المظاهرات والإعتصمات تعني رفض المجتمع وإعتراضه على الأداء الحكومي سواء في ما يتعلق منها بتأدية واجباتها الدستورية للمواطنين أوما يتعلق منها بالحريات المدنية والحقوق الأساسية التي غالبا ما يتم تدوينها بشرعة للحقوق والحريات على شكل مواد في دساتيربعض الدول أو حزمة تشريعات قانونية منفصلة تهدف الى نفس الغرض. وغالبا ما يتم تجاوزالحكومات أو عدم إلتزامها بدساتيردولها، خاصة فيما يتعلق منها بتأدية واجباتها تجاه المواطنين أو ما يتعلق منها بالحقوق والحريات، ولذا يكون لزاما على مواطني تلك الدولة القيام بواجبهم في حماية حقوقهم وحرياتهم عبر تنبيه الحكومة إلى تلك التجاوزات،وغالبا ما تصم الحكومات أذانها عن هكذا مطالبات خاصة في دول العالم الثالث ما يؤدي إلى ظهور أشكال رفض أخرى أكثرتعبيرا وربما أكثر عنفا، فكلما إزداد تجاهل الحكومة أو النظام السياسي بكامل مؤسساته في الدولة للتنبيهات الشعبية كلما أخذت هذه "التنبيهات" منحى تصاعدي في الإتساع والشمول وكذلك في إتساع مطالبها لتشمل الإقتصاص ممن صم آذانه عن سماعها، لذا فإن الرقابة الشعبية وليس أية مؤسسة من مؤسسات النظام – أي نظام- هي الضمانة الأساسية في الإلتزام بالدستور والقوانين وفي الحصول على الحقوق وصيانة الحريات.

"اشار الكسندر هاملتون في كتابه "الإتحادي"عندما كان الدستور الأمريكي موضع مناقشة، الى إن الروح المتمسكة بالحرية، تشكل في صفوف الشعب ككل، الحماية النهائية لجميع الحريات، أما التدابير القانونية، فتبقى عقيمة المفعول إن لم تؤيدها الإرادة الشعبية بشكل عام"&
وتطور مظاهرات المواطنين العراقيين إلى إعتصامات ،حصل بسبب تجاهل الحكومة ومجلس النواب للمطالب الشعبية في محاسبة الفاسدين وحماية الأموال العامة التي أوجب الدستور العراقي على كل "مواطن"حمايتها بموجب البند (أولا) من المادة (27) من الدستورالتي تنص على إن" للأموال العامة حُرمة، وحمايتها واجِب على كل مواطن". وكذلك مطالب المتظاهرين في تقليص رواتب المسؤولين الكبار ومخصصاتهم التي تفوق رواتب ومخصصات نظراءهم في أغلب دول العالم، حيث ينص الدستور في ثلاث &مواد على وجوب تشريع قوانين تحدد رواتب ومخصصات المسؤولين الكبار في الحكومية ومجلس النواب والتي لم تشرع لغاية الآن وهي المواد (61/ اولا) و ( 73/ثالثا) و(82) من الدستورالأمر الذي يعني ضمنا عدم قانونية ودستورية رواتب ومخصصات الرئاسات الثلاث لعدم وجود قانون يشرعها، بل يعني ذلك وجوب إستردادها بإعتبارها مخالفة للدستورالذي أحال شرعيتها لقانون يسن لاحقا، والذي لم يسن لغاية الآن. ونفس الأمر ينطبق على رواتب ومخصصات أعضاء مجالس المحافظات ومخصصاتهم وبعض المناصب الأخرى.
كما إن من أهم الحقوق التي ضمنها الدستور حق العمل حسب البند(أولا) من المادة (22) التي تنص على إن"العمل حقٌ لكل العراقيين بما يضمن لهم حياةً كريمةً" فيما ترتفع معدلات البطالة سنويا حتى بلغت 40% من نسبة الشباب، وكذلك حق التعليم بموجب البند(أولا) من المادة (34) التي تنص على إن" التعليم عاملٌ أساس لتقدم المجتمع وحقٌ تكفله الدولة، وهو إلزاميٌ في المرحلة الابتدائية، وتكفل الدولة مكافحة الأمية" وفي البند (ثانياً) من نفس المادة يقول المشرع إن"التعليم المجاني حقٌ لكل العراقيين في مختلف مراحله" ولم يشرع مجلس النواب ولم تتخذ الحكومة العراقية أية خطوات تجاه (إلزامية التعليم في المرحلة الإبتدائية) أو محو الأمية، فيما إتخذت إجراءات فرضت مبالغ على الطلبة في الصفوف المنتهية تخالف نص البند (ثانيا) من المادة أعلاه الخاص بمجانية التعليم.
وثمة بنود دستورية أخرى خالفتها الحكومات المتعاقبة ومجالس النواب في دوراته الثلاث السابقة ربما سنتطرق لها في مقالات لاحقة تبين ضرورة أن تكون ثمة رقابة شعبية -فاعلة ومؤثرة-على ضرورة إجبارالحكومة ومجلس النواب على القيام بواجباتهما الدستورية وإلا فنحن سائرون بإتجاه دكتاتورية من نوع مختلف عن سابقتها، الفرق إنها في هذه المرة مغلفة بغلاف "ديمقراطي" حسن المظهر.
&