في منطقة جغرافية تعد الأخبار السيئة ومشاهد القتل والاحتراب أحد أهم منتجاتها التصديرية إلى العالم، أبهرت دولة الامارات العربية الجميع بالأمس من خلال تعديلات وزارية شملت استحداث وزارات نوعية منها وزيري دولة للسعادة، والتسامح.
حديث الامارات، قيادة وشعباً، عن السعادة أمر ليس بطارىء ولا عابر، فهي تتصدر عربياً وخليجياً هذا المؤشر خلال السنوات الأخيرة، كما تحتل المرتبة الـ 20 فيه عالمياً، وهذا المؤشر الدولي يعكس جودة الأداء الحكومي ومدى تحقيقه للرضا الشعبي، حيث يعتمد على معايرة عناصر مثل الحياة في صحة جيدة، ونصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي، وتوافر الدعم الاجتماعي وسهولة الحصول عليه، والثقة في شفافية العمل الاقتصادي، ومستوى الفساد في القطاع الحكومي والمؤسسات العامة، والشعور بالحريات وغيرها. ومن ثم فإن استحداث وزارة دولة هدفها ربط البرامج الحكومية بهذا الهدف الحيوي، لا يعد أمر احتفالي أو ثانوي بل حصاد سنوات مضت من العمل والانجاز، فهو هدف حيوي يقع في قلب التخطيط الاستراتيجي الاماراتي من أجل تعزيز تنافسية الدولة في هذا المؤشر الدولي من خلال منظومة تخطيطية دقيقة أنتجت في العام الماضي ـ على سبيل المثال ـ فوز الدولة بالمركز الأول عالمياً في مؤشر «إدلمان للثقة لعام 2015»، وهو انجاز نوعي عالمي بكل المعايير، حيث يقيس هذا المؤشر ثقة الشعب في الحكومة والثقة في متانة الاقتصاد الوطني، كما حصلت على المرتبة الأولى عالمياً أيضاً في مقدرة الحكومة على تعزيز الابتكار.
ولاشك أن هذه النجاحات الدولية، رغم أهميتها الاقتصادية والتنموية وعلى صعيد التنافس العالمي، ليست الهدف الأوحد، بل إن أحد أهم جوانب الأهمية في هذه المؤشرات أنها توفر تقييماً دولياً حيادياً لمسيرة العمل الوطني، وتعكس مدى جودة الأداء التخطيطي والتنفيذي للقيادة الرشيدة، وعلى رأسها صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة ـ حفظه الله. وأخيه صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي ـ رعاه الله ـ وإخوانهما أصحاب السمو حكام الامارات، وصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبو ظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة.
منصب وزاري آخر استحدثته دولة الامارات في التعديلات الوزارية الأكبر من نوعها في تاريخ البلاد، هو منصب وزير التسامح، وهو منصب لا يقل أهمية وتأثيراً عن تحقق هدف السعادة المجتمعية، فالامارات التي وصفتها مجلة "فوربس" الشهيرة العام الماضي بأنها "واحة للأمن والاستقرار والحداثة والتسامح"، تعد بالفعل من أكثر دول العالم قناعة بأهمية تكريس قيم التسامح والتعايش المجتمعي، وقطعت على هذا الدرب أشواطاً طويلة، وبذلت جهود مكثفة استفاد منها العالم أجمع، من أجل ضمان تعايش جاليات تنتمي إلى أكثر من 200 جنسية داخل دولة الامارات، فالتسامح والتعايش بالنسبة لنا في الامارات كالماء والهواء، لا غنى عنهما، فهي قيم جوهرية في البناء المجتمعي، وبفضلها تتحقق هذه الأجواء الرائعة من الهدوء والاستقرار.
سعي دولة الامارات إلى حصد صدارة المراتب في المؤشرات الدولية ليس أيضاً هدفاً مطلقاً بل يصب في سلة سعي القيادة الرشيدة إلى وضع الدولة ضمن أفضل دول العالم بحلول عام 2012، وهذا التاريخ ـ بالمناسبة ـ محطة زمنية مفصلية في تاريخ اتحاد دولة الامارات العربية المتحدة، حيث يعد محطة قياس لنتائج رؤية الامارات الاستراتيجية الامارات 2021، أي بعد نحو نصف قرن من تأسيسها، وهي رؤية استراتيجية طموحة تتضمن سبعة مبادئ عامة وسبع أولويات استراتيجية وسبع ممكنات استراتيجية أيضاً، وتستهدف بناء مجتمع متلاحم متمسك بهويته وخصوصيته القيمية والثقافية، وبناء نظام تعليمي رفيع المستوى، ونظام صحي بمعايير عالمية، واقتصاد معرفي تنافسيـ ومجتمع آمن، وقضاء عادل، وبيئة مستدامة، وبنية تحتية متكاملة، وبلوغ مكانة عالمية تنافسية.
لقد تميزت الامارات خلال السنوات الأخيرة في مختلف المؤشرات والتقييمات الدولية التي تقيس مؤشرات الشعور بالسعادة والرضا العام والتنمية البشرية والرفاه الاجتماعي والازدهار الاقتصادي والحكم الرشيد، وهي سياسات ليست وليدة هذه السنوات الفائتة فقط،بل انطلقت من أسس وركائز قوية وضعها المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان - طيب الله ثراه – الذي وضع قواعد الاستراتيجيات الوطنية الداعمة لتحقيق الرفاه للمواطنين، حيث كان ـ طيب الله ثراه يؤكد دائما على "إن غايتنا الأساسية هي توفير الحياة الكريمة للمواطنين باعتبارهم الثروة الحقيقية لحاضر هذا الوطن ومستقبله".
التطور الاماراتي يمضي إذا وفق اعتبارات عدة أولها التطور التخطيطي والبناء على ماسبق، فحصاد الأمس ينطلق من انجازات سابقة تم التخطيط لها بعناية فائقة ولم يكن وليد اللحظة، وثانيها السعي وراء أهداف تنموية تضمن أقصى معدلات الرفاه الاجتماعي والمعيشي للمواطنين، باعتبارهم الهدف المحوري من وراء هذا الجهد كله، وثالثها إبداع النموذج، أي بناء نموذج تنموي تنافسي عربي يحتذى على المستويين الاقليمي والدولي، وهو هدف حضاري نبيل يسهم في تخليص المنطقة من سلبيات الاخفاق التنموي والتخطيطي ويحفز إرادة الشعوب والحكومات على التخطيط والعمل والانتاج.&
أحد الأهداف التي تتحقق أيضاً من خلال التخطيط الاستراتيجي الاماراتي تتمثل في بناء بيئة عربية حاضنه للابداع والابتكار، وتقديم نموذج تنموي حضاري بهوية عربية إسلامية أصيلة إلى العالم، ربما تعتقد شرائح كبيرة من سكانه أن العرب والمسلمين لم يعد لديهم المقدرة سوى على إنتاج تنظيمات التطرف والارهاب!!.
&