&&جاءني احد معارفي مؤخرا مهموما يحمل أثقال الدنيا على كتفية، إستشعرت الألم في داخله وفي عينيه. شاب في مقتبل العمر من أصل فلسطيني جاء من لبنان قبل ثلاثة سنوات وحظي بالحصول على الجنسية البريطانية يعد حرمانه من أي جنسية في بلد اللجوء. يكافح ليبني مستقبل أفضل في لندن. وحين سألته عن سبب همه؟ أجاب بأنه يواجه معضلة قضائية بين لبنان ولندن؟&

&فقد أخته قبل سنوات، تاركة طفلتان واحده في الثالثه والأخرى في السادسة من العمر. وتماشيا مع القانون اللبناني فقد حصلت الجدة على حق حضانتهما. ولكن الأب البريطاني الجنسية، المقيم في لندن والعاطل عن العمل، ويعيش على نظام الضمان الإجتماعي، رفع قضية في المحاكم البريطانية ’يطالب فيها بحضانه طفلتيه. وتبعا للقوانين البريطانية فهو الأولى بالحضانه كأمر طبيعي وأحد حقوق المساواة. ولكن الخال والجدة يرفضون هذا الحكم و’يصرّون على إبقائهما في لبنان لإعتقادهم بأن الأب لن يستطيع القيام بتربيتهن تربية صحيحة إضافة إلى الخوف على مستقبلهن للإختلاف الكبير بين الثقافتين والخوف عليهن من فساد الثقافة البريطانية. إضافة أنه عاطل عن العمل ولن يستطيع تأمين متطلباتهن المادية؟؟؟&
كنت قد واجهت موقفا مماثلا حين فقدت إحدى صديقاتي العربية الأصل إبنتها قبل سنوات ، تاركة طفله لم تتجاوز الثالثة من العمر. وإعتقدت أنه ومن الطبيعي أن تتولى الجدة رعايتها لإنشغال الأب بوظيفته أو لإعتقادي بأن الأب غير قادر على رعاية وحماية إبنته. ولكني فوجئت حين سؤالها عن ذلك بإجابتها بالتاكيد بأن الأب سيتولى رعايتها وتربيتها تحت إشراف العائلة كلها، فيكفي أنها فقدت أمها فمن غير المعقول أن تفقد أبوها في نفس اللحظه وتتيتم في هذه السن الصغيرة؟؟&
فاجئني جواب صديقتي.. وإعتقدت في داخلي أن هذا هو منطق الأغنياء ، لأنهم عملوا على شراء بيت قريب منهم لإقامة البنت ووالدها. ولكنيي وبعد تفكير عميق في الموضوع ، وجدت أنني مخطئة في ظني بعدم قدرة الرجل على لرعاية ولكننا في ثقافتنا وتفكيرنا ’نفضّل إخلاء الرجل من المسؤولية برغم أن عواطفه تجاه أطفاله لا تقل أبدا عن عواطف الأم..
’ترى وفي مثل هذه الحالة ( وفاة احد الوالدين ) من هو الأولى والأقدر على رعاية وحماية الأطفال. وهل الجدة أم الأم في حالة وفاة الأم.. أم الجدة أم الأب في حالة وفاة الأب أقدر على رعايتهم أم أن الوالد الحي هو الأفضل والمسؤول؟؟؟&
فحسب القانون اللبناني والذي يعطى الحق لكل طائفة بالعمل حسب قوانينها الدينية!! وتبعا لإجماع فقهاء المذاهب الأربعة فالحضانة تنتقل في حال وفاة الأم إلى أم الأم ( الجده من الأم ) وإن إختلف فقهاء المذاهب الأربعة مرة اخرى في تحديد السن الذي تنتهي فيه حضانتها. ولكنهم تركوا الباب مفتوحا مرة اخرى لإخلاء الرجل من المسؤولية حيث يحق للأب الحضانة بشرط أن يكون معه إمرأة لتقوم برعاية الأطفال !!&
&أما في حالة وفاة الأب فالحضانة تؤول إلى الأم بشرط عدم زواجها !!! فإذا تزوجت تؤول الحضانة إلى الجدة من الأب أو العمة !!!&
لماذا ’نجذّر لعدم المساواة والتمييز بين الرجل والمرأة ، ولماذا لا يعمل فقهاء الدين بالمنطق والعدالة لكلا الطرفين؟؟؟&
لماذا نحرم الرجل من علاقة الحب الطبيعية مع طفلتيه؟ ثم أليس هو الأقدر صحيا على العناية بهن من الجدة التي لا تملك الطاقة الجسدية الكافية للقيام بمتطلباتهن؟؟؟&
وبرغم أنني نصيرة للمرأة إلا أنني وفي هذه القضية بالذات وليس فقط من منطلق إيماني بالمساواة.. بل من إيماني بأن عواطف الرجل تجاه أبنائه لا تقل عن عواطف المرأة في الحب والحرص على مصلحة الأطفال، فإنني أقف مع حق الأب في حضانة وتربية اطفالة.. وأعلم تماما أن عطله عن العمل لن يقف حاجزا أمام توفير كل مقومات الحياة الكريمة لهن خاصة وأن الحكومة البريطانية سخية جدا في موضوع الضمانات والمعونات المالية للوالد الوحيد. والأهم من ذلك الفرق الكبير في مستقبل الفتاتين بين أن يعيشوا في لبنان وقد يحصلوا على الجنسية اللبنانية؟؟؟ وبين أن تضمن لهم جنسية بريطانية ومستوى تعليمي أفضل بكثير ومستقبل؟؟؟&
حاولت إقناع الشاب بأنه وحماية لمصلحة ومستقبل الفتاتين أن يعيدوهما للأب، وأنه وفي هذه الحالة من الممكن حصول الجدة على حق الإقامة لتكون قريبه منهن، ولكن الرفض القاطع للفكرة، والإعتقاد بفساد الثقافة الغربية كان هو المسيطر على تفكيره. كنت أتمنى أن ’يفكر للحظة بأن قيم الثقافة الغربية و حقوق الإنسان هي ما أعطته الفرصة لتحسين حياته وأن ’حرم من هذه الفرصة طيلة عمره في لبنان وغيرها من الدول العربية الإسلامية، ولكن باءت كل محاولاتي بالفشل وذهبت أدراج الرياح. تماما كما قد يذهب مستقبل الفتاتين أدراج الرياح في معظم الدول العربية خاصة وأن العائله غير متمكنه ماديا؟؟؟؟&
نعم أؤمن بالعدالة وبالمساواة في الحقوق وفي الواجبات، ومن خلال تجربتي الحياتية لا أستطيع إنكار بأن هناك الكثير من الرجال الذين يتفانون في رعاية أطفالهم تماما كما تتفانى الأم وربما أكثر في بعض الحالات..&
نعم صديقتي محقة بغض النظر عن ظروفها المادية، وتيقنت كأم وكإمرأة بمنطقية إجابتها حينما اعدت السيناريو في مخيلتي عدة مرات...
&