنياهو وخاضوا في اختلاف وتضارب المكونات الكيميائية لكل منهما. وأشاعوا أن قدرة الثاني علي تحريك اللوبي الإسرائيلي في الولايات المتحدة لعرقلة سياسات البيت الابيض السلمية تجاه الشعب الفلسطيني إنتصرت بنسبة كبيرة علي أفكاره التى كان يخطط لوضعها موضع التنفيذ.
&
وتوقع كثيرون أن تنتهي فترة حكم باراك أوباما الثانية بفجوة ما بين تل ابيب وواشطن، لكنها خُتمت بتوقيع صفقة عسكرية " قياسية بكل المقاييس " بين الطرفين بلغت قيمتها 38 بليون دولار تغطي عشرة أعوام، وصفها الخبراء بأنها الأكبر علي مستوي الإلتزامات الأمريكية – المتواصلة لعشرات السنين - بتقديم مساعدات عسكرية لإسرائيل.
&
بروتوكول الإتفاق الذي يغطي السنوات من 2019 إلي 2028 يضمن يعطي إسرائيل الحق في الحصول علي مساعدات بأكثر من 23 % مما حصلت عليه خلال ميزانية العام الجاري ( 2016 / 2017 ). ويمنحها طوال هذه الفترة حق تجديد قدرات طائراتها الحربية وتحسين قدراتها الهجومية + تعزيز قدرات قواتها البرية القتالية وإمدادها بكل ما هو جديد في مجال الخطط الدفاعية التى تضمن وزارة الدفاع الأمريكية نجاحها بنسبة عالية + إمدادها بكل ما له علاقة بنظم الدفاع الصاروخية المستحدثة وفق التقنيات المتطورة.
&
وهو شديد الإختلاف علي الساحة الإسرائيلية، ولكن من الوجهة المعاكسه.
&
لماذا؟
&
لأن تل ابيب كانت تضغط لأشهر طويلة بغية أن تحصل بموجب هذا الاتفاق علي 50 مليار دولار خلال نفس الفترة الزمنية! لذلك وصفت معظم وسائل إعلامها بروتوكول الإتفاق بأنه لا يلبي " إحتياجات الأمن القومي الإسرائيلي ويُعرض إستقرار مجتمعها للخطر ".
&
وحقيقة الأمر تؤكد&أن نتيناهو وافق من حيث المبدأ علي إبرام هذا الإتفاق مع إدارة أوباما علي أمل أن يحظي بتوقيع ملحق له مع إدارة الرئيس الجديد يضيف إليه بعض المزايا التى قبل ان يتنازل عنها " مؤقتاً " لحاجة برجماتية يجيد إخفائها.
&
لذلك هناك من يتوقع له أن ينجح في تعزيز مطالب جكومته العنصرية فيما يتعلق بتحسين دفاعات القبة الحديدية وفي الحصول علي عدد آخر من المقاتلات طراز " إف / 35 "، ومن المؤكد أنه سيعمل فور أداء الرئيس الأمريكي الجديد لليمين الدستورية في يناير القادم علي ان تسمح واشنطن لحكومته باستخدام 26 % من المساعدات المالية لتحسين صناعاتها الدفاعية بدلاً من أن تشتري بها أسلحة أمريكية الصنع – كما ينص الاتفاق - وان تتوقف عن استخدام ما يوازي 13 % منها في شراء وقود عسكري هي قادرة علي الحصول عليه بثمن أقل من أطراف أخري.
&
&