&فى صباى كنت وأقرانى دائما ما نتشاحن مختلفون على من هى الاجمل منهن،وهن كن تلميذات مدرسة البنات الثانوية المجاورة لمدرستنا مدرسة البنين حيث كان الطريق يجمعنا كل يوم ذهابا وعودة، وكانت معرفتى المحدودة بالشأن الانسانى وقتها تغلق على عقلى أسباب هذا التباين الشديد فى الآراء، وكنت اتعجب لماذا وهى صورة واحدة تختلف نظرتنا اليها، فمابين تعبير جميلة جدا أو فاتنة وتعبير دميمة وبينهما متوسطة الجمال كانت آراء الرفاق تتأرجح، ونادرا ماكانت تحصل احداهن على اغلبية ولا أقول اجماع فى الرأى، وأذكر أن درسا خاصا جمعنى مع احداهن وكان رأيى المسبق فيها متطرفا حيث كنت أعتبرها نقيض الجمال، ولسبب ما كنت أعتقد أنها تعرف رأيى فيها، لذا كنت أتحاشى النظر أو الحديث اليها، لكن مع الوقت ومع جو مرح يصطنعه المدرس للتخفيف من ثقل المادة وأذكر انها كانت أحد فروع الرياضة البحته بدا الجليد يذوب بيننا رويدا رويدا، فى البدء اختلست نظرة الى دفترها ولازلت أذكر تلك الحركة اللاشعورية التى قمت بها فجأة حيث أغلقت دفترى بسرعة البرق عندما رأيت دفترها ذى الصفحات المنمقة والخط المنسق الجميل عكس حال دفترى المهلهل وخطى الردئ، نسيت أن أقول لكم أنه فى خضم الخلاف مع الاقران ابتدعت لنفسى مقياس خاص للجمال، خيل الى وقتها اننى اكتشفت نظرية فريدة يمكن بها حسم الخلاف حول جمال أو دمامة هذه أو تلك، كانت النظرية المبتكرة أننى كنت أتخيل شاربا فى الوجه الانثوى المراد تقييمه، فان اتسقت ملامح الوجه مع الشارب كانت دميمة،أما اذا رفضت ملامح الوجه وجود الشارب فتلك انثى، عندئذ يمكن تقييم درجة جمالها،وفى غفلة منها طبقت النظرية المزعومة على وجهها، وبدلا من أن أصيح كما صاح نيوتن وجدتها وجدنها، وجدتنى أضحك بصوت مسموع، مما أثار فضول وتساؤل الجمبع وعجزت بالطبع عن الافصاح عن السبب، فقد رفضت ملامح الوجه بشده وجود الشارب المزعوم، عندئذ فقط أدركت مدى سذاجة النظرية الفريدة فى قياس الجمال، وكذا مدى الخطأ الفادح الذى ارتكبته فى حق وجه الزميلة، ومن ثم بدأت أعيد حساباتى فالوجه لم يتقبل وجود الشارب،ثم اكتشفت عن قرب أشياء أخرى من تلك التى لا ترى عن بعد، اكتشفت صوتها الذى لم أكن قد سمعته من قبل صوت رقيق ناعم هادئ واثق، واكتشفت رائحتها حيث لكل انثى رائحة تميزها، ورأيت اشياء أخرى من تلك التى لاترى الا عن قرب، رأيت مالا يرى عن بعد رايت ابتسامة عذبه تكشف عن صفي أسنان متناسقين،ورأيت روحا مرحة جميله تسكن فى هذا الكيان وهو الجمال الكامن الذى لا يحكم عليه بلصق شارب على الملامح،ومن يومها عرفت أن الجمال هو احساس شخصى نسبى محض تحسه فى وجه أو فى زهرة أو فى لوحة أو فى نغمة أو فى تشكيل أو فى كلمة، حيث لامعايير محددة سلفا ولا قوالب جامدة للقياس، وفى رحلة الحياه رأيت وجوه جميلة بمقاييس الناس،وعندما اقتربت منها تبدلت الملامح الى النقيض والعكس كان صحيحا.

ولولا متذوقيه ما كانت فنون ولا أبداعات ولا ابتكارات،حيث حب الجمال هو حب الحياه، وهو الدافع الاول لاعمار الكون واستمرار الجنس البشرى وحمايته من الانقراض،وعندما جادت السنون على بخبرات الحياه عرفت ان اختزال الجمال فى وجه انثى هو قصور فكرى يجمد شعور الانسان عند منحى واحد من مناحى الحياه، وان جمال الوجه هو عنصر واحد ظاهر من مظاهر الجمال عند الانثى،وهناك عناصر أخرى عديدة منها الظاهر ومنها الباطن، وأن جمال الانثى هو محصلة كل العناصر مجتمعه، والانثى الجميلة هى مظهر واحد من مظاهر جمال الحياه،التى منها الفن والحب والسلام والخير والحق والنظام والكمال والنور والقوة وكل القيم السامية ومكارم الاخلاق التى تبنى بها الحضارة الانسانية، وكما للجمال محبوه ومريدوه هناك أعداؤه وكارهوه،هناك محبو نقيضه محبو القبح والدمامة والفوضى والظلم والظلام والعنف وكل قيم الشر الدنيا،القيم التى تدمر الحضارة الانسانية،ومحبو الجمال لايرونه لعنة بل يرونه هبة من الخالق يتأملها الناس بسمو فكر لا بنظرة اشتهاء حيوانى، ومحبوه يضعونه فى اطار ليظهروه متعه للناظرين،وكارهوه يتفننون فى طمسه ويشوهونه ويعتبرونه فتنة ملعون من يقترب منها،ومع مضى قطار العمر تبدلت نظرية الشوارب بنظرية القلوب،تلك التى لاتخطئ فى تقييم الاشياء تقييما خاصا يجمع بين ظاهر الاشياء وباطنها، وسيظل اختلاف الآراء فى تقييمه الجمال قائما الى أن يصيح أحدهم وجدتها وجدتها ثم يكتشف ما اكتشفت سيجد نفسه يضحك بصوت عال.