&
قوى العالم المختلفة، اجتمعت في سوريا، واتفقت على القضاء على داعش، حتى خُيل لنا أن هذا التنظيم عصي على التلاشي والتفكك، وكأنه يضم نصف جيوش الكرة الأرضية، فعلى مدار عامين، والطائرات الأمريكية التي تقود تحالفاً يضم دولاً عدة، تقصف أعضاء التنظيم، دون جدوى أو مكاسب ملموسة على أرض الواقع، كأن هذه الطائرات تطارد أشباحاً لا ينتمون إلى جنس البشر، حتى دخلت روسيا في اللعبة، وأرسلت قواتها لسوريا، لحماية نظام بشار الأسد من السقوط، وحماية الدولة من الفوضى، خوفاً من أن تتحول إلى عراق أو ليبيا أخرى، هكذا كانت وجهة نظر روسيا، في تدخلها ضد التنظيمات الإرهابية في سوريا..
القارئ للمشهد في العراق أو سوريا، يشعر بأن هناك حرباً عالمية تجري على أرض بلاد الشام، فالقوى العظمى اجتمعت واتفقت على إعلان الحرب ضد داعش، في حين اختلفت النوايا، فهناك دول تبحث عن حماية مصالحها، وهناك أخرى لها مصلحة في بقاء نظام الأسد، وثالثة ترى ضرورة التخلص من الأسد وآزاحته من المشهد خلال المرحلة القادمة، ورابعة ذهبت للقتال فقط من أجل تجربة أسلحتها الجديدة في حرب حقيقية..
من هنا، ولهذه الأسباب استمر تنظيم داعش في جرائمه ضد الأبرياء دون رحمة، بعد أن لمس أن كل هذه القوى العظمى التي اجتمعت على أرض سوريا لم تأت لمحاربته أو القضاء عليه، بل وجد أن كل دولة "تغني على ليلاها"، حتى فاجأ الجميع وتجاوزت جرائمه الحدود السورية ووصل إرهابه إلى أوروبا خاصة فرنسا وبلجيكا، وحالياً يفكر في غزوات أخرى ضد دول أوروبية عدة، بعد أن أخطأت في تقدير واحترام خطورته..
في ظل تركيز قوى التحالف الغربي على داعش سوريا والعراق، نرى داعش ليبيا يتوحش ويتمدد داخل الكثير من المدن الليبية، خاصة سرت وطرابلس وغيرهما، كما بدأ هذا التنظيم في الاستيلاء على بعض حقول النفط، تماماً مثلما فعل في سوريا والعراق، حيث سيطر على الكثير من منابع النفط في الدولتين، وبدأ في بيع البترول إلى دول عدة خاصة أمريكا عبر تركيا التي لعبت دور الوسيط في هذه التجارة الرابحة والرخيصة، وقد يكون انخفاض سعر النفط في الآونة الأخيرة يعود سببه إلى سيطرة داعش على بعض هذه المنابع وبيع النفط بسعر بخس، ما أدى إلى توافره بالأسواق، وبالتالي قل الطلب عليه، بشكل لم يحدث منذ عشرات السنين..
فيما يبدو أن الدول الكبرى لا تريد إنهاء الأزمة مع بدايتها، بل تنتظر تفاقمها حتى تحصل على فاتورة باهظة الثمن، فالجميع يعلم أن داعش ليبيا بدأت خطورته تلوح في الأفق، كما أن أعداد مقاتليه من المرتزقة والمغامرين من دول أوروبا وغيرها بدأت في التزايد، وقد نتفاجأ بأن التنظيم في ليبيا أصبح يضم أكثر من 50 ألف مقاتل، مثلما حدث في سوريا والعراق، ونبدأ نفكر في شن هجمات للقضاء عليه، لتستمر الحرب ضده لسنوات وسنوات كالعادة، بعد أن تدخل الدول الكبرى في اللعبة، وتتعامل مع هذه الحرب بمبدأ الصفقة الرابحة التي تجني من ورائها مليارات الدولارات، لنرى الشعب الليبي وحده هو من يدفع الثمن، ويفقد حياته ومستقبله ويبدأ في البحث عن الهجرة والموت غرقاً في البحر، مثلما حدث مع شعوب أخرى أرادت الهروب من ويلات الحرب، فسقطت فريسة للأسماك المفترسة بالبحار والمحيطات، خلال هجرات غير شرعية، تحولت إلى تجارة رابحة لبعض المستغلين والمتاجرين بهموم البشر..
علينا الانتباه وضرورة التحرك مبكراً للقضاء على داعش ليبيا، ومحاولة تحقيق الاستقرار للشعب الليبي الذي فشل حتى الآن في التعامل مع حكومة تمثله، بعد استقالات عدة لحكومات متتالية، لم تحظ بالوفاق الوطني أو الاتفاق السياسي بين الفصائل المتناحرة والطامعة في السلطة على حساب وطن نجح في إسقاط طاغية (القذافي)، لينعم بالحرية والديمقراطية، ليكتشف أن هناك أكثر من طاغية لديه استعداد لنهش جسد الوطن ونهب ثروات الشعب دون تردد، وكأن لعنة الطغاة تطارد هذه الأوطان، وتدفعها للندم بعد التخلص منهم، طمعاً في الحرية والديمقراطية..!

كاتب صحفي
@sultanhaggar
&
&
&